شهرين يا بخيل؟، ستين شمس وستين ليل؟، النبي يا حراجي ما أطول قلبك، لاقطع بسناني الحتة القاسية فيه.. هكذا عبرت فاطنة، زوجة المواطن المصري حراجي القط، العامل في السد العالي، عن غضبها من الزوج الذي خلف أسرته، وطنه الأصغر من أجل وطن أكبر لن يبخل يومًا بعطائه على أبنائه، وغاب عنها حتى برسائله طيلة شهرين وأكثر، فقدت خلالهما "فاطنة"، الأمل في أن تلتقي ثانية بزوجها وحبيب عمرها الذي صار يجسد الأهل والزوج وحتى الوطن، فلم تلبث تصلها رسالته، حتى بادرت بالرد برسالة امتزجت فيها مشاعر الحب، بالقسوة التي تمثلت في جملة من الاتهامات التي انهالت بها الزوجة على الزوج، ومن بينها البخل وقسوة القلب.
الواقع أن حراجي القط، لم يكن بقاسي القلب مثلما اتهمته فاطنة، ولم تتسلل القسوة إلى قلبه يومًا، ولكنه بطل الملحمة التي تقدس قيمة العمل، إنها حكمة الغلابة الذين يتطلعون برغم بساطتهم إلى أسمى مراتب الترقي بوطنيهما، الصغير "الأسرة"، والكبير "البلاد"، ولأن "الكريم يجود بما عنده"، وعلى قدر الحب تأتي التضحيات، فإن تضحية حراجي، المتمثلة في ترك أبنائه من أجل السد العالي، بدت هينة في منظوره.
القيمة التي جسدتها جوابات حراجي القط، لم تكن الوحيدة، فهناك العديد من القيم الإنسانية، والتجارب الشعورية التي استعرضها الخال عبد الرحمن الأبنودي، الذي رحل عن عالمنا في نفس شهر مولده، بكلمات غنائية شكلت تترات مقدمات ونهايات العديد من المسلسلات، التي تربى عليها أجيال متعاقبة، وجاءت مفعمة بالقيم الإنسانية التي تركت أثرًا عميقًا في وجدان المصريين.
صرخ الأبنودي نيابة عن أجيال كاملة وصرخ فيهم أيضًا، وخاطب وجدانهم، وأنار لهم الطريق في تجاربهم الحياتية، المظلمة منها والمضيئه، علمهم كيف يصطفوا ويثابروا في طرق بوابة الحياة بالأيدين، والنهوض بأهلها من غفلتهم، لتتكشف المسارات وتحقق الأحلام دون موج عال.
أوضح الأبنودي لتلك الأجيال كيف تكون المبادئ، وكيف تصبح كل مسألة في الحياة مسألة مبدأ، وكيف تكون واجبات أولاد آدم تجاه أوطانهم، وكيف تسير ضمائرهم، وكشف المغالطة والفكرة النمطية عمن اعتبرهم الكثيرون ديابة، وهم في الأصل غلابة، وهو ما دفعه للمزيد من الكشف فنفض الغبار عن أصول لعبة الكومي، وبعدما نضج محبيه بما يكفي لاستقاء الحكمة وصياغتها، فتح لهم أبوابها على يد شيخ العرب همام.
ويستعرض "أهل مصر"، في التقرير التالي، أبرز 20 تتر مسلسلات كتب كلماتها الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، وتربى عليها أجيال متعاقبة، فأثرت وجدانه، وشكلت شخصيته، وتركت فيه أثر تجعل الزمن أعجز عن المساس بإنسانياته، أو الانتصار عليه.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
