اعلان

الأكراد يخسرون معركة "كركوك" بدون قتال.. تفاصيل اجتماع قبل 24 ساعة من التحرك العسكري يكشف لغز الهزيمة

كتب : سها صلاح

لم تكن مشكلة إقليم كردستان العراق مع بغداد حول كركوك وليدة اللحظة، فهي تمتد لثلاث سنوات، منذ سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من العراق، وانسحاب الجيش من محافظات عراقية عديدة كانت من بينها كركوك التي ما لبث الأكراد أن دخلوها تحت فرض الأمر الواقع، وسيطروا على آبار النفط فيها، لترد الحكومة العراقية حينها بتجميد حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية.

لم يكن استفتاء استقلال إقليم كردستان الذي جرى في 25 سبتمبر الماضي إلا الشرارة التي أشعلت فتيل الأزمة، والتي ما لبثت بغداد أن رفضت نتائجه جملةً وتفصيلًا، لتبدأ حينها سلسلة إجراءات امتدت من الحظر الجوي إلى البري، وصولًا إلى مطالبة البيشمركة بانسحابها من كركوك.

-مبادرة ما قبل التحرك العسكري

لم تدخر الحكومة العراقية وعلى لسان الناطق باسمها جهدًا في نفي أي مهلة كانت قد أعطتها لقوات البيشمركة للانسحاب من مدينة كركوك، والتي كانت وسائل إعلامية قد ذكرت أنها كانت 48 ساعة، ثم مددت المهلة لـ24 ساعة أخرى، والتي نفتها الحكومة أيضًا.

آخر المبادرات التي جاءت قبل ساعات قليلة من بدء تحرك القوات العراقية كانت في مدينة السليمانية التي شهدت اجتماعًا ضم كلًّا من الرئيس العراقي الكردي فؤاد معصوم، ومسؤولين من كلا الحزبين الرئيسين في الإقليم المتمثلين بالحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل والاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، كما ضم الاجتماع الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني.

كانت المبادرة التي رعاها الرئيس العراقي فؤاد معصوم تتضمن تنازل الأكراد عن سيطرتهم على آبار النفط في كركوك لصالح الحكومة الاتحادية، إضافة إلى تمكين القوات الاتحادية من دخول كركوك المدينة، وفرض إدارة مشتركة داخلها، ومددت مهلة الحكومة العراقية 24 ساعة إضافية إثر هذه المبادرة التي قوبلت بالرفض من قبل حزب مسعود البارزاني رئيس الإقليم، لتبدأ بعدها بساعات تفاصيل الحكاية.

-لماذا هُزم الأكراد في كركوك؟

إقليم كردستان العراق، والذي حاز على حكم ذاتي شبيه بالاستقلال عام 1991، يحكمه حزبان رئيسيان يتوزع ثقلهما بين محافظات الإقليم الثلاث، إذ تكمن قوة حزب الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني في محافظة السليمانية شمال شرق العراق، أما الحزب الآخر فهو الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم مسعود البرزاني، والذي تكمن قوته في محافظتي أربيل ودهوك.

حتى عام 2003 لم يكن هذان الحزبان على اتفاق، إذ إن لكل حزب إدارة خاصة بالمناطق التي كان يسيطر عليها، وما زاد الطين بلة بين الحزبين ما حصل من اقتتال داخلي بينهما عام 1996، والذي اضطر خلاله مسعود البارزاني إلى طلب النجدة من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لإنقاذه من الزحف العسكري الذي كان جلال طالباني يقوده، والذي اكتسح بالفعل مدينة أربيل ووصل إلى حدود محافظة دهوك، كل هذه الخلافات لم تكن لتجعل كلا الحزبين يثقان ببعضهما البعض حتى بعد 2003.

هذا الاختلاف بين الحزبين لم يستمر سياسيًّا فقط، بل امتد إلى مستويات إدارية وعسكرية ميدانية، نتج منه انقسام قوة البيشمركة بين إدارتين مستقلتين.

وقالت صحيفة النيوز بوكس الأمريكية في توصيفها للحزبين الرئيسين في إقليم كردستان، أن كلا من جلال الطالباني ومسعود البارزاني كانا تحت راية حزب واحد، ويضيف أن جلال الطالباني كان أحد المؤسسين الخمسة الذين شكلوا الحزب الديمقراطي الكردستاني مع والد مسعود البرزاني الراحل مصطفى البرزاني، لكن ما لبث الراحل جلال الطالباني أن انفصل ليشكل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

وفيما يخص ولاءات كلا الحزبين يضيف الزبيدي أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني معروف بعلاقاته التاريخية مع إيران، أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فله علاقات قوية جدًا مع تركيا توطدت كثيرًا خلال الحصار الدولي الذي فرض على العراق في العقد الأخير من القرن الماضي، حيث كان الحزب يسهل عمليات تهريب النفط العراقي إلى تركيا لصالح النظام السابق مقابل عمولة معينة، وأردف الزبيدي أن كلا الحزبين يتمتع بعلاقات قوية جدًّا مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى أبرزها بريطانيا.

-سيطرة القوات العراقية على كركوك

بعد أسبوعين من مطالبة بغداد للأكراد بتسليم مواقع مهمة يسيطرون عليها في كركوك، ومع منتصف ليل الاثنين، بدأت القوات العراقية المتمثلة في الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية إضافة إلى الحشد الشعبي بالتحرك نحو كركوك انطلاقًا من جنوب المدينة في عملية أطلقت عليها بغداد اسم "عملية فرض الأمن في كركوك".

وفي خلال ساعات، سيطرت القوات العراقية على منشآت مهمة حول كركوك دون اشتباك يذكر، حيث أعلنت القوات العراقية فرض سيطرتها على مناطق واسعة من كركوك من بينها مطار المدينة العسكري، وقاعدة K1 العسكرية، وحقول نفطية، وذكرت قيادة العمليات المشتركة ظهر الاثنين 16 أكتوبرفي بيان لها أن قوات الشرطة الاتحادية والرد السريع سيطرت على مطار كركوك شرق المدينة، الذي كان تحت سيطرة قوات البيشمركة الكردية منذ صيف عام 2014 إثر انسحاب الفرقة الثانية عشرة من المدينة، تزامنًا مع اكتساح تنظيم الدولة "داعش" محافظات عراقية في يونيو 2014، وأضافت أن "قوات جهاز مكافحة الإرهاب أكملت إعادة الانتشار في قاعدة k1 بشكل كامل شمال غرب مدينة كركوك".

وعن مصلحة السليمانية في تسليم كركوك لبغداد دون قتال، أوضحت الصحيفة أن تسليم المدينة جاء لهدفين اثنين، أولهما يتمثل بعدم اقتناع حزب الاتحاد الوطني بما وصلت إليه الأوضاع بعد الاستفتاء إضافة إلى الضغط الإيراني، إذ إن النفط المباع من كركوك كان يذهب ريعه لصالح حزب البارزاني، ونتيجة لذلك قطعت الحكومة الاتحادية في بغداد الموازنة عن الإقليم ما حرم عشرات آلاف الموظفين في محافظات الإقليم الثلاث من مرتباتهم منذ ثلاث سنوات، وبالتالي فالضرر الذي لحق بالسليمانية كان مضاعفًا من بغداد وأربيل، ولذلك رأت إدارة الحزب في السليمانية تسليم المدينة لتحقيق هذين الهدفين.

-أبرز ردود الفعل الإقليمية والدولية على خطوة بغداد

توالت ردود الأفعال الدولية تجاه ما حدث ويحدث في كركوك، ولعل أهم المواقف الدولية تمثل بموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ قال إن أمريكا لا تنحاز إلى أي طرف في الاشتباكات بين الأكراد وبغداد، وأشار ترامب في تصريحات للصحافيين إلى أن بلاده لا ترغب في أن تستمر الاشتباكات بين البيشمركة والقوات العراقية.

أما تركيا، فقد قالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها إن تركيا تدعم الحكومة العراقية في تحركها لإعادة السلام والاستقرار في كركوك، وأضافت الخارجية التركية من أنها تحذر حكومة إقليم كردستان أنها ستخضع للمحاسبة لسماحها لحزب العمال الكردستاني التركي المعارض بالاختباء في المدينة. وذكر البيان أن تركيا ترصد عن كثب خطوات الحكومة العراقية لإعادة سيادتها الدستورية على كركوك، التي تمثل وطنًا للتركمان منذ قرون، بحسب الخارجية التركية.

وعن موقف السعودية، أكد العاهل السعودي في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي دعمه وحدة العراق، ورفض المملكة نتائج استفتاء إقليم كردستان، بحسب ما نشره المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي.

تطورات سريعة تشهدها الساحة العراقية إثر عملية فرض الأمن في كركوك، من يوم الثلاثاء ، ذكرت مصادر صحافية أن قوات مسلحة من الجيش العراقي والحشد الشعبي تمكنت من الدخول إلى قضاء سنجار شمال غرب محافظة نينوى دون قتال، وذلك إثر انسحاب قوات البيشمركة منها، وأنزلت تلك القوات العلم الكردي ورفعت العلم العراقي ما يدل على بسط سيطرتها الكاملة على القضاء الذي كان ضمن المناطق المتنازع عليها، ويخضع لسلطة الإقليم منذ ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.

وكان تنظيم داعش قد سيطر على مدينة سنجار في عام 2014، ما لبثت بعدها قوات البيشمركة أن حررت المدينة بدعم من التحالف الدولي، وأعادت انتشارها في المدينة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً