اعلان

أكشاك المال الحرام.. 200 مركز ومؤسسة "وهمية" للنصب وجمع تبرعات للمكفوفين بالمحافظات (مستندات)

الثراء وجمع المال حلم مشروع يراود عقول كثير من الناس شريطة أن يكون من خلال طرق مشروعة، لكن كثيرا من أصحاب النفوس يكنزون المال من مصادره الحرام، لكن الغريب في الأمر أن هناك فئة لها ظروفها الخاصة التي تميزها عن غيرها من حيث جمع المال وتحقيق ثروات، وهم فئة من "المكفوفين" الذين استغلوا إعاقتهم في كسب المال بصورٍ غير مشروعة والنصب على المواطنين وأصحاب الأعمال، مستغلين غياب الرقابة وتعاطف المسؤولين من الدولة معهم وأصحاب الشركات الذين يسخرون جانباً من أموالهم للتبرع بها لهؤلاء استعطافاً معهم.. وإلى التفاصيل.

مراكز ومؤسسات وهميةالبداية بادعاء هؤلاء المحتالين بإنشاء مراكز ومؤسسات باسم المكفوفين، مستغلين استعطاف المسؤولين بالدولة في تخليص الأوراق اللازمة لإنشاء مركز دون أن يتم إرسال لجنة لمعاينة المنشأة التي سيقام فيها المركز، كما يتم استخراج الأوراق على أنه مركز لتوريد أدوات للنظافة، والحقيقة أن هذه الطرق تتمثل في إنشاء مركز أو مؤسسة "على الورق" باسم المكفوفين كذباً وزوراً ولا وجود لهما في الحقيقة، ولكنها حجة يستغلونها في جمع التبرعات من الشركات والمحال التجارية وغيرهما، مدعين أنهم أصحاب مراكز ومؤسسات تقوم برعاية الأسر التي يغشاها الفقر من المكفوفين والرفع من مستواهم العلمي والعملي والاجتماعي، وهناك من يدّعي أن لديه مصنعا للتدريب المهني على صناعة الخيزران والأشغال اليدوية والتريكو الذي أنشئ ليرعى شتى شؤون المكفوفين.صرف التبرعات على المتعةحقيقة الأمر أن هذه المراكز هي مراكز فردية ليس لها وجود على أرض الواقع وإنما يقوم أصحابها بجمع التبرعات ووضعها في جيبهم الخاص، وصرفها على المتعة والعيش وتكوين الثروات، كما يستخدم هؤلاء المحتالون في كتابة طلبهم الذي يتقدمون به إلى المسؤولين بالشركات المراد منهم التبرع الكلمات الرقيقة التي تثير مشاعرهم وتدغدغ عواطفهم لاستعطافهم وحثهم على التبرع لهم أو شراء طلبات التوريد سواء أدوات نظافة أو غيرها بأضعاف مضاعفة لسعرها الحقيقي المدون في الطلب.كما يستغلون الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة والعبارات الدينية لحثهم على الإنفاق والتبرع، بل إن أحدهم من أصحاب المؤسسات الوهمية دون شفقةً أو رحمةً وعلى غير استحياء قد تقدم بطلبٍ إلى "مركز الكلى بالمنصورة" من أجل التبرع له تحت شعار "توريد أدوات النظافة"، ولم يراع أنها أموال لعلاج المرضى.التسول خارج مصرلم ينحصر الأمر في جمع تبرعات من داخل مصر فحسب، بل هناك من بعث بطلبٍ لجمع تبرعاتٍ من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى "مؤسسة الشيخ زايد لذوي الاحتياجات الخاصة" عن طريق الحساب بالبنك، وجاء في الطلب: (نرجو من سيادتكم التكرم بالموافقة على مساعدتنا حيث ان المؤسسة تقوم على مساندة المكفوفين على الحياة، فالمؤسسة لها دور بارز في مساعدة المكفوفين بشتى الطرق..)، الأمر الذي أصبح أشبه ما يكون بالتسول داخل مصر وخارجها مما يعكس صورة سيئة عن مصر في أعين العالم.أكثر من 200 مركز ومؤسسةكشف حسين عاشور، عضو سابق بجمعية "المضيء للمكفوفين" بالإسكندرية ومعلم أول بالتربية والتعليم، عن أسماء عديد من هذه المراكز والمؤسسات الوهمية وأسماء أصحابها، وكذلك عدد من الطلبات المقدمة لبعض الشركات والجهات المختلفة لجمع تبرعات أو لتوريد أدوات نظافة، والتي حصلت "أهل مصر" على نسخة منها.وأكد "عاشور"، أن كثيرا من أصحاب هذه المراكز والمؤسسات يتخذون لهم أسماء أصلية وأسماء حركية، كما يفوق عددهم الـ200 مركز ومؤسسة على مستوى محافظات مصر، مؤكدا أنه لا وجود لهم في الواقع وأصحابها يدّعون أن هذه المراكز بها مكفوفون ويقومون بالإشراف عليهم وأنهم يوردون أدوات للنظافة إلى الشركات، كما يقومون بكتابة عباراتٍ مؤثرة لاستعطافهم للتبرع لهم أو للشراء منهم، موضحا أنهم يجنون من وراء ذلك أضعاف السعر المحدد للسلعة ويضعون هذه الأموال في جيبهم الخاص؛ لأنه في الواقع كل شخصٍ من أصحاب هذه المراكز فردي وليس هناك من يعولوهم أو يقومون بالإنفاق عليهم من المكفوفين كما يدعون.عناوين وهميةكما أكد عضو الجمعية أن كل هؤلاء من أصحاب المراكز الوهمية لديهم عملهم الخاص فهم يعملون موظفين في شركاتٍ، أي أن لهم مصدر رزق آخر بعيداً عن هذا النصب والاحتيال، مشيرا إلى أن أحدهم ذات مرة جاءت إليه سيارة "نصف نقل" محملة بالسمن على عنوان المركز المدون في الطلب الذي تقدم به صاحبه للشركة للتبرع له، وفوجئت الشركة بأن هذا العنوان إنما هو شقة سكنية وليست مركزاً كما ادعى، وقاموا بالإمساك بصاحب المركز وكادوا أن يسلموه للشرطة ولكنهم تركوه استعطافاً معه نظرا لأنه كفيف.الدولة السببوأشار إلى أن السبب الحقيقي وراء تفشي هذه المراكز والمؤسسات وانتشارها هو الطمع المادي وجمع الثروات مستغلين تعاطف الدولة معهم نظراً لإعاقتهم، وهذا خطأ من جانب الدولة، فالكفيف ليس هناك فرق بينه وبين المبصر ويسري عليه ما يسري على المبصر، وهذا إن دل فإنما يدل على الإهمال من جانب المسؤولين لعدم قيامهم بعمل معاينة للمنشأة قبل إعطاء التصاريح.وأوضح أن هناك اختلافا بين المركز والمؤسسة من حيث الإجراءات، حيث يتطلب المركز التقدم بطلب إلى مصلحة الضرائب لاستخراج بطاقة ضريبية باسم المركز لتوريد أدوات النظافة، فتقوم مصلحة الضرائب بأخذ العنوان والبيانات ويكون مع المتقدم صورة من عقد المنشأة أو المكان الذي اختاره ويتسلم ورقةً ليذهب بها إلى الغرفة التجارية وهناك يُسأل عن رأسماله لفتح سجل تجاري، وهنا يقوم الموظف بمساعدته حيث يختار له بـ10 آلاف جنيه وهو أقل مبلغ مراعاة للرسوم التي سيدفعها بعد ذلك، وهنا من المفترض أن يخرج معه موظف السجل لمعاينة المكان ولكن في الحقيقة أن ذلك لا يحدث.وتابع أنه يتم استخراج السجل التجاري له وإعطاؤه رقم السجل والبطاقة الضريبية ويقوم بعمل ختم بالرقمين والذي يستخدمه في العروض والفواتير التي تُقدم للمصالح والشركات التي يبيع لها، أما بالنسبة للمؤسسة فهي تستخرج بترخيص من الشؤون الاجتماعية مثلها مثل إشهار أي جمعية خيرية، حيث يقوم المتقدم بتقديم أوراقه على أنها مؤسسة ويتم إرسال لجنة من الشؤون الاجتماعية لمعاينة المكان المقرر للمؤسسة، وبعد ذلك يتم استخراج رقم إشهار للمؤسسة وتبقى تحت إشراف الشؤون الاجتماعية، ولكي يذهب إلى أي جهة لجمع تبرعاتٍ لابد أن يقوم بفتح حساب في البنك وتشترط البنوك على المؤسسة أن تقوم بفتح حسابها لأول مرة بمبلغ وقدره 20 ألف جنيه.التهرب من الضرائبوطالب عاشور، رئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية أحمد الوكيل، بأن يقوم بحملة لمعاينة هذه المراكز بعناوينها للتأكد من وجود مكفوفين يعملون بالفعل أم لا، لافتا إلى أن كل مركز من هذه المراكز يقوم بعمل الإقرار الضريبي بأن مكسبهم لا يتعدى الـ5000 جنيه حتى لا يقوموا بدفع ضرائب، أي أنهم يتهربون من الدولة في دفع الضرائب أيضاً، لذلك لابد أن يوقف رئيس الغرفة التجارية ورئيس مصلحة الضرائب هذه الأنشطة لأنها شخصية وفردية ويدّعون أنها للمكفوفين وهي ليس لها وجود.من جهته، قال عبدالستار عبدالحميد، عضو بجمعية الإسكندرية للمكفوفين، إن المشكلة تكمن في أن هذه المجموعة من المكفوفين المحتالين بدلاً من السعي بأدوات النظافة في الشوارع قاموا بفتح مراكز ويدّعون أنها لخدمة المكفوفين ويقومون بجمع تبرعاتٍ من وراء ذلك، ويضعون هذا المال الحرام في جيبهم الخاص ويتحصلون على تبرعات غيرهم ممن هم في حاجة لها ويستحقونها بالفعل.غياب الرقابةأضاف "عبدالحميد"، أنه متأكد مائة بالمائة من أن هذه المراكز والمؤسسات لا وجود لها وأنه يعلم حقيقة أصحابها ماذا كانوا وكيف أصبحوا بهذا الثراء، مضيفا أن السبب وراء انتشار هذه المراكز هو غياب الرقابة.وروى "عبدالحميد"، أن أحد هؤلاء المحتالين ذات مرة قد ذهب إلى رئيس فرع مصر للتأمين بشارع صفية زغلول بالإسكندرية مستغلاً اسم المركز، مدّعياً أنه يرعى 50 كفيفا ويحتاج إلى المساعدة، وبعد أن انصرف قام رئيس الفرع بالاتصال به للتأكد من اسم المركز، وبعد أن علم بأنه لا يوجد مركز بهذا الاسم حزن حزناً شديداً لذهاب المال لمن لا يستحق، مضيفاً أن هؤلاء المحتالين يبحثون عن الثراء على حساب الناس وهم بذلك يشوهون صورة الجمعيات الأخرى الرسمية.إساءة للمكفوفينأكد حسن حلمي الفولي، عضو بجمعية الفجر للمكفوفين، أن هذه المراكز هي في الحقيقة فردية يحتال بها أصحابها من أجل جني المال بطريقة غير مشروعة ووضعها في جيبهم الخاص، مضيفا أن كل مَن يريد التبرع للمكفوفين فهناك جمعيات كثيرة رسمية بجميع المحافظات وتحمل إشهارا من الشؤون الاجتماعية، أما المراكز فليس لديها إشهار وإذا كان لديها إشهار فهو إشهار وهمي.وأشار الفولي الى أن هذه المراكز يفوق عددها الـ200 مركز على مستوى محافظات مصر، بل الأدهى من ذلك أن هناك مَن يمتلك أكثر من مركز حيث يستخرج باسمه وباسم أفراد عائلته، ومن هذه المراكز ما لها أكثر من 20 سنة يمارس أصحابها هذا العمل، مضيفاً أنه من المفترض أن يقوم رئيس الغرفة التجارية ورئيس مصلحة الضرائب بدورهم، وأن يتم وقف هؤلاء ومحاسبتهم، فما يقوم به هؤلاء هو جشع متناهٍ وكسْب غير مشروع يسيء لجميع المكفوفين.نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
وزير الخارجية: التوترات الإيرانية الإسرائيلية حولت أنظار العالم عن معاناة غزة