اعلان

"المشردون في شوارع مصر".. 3 مليون "بائس" يفترشون الأرصفة.. المعاناة بين حر الصيف وبرد الشتاء.. و"التضامن": الظروف الاقتصادية سبب الأزمة

كتب : عبده عطا

أحياء لكنهم أموات.. يجسد هؤلاء الذين قست عليهم الدنيا صورة مصغرة لـ "أسري الحرب"؛ الكل كافرٌ به، فحرام عليهم أن يتواجدوا فى مكان بعينة، وحرام عليهم أن يأكلوا مايشتهون.."المشردون في شوارع مصر" يتلحفون بالبطاطين على جنبات الطريق، وتحت الكباري، وأمام محطات المترو من سقيع الشتاء الذي يرمي بهم صباح مساء، إما إلى مثواهم الخير، أو إلى مكان تتواجد فيه الرحمة والإنسانية.

إذا سألوا الناس حاجة وقفوا من بعيد، لأنهم يعلمون أن ملابسهم البالية، تبعث بريحة كريهة، ووجوههم الغابرة تبث الرعب في قلوب الناس، فمن تصدق عليهم أكلوا وشربوا، وإن لم يتصدق عليهم، بات الجوع والظمأُ حليفهم.

اتخذوا من العراء بيوتًا لهم، أطفالًا ورجالاً ونساءً، تترواح أعمارهم مابين الخامسة عشر عامًا إلى سبعين عامًا أو يزيد؛ بعضهم يعرف من هو ومن أين أتي، والبعض الآخر لا يعرف عن نفسه شئً.

بلغ عدد المشردون فى الشوارع وعلى الأرصفة ثلاثة ملايين شخصًا حسب البيان الذي أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2016، إلا أن هذا العام يشير إلي تزايد هذه الظاهرة بشكل كبير، نظرا لتواجدهم الكثيف بالشوراع والميادين.المآساة في كل مكان:

أينما ذهبت عيونك فى ضواحي القاهرة تمت صورة رجال ونساء يفترشون الأرض على جنبات الطريق، وتحت الكباري، وأمام المترو.. تتغاض عنهم الحكومة، فلا أحد يمد لهم يد العون ليحميهم من برودة الشتاء، إلا قليل من الجمعيات الخيرية التي تدشن حملات مع قدوم فصل الشتاء لتأويهم من البروده بـ" بطانية".على بعد خطوات من كوبري المريوطية الكائن فى شارع فيصل، تلتحف سيدة مسنة بالبطاطين، يبدو من إنحاء ظهرها وجسدها الهزيل أنها في العقد السابع من عمرها، عندما اقتربت منها "أهل مصر" وسألتها عن معاناتها مع فصل الشتاء انهمرت فى البكاء فلا يسمع منها إلا آنين وآهات.كانت الساعة الرابعة عصرًا عندما تحدثت "أهل مصر"مع هذه السيدة المشرده فى الشارع، فمنذ صباح هذا اليوم وحتي ذلك التوقيت الذي قابلناها فيه، لم تطعم السيدة المسنة إلا لقيمات" ما أكلتش من الصبح غير سندوتش فول"، مشيرة بأيديها المرتعشه إلي مطعم مجاور لها " من المطعم ده، وحتي روح أسأله".

برأس عار، وشعور مبعثرة، وملابس بالية ممزقة ونظرة مفزعة، بادرت الأم سائلة "أنت عايز أيه؟"..، بعد أن اطمئنت قالت: "أنا بقالي عشرين سنة على الرصيف، ومش عارفه أنا منين، ومفيش حد بيحن عليه زي ما أنت شايف ويوم أكل ويوم ماأكلش".بعد مرور عشرين عامًا على هذه الأم التائه فى الأرض، يبدو من خلال حديثها أن الذاكرة خانتها، فلم تستطيع أن تتذكر من هي ولامن أين جاءت، لكن الناس الذين ألفوا وجودها فى هذا المكان منذ سنوات ينادونها بإسم "الحاجة سيدة".

لا تسأل الناس حاجة إذا أعطوها أكلت وشربت، وإلا بات الجوع يصارعها حتي الصباح؛ لا تطمع فى أن يكون عندها مكان تؤي إليه عندما تشعر بالبرودة، لكن كل أمانيها غطاء يغطي جسدها النحيل، وقليل من اللقيمات التي تبقيها على قيد الحياة إلي أن يقول القدر كلمته " مش عايزة حاجة غير بطانية علشان الساقعة بالليل، وأكل بس علشان الجوع بيقطع قلبي يابني والله".لم تختلف حالة "سيدة" البالغة من العمر 70 عًاما، عن حالة نظيرها الشاب الذي يجلس بعدها بأمتار معددوة "أمام فندق شهير"، والذي بلغ من العمر 32 عامًا، لكن الفارق بينهما هو أنه على دراية بكافة مايحدث حوله وعلى وعي بما يقول.كان هذا الشاب نائمًا تحت شجرة على جانب الطريق قبل نهاية شارع فيصل بخطوات، فالتراب هو فراشه الذي ينام عليه، والعراء هو سقفه الذي يأوية من سقيع الشتاء، قدماه أدماهما السير لأنهما حافيتين، ليس معه مايسدله على جسده كي لا تهنشه الكلاب الضالة، كما يقول.فى البداية رفض "ابراهيم على" الحديث لـ"أهل مصر" لكن بعد سجال طويل معه وافق على الحديث، لكن اشترط عدم تصويره، وافتتح الشاب كلامة قائلا " مفيش حد يعرف عني حاجة خالص الناس مفكرة إني معنديش عقل، وبيتعاملوا معايا على إني متسول.وعن سبب تواجده على الرصيف يواصل ابراهيم قائلا " أنا هربت من أهلى بقالي 17 سنة، بس أنا نسيت شكلهم ونسيت مكانهم فين، وحتي لو أعرف مكانهم مش عايز ارجعلهم، علشان اتعودت خلاص علي عيشت الشارع ومش فارقه معايا كتير.ويتابع ابراهيم" أنا اشتغلت فى شغلانات كتيرة لكن مرتحتش فيهم، لأني كنت ديما حاسس إن إلا بيتعامل معايا عايز يسخرني عنده علشان عارف إني مليش أهل يسألوا عليه فيشغلوني24 ساعة.ثمانية اعوام قضاها هذا الشاب على الرصيف، دون أن يسأله أحد عن سبب جلوسه أو تتبناه أي مؤسسه حكومية لطالما ردد أنا" عايز اكل لقمة حلال"، إلا أن الشاب عاد ليؤكد مرة أخري أن الحياة عنده هي والموت سواء!.

حملات إنسانية تكافح سقيع الشتاء بـ"البطاطين":يتكرر مع بداية فصل الشتاء من كل عام هذا المشهد، حينما يقوم بعض الإعلاميون، والجمعيات الخيرية بالإعلان عن فتح باب التبرع لشراء بطاطين، وتوزيعها على الفقراء، والمشردون في شوارع مصر.حملة مكافحة البرد:بدأت هذه الحملة منذ قرابة ثلاث سنوات، على يد مجموعة من الشباب المتطوعين لدى جمعية رسالة للأعمال الاخيرية، وقامت هذه الحملة بتوزيع عشرات الآلف من البطاطين على كافة المشردون فى شوارع مصر، ليس هذا فقط، بل استهدفت أيضًا المحافظات الأكثر فقرًا خاصة محافظات الصعيد.

وأكدت إيمان محيسن، مديرة إدارة التواصل بجمعية رسالة، أن الجمعية لازالت مستمرة فى تقديم المساعدات للمشردون فى الشوارع سواء عن طريق تقديم البطاطين لهم أو مساعدتهم فى التعرف على ذويهم وتوصيلهم إليهم، فضلا عن تقديم الخدمات العلاجية لهم.وأضافت مدير إدارة التواصل بجمعية رسالة، أن عدد من رجال الأعمال والمسؤلين قاموا بالتضامن مع الحملة من خلال التبرع بالبطاطين والمبالغ المالية، لشراء كافة المستلزمات من ملابس، وأدوية.بيت بسمة للإيواء:على غير المعتاد من المساعدات العينية كتقديم البطاطين والوجبات الدافئة للذين يفترشون الشوارع والأرصفة، قام مجموعة من الشباب كلهم في عمر الزهور وبعضهم على أعلى درجات العلم، بتدشين حملة تحت عنوان "بسمة للإيواء"، حيث استهدفت هذه الحملة النزول إلى الشارع ومساعدة هؤلاء الناس ولكن بطريقة خاصة.وتحدث محمد درج صاحب فكرة بيت بسمة للإيواء لـ "أهل مصر" عن هذه الحملة، مبينًا أن الفريق المتطوع فيها كلهم طلبة في الجامعات، موضحًا أن دورهم كان في البداية يقتصر على مساعدة الناس من خلال تنظيفهم بالصابون بالإضافة إلى تهذيبهم بقص شعرهم أيضًا.وأضاف "محمد درج"، أن بعض زملائه عرض عليه تسويق لهذه الحملة على مواقع التواصل الإجتماعي، مؤكدًا أن الكثيرين من الناس تعاونوا معهم وبدلاً من تنظيفهم هؤلاء الناس وتركهم في الشارع كما كانوا، قمنا بتخصيص مكان لوائهم فيه وتوفير كافة مستلزماتهم من أكل وشرب وعلاج.وأشار درج إلى أن فريق الحملة يقوم بنشر صور هذه الناس على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تنظيفهم لكي يتم التعرف عليهم من قبل ذويهم، مضيفًا أن بعد الحالات تم التعرف عليهم وقمنا بالتنسيق مع أجهزة الأمن وسلمناهم لأهليهم.

وطالب درج المؤسسات المدنية بتفعيل دورهم تجاه هؤلاء المشردون فى الشوراع بتخصيص أماكن إيواء لهم يستظلون فيه طوال العام، وإعادة تأهيلهم إذاكانوا شباب يستطيعون العمل.وكيل وزارة التضامن ليس هناك برنامج للمشردون في وزارة التضامنوفي السياق ذاته قال الدكتور كمال الشريف، وكيل أول وزارة التضامن، إن ظاهرة التشرد استفحلت في الآونة الأخيرة، معولاً على الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تدفع بهم إلى الشارع، ما تجعلهم يمتهنون التسول والتخريب في المجتمع.وأكد الشريف لـ "أهل مصر"، أن وزارة التضامن تقوم بمساعدة "المتسولين" من هؤلاء إذا كانوا أطفالًا، وذلك بعد أن تتوافر فيهم الشروط التي وضعتها لذلك، مشيرا إلى ان الوزارة قامت بتخصيص دار لهم فى مدينة حلوان يتم إوائهم فيها، وإعادة تأهيلهم مرة أخري لكي يستفيد منهم المجتمع.وأضاف وكيل وزارة التضامن، أن أعداد المشردون فى الشوارع لا يمكن حصرها، لأنها ظاهرة نسبية تزيد وتنقص، مستنكرًا أن يكون عددهم ثلاثة ملايين فقط، قائلا: "الإحصائية الي بتقول إن المشردون فى كافة أنحاء الجمهورية ثلاثة ملايين فقط غير دقيقة".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً