اعلان

مستقبل غامض للسودان بعد الأزمات الداخلية.. وخبراء: الخرطوم في مرحلة انتقالية لا تشبه أي دولة

تضرب معظم البلدان العربية في الوقت الراهن سيول من الصراعات والأزمات التي جرفت في طريقها أحلام وتطلعات أبناء هذه البلدان إلى مستقبل أفضل، وتمثل هذا التيار الجارف في انشقاقات وأزمات داخلية، ونزاعات إقليمية، وصراعات دولية على أراضي وطننا العربي.

ففي السودان على وجه الخصوص، اندلعت في الـ19 من ديسمبر من العام 2018، سلسلة من الاحتجاجات في بعض المدن السودانيّة بسببِ تردي الأوضاع الاقتصادية من ارتفاع الأسعار وغلاء في المعيشة وتدهور حال البلد على كلّ المستويات، وعلى إثر هذه الاحتجاجات تم عزل الرئيس السابق عمر البشير بتدخل من القوات المسلحة السودانية في الـ 11 من أبريل 2019، لتبدأ مرحلة انتقالية لمدة عامين اصطلح المجلس العسكري لاحقا مع قوى الحرية والتغيير، التي قادت الحراك الشعبي لعزل البشير، على أن تمتد الفترة الانتقالية إلى ثلاث سنوات يتولى خلالها مجلس عسكري إدارة شئون البلاد لحين إجراء انتخابات لنقل السلطة.

اقرأ أيضاً: "أطباء السودان": 11 قتيلا و20 جريحا في منطقة دليج بولاية وسط دارفور

ورغم ذلك، استمرت الاحتجاجات التي طالب فيها المحتجّون بتنحية المجلس العسكري الانتقالي وتشكيل حكومة انتقاليّة مدنية، ونظّم عددٌ كبيرٌ من السودانيين اعتصاماً قربَ القيادة العامّة للجيش وسط العاصمة الخرطوم، مُطالبينَ بتشكيلِ مجلس انتقالي مدني يقودُ البلاد في هذهِ الفترة كبديلٍ للمجلس العسكري، ولكن في صباح الثالث من يونيو الجاري، اقتحمت القوات السودانية مقر الاعتصام، لينتهي إثر هذا التحرك الاعتصام الذي دام قرابة الشهرين.

وتم إثر ذلك إيقاف المفاوضات التي كانت قائمة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بشأن إدارة المرحلة الانتقالية ونسب مشاركة كلا الطرفين فيها، ودعا تجمع المهنيين السودانيين إلى عصيان مدني شامل للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة لحكومة مدنية تتولى إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية وحتى إقامة انتخابات، ولكن ما حدث هو أن عاد تجمع المهنيين السودانيين ليدعو إلى تعليق العصيان المدني الشامل حتى إشعار آخر ولإعادة ترتيب الأوضاع.

اقرأ أيضاً: السودان.. إحباط محاولة انقلاب على المجلس العسكري واعتقال عدد من الضباط

وبعد هذا العرض التلخيصي للأزمة الداخلية القائمة حالياً في السودان، تُرى أيٍّ من النماذج العربية يقارب النموذج السوداني؟، وبعبارة أخرى، هل هناك من بين الصراعات التي تعصف بالبلدان العربية ما يشبه أو يقارب الأزمة الداخلية السودانية؟.

في هذا السياق، يقول المتخصص في الشؤون الأفريقية والكاتب الصحفي عطية عيسوي، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر": "إن السودان في مرحلة انتقالية حالياً، النظام فيه لا يشبه أي نظام في أي دولة عربية سواء كانت ديكتاتورية أو ديمقراطية"، موضحاً: "حتى الجزائر التي تشبه السودان إلى حد كبير، من خلال أن كلا البلدين تمران بمرحلة انتقالية، إلا أن هناك اختلافات كبيرة بينهما"، معللاً ذلك بقوله: "لأن النظام الدستوري في الجزائر مازال معمولاً به، ورغم هيمنة الجيش على الأوضاع هناك إلا أن عملية انتقال السلطة تتم وفقا لما نص عليه الدستور، من خلال تولي الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح السلطة حتى يتم إجراء انتخابات"، أما بشأن الوضع في السودان، أكد عيسوي: "بينما لم يتم الاتفاق في السودان على كيفية إتمام العملية الانتقالية حتى الآن".

اقرأ أيضاً: تفاصيل إحباط محاولة انقلاب على المجلس العسكري في السودان.. 86 ضابطا أغلبهم إسلاميون

وعن توقعاته لما يمكن أن يؤول إليه الحال في السودان مستقبلاً، أفاد "عيسوي" بأن "الأمر يحتاج إلى الانتظار حتى يتم استكمال الاتفاقات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وبالتالي لننتظر لنرى ما الذي يتم خلال هذه الفترة الانتقالية".

قال خبراء مطلعون إن الوضع في السودان قد يشبه إلى حد ما الأوضاع في سوريا، بالنظر إلى بعض الأطراف الفاعلة والحركات المتمردة، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة عزل الرئيس السوداني السابق عمر البشير، في الوقت الذي لا يزال فيه الرئيس السوري بشار الأسد يمارس مهامه كرئيس للبلاد، وتعقيباً على ذلك يقول المتخصص في الشأن الأفريقي والكاتب الصحفي عطية عيسوي في تصريحاته لـ"أهل مصر": "هناك اختلافات كبيرة بين ما يحدث في سوريا وما هو عليه الوضع الآن في السودان"، موضحاً: "ففي سوريا ليست هناك أحزاب بمعنى الكلمة، وليست هناك قوى سياسية معارضة للنظام أيضا بمعنى الكلمة، وإنما هناك متمردون على نظام الحكم، وهناك جهات خارجية تساند هؤلاء المتمردين وجهات خارجية تساند النظام الحاكم".

وبيّن "عيسوي"، أن الحال في السودان يختلف كثيراً من حيث قوة وفاعلية الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجهات المهنية قائلاً: "بينما في السودان هناك أحزاب قوية جداً على الساحة السودانية، مثل حزب الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي، وأيضا الحزب الشيوعي وحزب البعث والحزب الاتحادي برئاسة عثمان المرغني وغيرها من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المهني مثل تجمع المهنيين السودانيين، الذي قاد عملية إسقاط الرئيس السابق عمر البشير، وأيضاَ قوى الحرية والتغيير التي تضم أحزابا ومنظمات مجتمع مدني ونقابات مهنية وغيرها، هذه القوى الفاعلة في الساحة السودانية لها دور كبير ومسموع في الحياة هناك"، مشيراً إلى أن هذه القوى والتكتلات تعاني شيئاً من الضعف في أزمتها مع المجلس العسكري الانتقالي الحاكم حالياً في السودان، وأرجع ذلك إلى أن "الاختلافات فيما بينها في تصور شكل المرحلة الانتقالية، هي ما أضعفت موقفها أمام المجلس العسكري الحاكم".

وتابع المتخصص في الشأن الأفريقي في معرض حديثه عن الاختلافات القائمة بين النموذج السوداني والآخر السوري قائلاً: "بينما في سوريا على سبيل المثال لا توجد قوى مدنية معارضة بمعنى الكلمة؛ لأن النظام قتلها منذ أيام الرئيس السابق حافظ الأسد، وأيضاً العملية في سوريا كلها بين متمردين وبين نظام حكم الرئيس الحالي بشار الأسد، فالأمر يختلف كثيراً".

كانت صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية حذّرت، في مقال تحريري نُشر على موقعها الإلكتروني، الأحد الماضي، من حرب أهلية وشيكة في السودان، على خلفية فضّ اعتصام الخرطوم الذي أوقع عشرات القتلى في أسوأ أعمال العنف منذ الإطاحة بالرئيس عُمر البشير في أبريل الماضي، وفي هذا السياق يؤكد عيسوي أن "المخاوف من أن يتحول السودان إلى ساحة حرب مثل سوريا، أمر مستبعد إلى حد ما"، معللاً ذلك بقوله: "لأن قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين ما زالوا حتى الآن يصرون على التظاهر السلمي والعصيان المدني والإضراب العام بدون عنف، وكذلك مازالت الحركات المتمردة في أماكن مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق مازالت في حالة إعلان لوقف إطلاق النار، وبالتالي لم تعلن بعد لجوئها إلى العنف المسلح ضد المجلس العسكري، أو حتى ضد الحكومة المدنية المنتظرة".

واختتم "عيسوي": "من هنا نقول أنه لا خوف على السودان في المرحلة الحالية من حرب أهلية، وإنما من فوضى إذا لم يتم الاتفاق سريعاَ بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على شكل المرحلة الانتقالية، ففي هذه الحالة ربما تحدث فوضى يستغلها المتطرفون ويستغلها أنصار الرئيس السابق في إثارة القلاقل في البلاد.

ومن جانبها أكدت أماني الطويل، مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أنه من بين الأوضاع في الدول العربية لا يوجد نموذج مماثل لما هو عليه الحال في السودان، موضحةً أن الوضع في اليمن، على سبيل المثال، حرب إقليمية، والوضع في سوريا صراعات دولية، والوضع في السودان أزمة داخلية.

ومن هنا نخلص إلى القول بأن الوضع في السودان يتصف بتفرده وخصوصيته عن بقية الصراعات والأزمات التي تعصف بالوطن العربي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً