اعلان

البعد الثقافي يتجلى في قلب المعركة الانتخابية الأمريكية

الانتخابية الأمريكية
كتب : وكالات

مع اقتراب يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة في الثامن من نوفمبر المقبل يتجلى البعد الثقافي بوضوح في قلب المعركة الانتخابية المحتدمة بين مرشح الحزب الجمهوري الملياردير اليميني دونالد ترامب ومرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون التي تحظى بوضوح بدعم ومؤازرة غالبية المنابر والدوائر الثقافية في الولايات المتحدة.

والطريف والدال على المستوى الثقافي أيضًا أن هذه المعركة الانتخابية الساخنة والمثيرة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب تقدم زادا لكتاب الدراما كما يقول الأمريكي توماس مالون في مجلة نيويوركر فيما من المنتظر ان توفر هذه المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية "النسيج الدرامي لكتاب الأدب الروائي التاريخي.

ولعل هذا الكاتب الروائي والناقد وصاحب المقالات والطروحات الثقافية قد أصاب كبد الحقيقة عندما تحدث عن العلاقة الوثيقة بين الثقافة والأدب والسياسة، مشيرا إلى أن عالم السياسة بكل مفاجآته ومنحنياته وتوتراته ومفارقاته يقدم زادا لا ينفد لعالم الأدب وخاصة للكتاب الروائيين.

وتوماس مالون ذاته يشكل نموذجا ثقافيا دالا لهذه العلاقة الوثيقة بين السياسة والأدب وهو صاحب قصص وروايات استمدت زادا من الواقع السياسي الأمريكي والخيال الأدبي معا فيما كتب قصة حول سنوات الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في الحكم والتي انتهت في سبعينيات القرن الماضي بفضيحة لها علاقة بالتنافس الانتخابي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وهي الفضيحة التي عرفت "بووتر جيت".

وطريف أيضا أن يقول توماس مالون صاحب قصة "الخاتمة" عن السنوات الأخيرة للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان إنه لو كان له أن يكتب قصة أو رواية عن المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية في عام 2016 لاختار الكتابة عن مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون بشخصيتها الدرامية الثرية.

بل إن توماس مالون ذهب بخياله الروائي لحد تصور أن هيلاري كلينتون قد حققت بالفعل فوزا انتخابيا ساحقا على منافسها دونالد ترامب غير أنها تعاني ليلة هذا الانتصار الكبير من حالة إحباط شأنها في ذلك شأن ريتشارد نيكسون بعد أن حقق فوزا كبيرا في المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية عام 1972 ليسحق منافسه جورج ماكجفرن.

وهذا التفضيل الدرامي لشخصية هيلاري كلينتون يعكس في ثناياه تأييد هذا المثقف الأمريكي للانتخاب هيلاري كرئيسة للولايات المتحدة في مواجهة منافسها دونالد ترامب الذي يراه "شخصية سطحية وهو في نظره مسطح سواء على المستوى الدرامي أو كسياسي".

وبذلك تكون هيلاري كلينتون هي "بطلة القصة" لا منافسها دونالد ترامب سواء من منظور توماس مالون او السواد الأعظم من المثقفين الأمريكيين الذين لا يخفي أغلبهم عداء لمرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لاختيار الرئيس ال45 للولايات المتحدة دون أن ينال ما يتردد عن مخالفات تتعلق باستخدامات البريد الالكتروني لهيلاري أثناء شغلها منصب وزير الخارجية أو مبالغات لبعض مساعديها من هذا التأييد الكبير من جانب المثقفين لمرشحة الحزب الديمقراطي.

وكانت ظاهرة صعود السياسي اليميني الشعبوي الأمريكي دونالد ترامب قد سببت قلقا للعديد من المثقفين سواء في الولايات المتحدة أو خارجها وجدلا ثقافيا شمل العالم قاطبة ليعيد ذلك كله للأذهان حقيقة جوهرية تتمثل في أن المعارك الانتخابية الكبرى مثل معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي "ساحة للنزال بين الأفكار وصدام الرؤى والتصورات بقدر ماهي مناسبة لطروحات ومراجعات ثقافية عميقة ناهيك عما تشكله من اهمية للصحافة وكل وسائل الإعلام".

ومن هنا يقول الكاتب الصحفي الأمريكي فرانك بروني أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تشكل "لحظة من لحظات الحقيقة للميديا في الولايات المتحدة" فيما يعتبر "الميديا" أو وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الجماهيري في بلاده مسؤولة عن ظاهرة صعود ترامب ونجاحه في ان يكون مرشح الحزب الجمهوري في تلك الانتخابات.

وكان القلق المصحوب بالجدل قد تزايد على وجه الخصوص بعد أن حصل دونالد ترامب على العدد المطلوب من اصوات المندوبين لضمان ترشيح الحزب الجمهوري له في انتخابات الرئاسة الأمريكية فيما يتحدث فرانك بروني الكاتب الصحفي الشهير في صحيفة نيويورك تايمز بمرارة ظاهرة قبيل أيام معدودة من إجراء الانتخابات ليقول:"قد تكون ظاهرة الصعود السياسي لترامب ونجاحه في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري له في الانتخابات الرئاسية ليست بالظاهرة الجيدة لأمريكا لكنها بالتأكيد ظاهرة جيدة جدا لشبكة قنوات سي بي اس التلفزيونية".

وتأتي انتقادات بروني لبعض وسائل الإعلام وتحميلها مسؤولية ما يصفه "بصعود الظاهرة الترامبية" رغم أن صحيفته "نيويورك تايمز" أعلنت في افتتاحية صريحة تأييدها لهيلاري كلينتون في المعركة الانتخابية الرئاسية الحالية وهو الموقف ذاته الذي اتخذته صحف ومجلات مرموقة مثل "مجلة نيويوركر" ذات التأثير الكبير في الحياة الثقافية والسياسية الأمريكية.

ومع ان هذا الكاتب الصحفي يسبق نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي لا يمكن لأجد أن يجزم بها فيتوقع هزيمة دونالد ترامب أمام هيلاري كلينتون فإنه يوجه الكثير من اللوم "للميديا" بشأن "ظاهرة الصعود السياسي الترامبي" معتبرا أن وسائل الإعلام التي أسهمت في صنع هذه الظاهرة ستخسر ما يصفه "بأساسها المنطقي" مثلما سيخسر مرشح الحزب الجمهوري سباق الوصول للبيت الأبيض.

وإذ يذهب فرانك بروني إلى أن الميديا الأمريكية تواجه مع هذه المعركة الانتخابية الرئاسية ونتائجها ما وصفها "بلحظة الحقيقة" فإنه يوضح أن هذه اللحظة تتمثل في السؤال الكبير حول مدى خدمة وسائل الإعلام للديمقراطية عندما أسهم بعضها في "صنع الظاهرة الترامبية".

وكان الملياردير دونالد ترامب قد تفوق على 16 آخرين راودهم الأمل في نيل ترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية فيما كان لهذا التفوق أن يثير حفيظة صحفي ومثقف أمريكي مثل فرانك بروني والذي ينتقد بشدة سعي ترامب للتشكيك سلفا في نزاهة الانتخابات وإصداره حكم عليها بأنها "ستكون مزورة لو فازت منافسته هيلاري كلينتون".

ويرى فرانك بروني أن مثل هذه التصريحات والمواقف لدونالد ترامب انعكاسات سلبية خطيرة على الديمقراطية الأمريكية كما أنها تشكل "ظاهرة غير مسبوقة في الحياة السياسية للأمريكيين" فيما يصف بدوره الانتخابات الرئاسية المرتقبة بأنها " دراما يعد دونالد ترامب من أهم شخوصها بعد أن نجح في استثمار إحباطات عشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين واستولى على خيالهم وتلاعب بمشاعرهم".

ورغم مآخذه على "الميديا" وانتقاداته المريرة لوسائل الإعلام فقد يفسر ما يقوله فرانك بروني خلاصة طرح مشترك نشرته دورية "نيويورك ريفيو" بأقلام رونالد رابوبورت وآلان ابراموفيتز ووالتر ستون ويتسق مع ما ذهبوا فيه إلى أن "ظاهرة صعود ترامب" التي أثارت دهشة العديد من علماء السياسة وكبار الكتاب والمثقفين البارزين هي في الواقع "ظاهرة حتمية" ولم يكن بالوسع وقفها أو وأدها.

فبعد استعراض مسهب للمشهد الانتخابي التنافسي داخل الحزب الجمهوري رأى كتاب هذا الطرح أن الماكينة الانتخابية الداخلية في هذا الحزب أفرزت المرشح المؤهل أكثر من غيره للتنافس بقوة مع مرشح الحزب الديمقراطي لاقتناص الفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.

ورغم أن مواقفه وبياناته وتصريحاته العنيفة حيال المسلمين والمهاجرين المكسيكيين للولايات المتحدة تثير قلق بعض قادة الحزب الجمهوري إلا أنها تلقى هوى في نفوس كتلة كبيرة من الناخبين الأمريكيين حسب هذا الطرح المشترك وحتى "خطاباته الشعبوية في قضايا الاقتصاد" تلقى هوى في نفوس العديد من الناخبين الأمريكيين وتعزز موقفه الانتخابي و"تصنع من دونالد ترامب ظاهرة حتمية" في المشهد السياسي الأمريكي الراهن كما يتفق الكتاب الثلاثة في طرحهم المشترك.

ولعل ذلك يفسر أيضا ما كان قد أقدم عليه رئيس مجلس النواب الأمريكي بول ريان والذي يوصف بأنه من "القادة المحترمين للحزب الجمهوري" عندما أعلن من قبل تأييده لدونالد ترامب الأمر الذي أثار صدمة لدى مثقفين داخل أمريكا وخارجها باعتبار أن ترامب يمثل "الشعبوية الرخيصة والقبح " في منظور أغلب المنابر الثقافية الأمريكية وعلى حد تعبير صحف تنتمي للتيار الليبرالي مثل صحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز.

وفي تحليل لمواقف من وصفهم "بمفكري اليمين الأمريكي" رأى روس دوثات الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز أن اليمين فشل رغم كل شيء في اكتساب حضور يعتد به في صفوف الكوادر التنفيذية التي تدير في الواقع العديد من أوجه الحياة في الولايات المتحدة وتتحكم في مفاصلها مثل أجهزة الخدمة المدنية والنخب الإدارية والجامعات والدوائر الأكاديمية ومؤسسات الصناعات الثقافية فيما لم تنجح "لغة الخطاب الشعبوي لدونالد ترامب في جذب أعداد كبيرة من تلك الفئات".

ولا ريب أن ما يحدث في الولايات المتحدة التي مازالت تعد من أقوى الدول المؤثرة بشدة في مسارات العلاقات الدولية والتحولات في مناطق العالم ومن بينها منطقة الشرق الأوسط يهم العرب في وقت يتفق فيه العديد من المحللين على أن منطقتهم تمر بمخاض صعب وصراعات ساخنة وباردة في سياق محاولات لإعادة رسم خارطة المنطقة ودولها.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نشرت مؤخرا تقريرا مستفيضا بقلم بيتر باكير حول ما وصفه"بالشرق الأوسط المتشظي الذي ينتظر الرئيس الأمريكي القادم" والتحديات التي ستواجه من سيأتي قريبا للبيت الأبيض حيال تلك المنطقة التي دبت الفوضى في كثير من بلدانها.

وليس من الغريب أن يهتم مثقفون مصريون وعرب بمجريات المشهد السياسي الأمريكي في سياق الاستعداد للانتخابات الرئاسية المرتقبة فيما لم يستبعد النقيب الأسبق للصحفيين المصريين مكرم محمد احمد أن يكون دونالد ترامب هو الرئيس القادم للولايات المتحدة رغم تفاؤل الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما بأن "الأمريكيين سوف يحسنون الاختيار وهم أمام صناديق الانتخابات".

ولا ريب أن الممارسات والعمليات الإرهابية سواء داخل الولايات المتحدة أو غيرها في الغرب والتي تسفر عن سقوط قتلى وجرحى إنما تغذي "ظاهرة ترامب وصعود اليمين المتطرف والخطاب الشعبوي".

وهكذا يحق للمثقفين سواء في العالم العربي أو خارجه الشعور بالقلق حيال استغلال التيار اليميني الشعبوي لمثل تلك العمليات الإرهابية وتوظيفها لفرض رؤيته المعادية للاجئين والمهاجرين للولايات المتحدة وغيرها في الغرب والحد من الضمانات القانونية والدستورية للحقوق والحريات.

وفيما يشكل صعود ما وصف "بالظاهرة الترامبية" احد اهم ملامح المعركة الانتخابية الرئاسية التي ستحسم بعد ايام قليلة لاختيار الرئيس ال45 للولايات المتحدة تبقى "ظاهرة الشعبوية التي اقترنت بالصعود السياسي المثير لدونالد ترامب " مشكلة ثقافية-سياسية بحاجة للدراسة والفهم.

وفي سياق تناوله النقدي لكتاب صدر بالانجليزية بعنوان "أمريكا ديمقراطية اشتراكية" للين كينورثي قال الكاتب مايكل توماسكي المنتمي بقوة للتيار الليبرالي الثقافي الأمريكي أن الصراع السياسي بين الحزب الديمقراطي بزعامة الرئيس الأمريكي باراك اوباما والجمهوريين يفرز أحيانا خطابات ثقافية شعبوية لا يمكن أن تكون مفيدة للمجتمع كما أنها ضد الحقيقة.

وفيما يتحدث عن "الشعبوية الجديدة"ضرب توماسكي عدة أمثلة من بينها جنوح اوباما ذاته نحو إطلاق وعود للمواطنين الأمريكيين حول تحسين الأوضاع الاقتصادية وزيادة الأجور دون أن يعالج قضايا جوهرية على هذا الصعيد مثل الافتقار للعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وهي قضايا من شأنها استمرار معاناة هؤلاء الذين قد يصفقون له وهو يحدثهم عن زيادة الأجور.

فالحزب الديمقراطي ذاته تراجعت لغته العقلانية المعتادة كما يقول مايكل توماسكي وجنح أحيانا نحو خطاب سياسي شعبوي أسهمت فيه النزعة البلاغية لأوباما حتى في قضايا اقتصادية لا تحتمل التلاعب بالكلمات من أجل انتصارات وقتية في اللعبة الانتخابية مع الحزب الجمهوري الذي يبدو أن "الشعبوية" لم تعد حكرا عليه في المعترك السياسي الأمريكي.

ها هي الانتخابات الرئاسية الأمريكية الثامنة والخمسين تقترب لاختيار الرئيس ال45 وها هو البعد الثقافي يتجلى بوضوح في قلب تلك المعركة الانتخابية فماذا سيقول الأفق الساهر في لحظات تموج بالتوقعات؟!..إنها واحدة من أهم المعارك الانتخابية التي حظت باهتمام المثقفين ليس في الولايات المتحدة وحدها وإنما في العالم قاطبة..كأنها لحظة الحقيقة واللحظة مدى !!.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً