اعلان
اعلان

برلمان يكره أعضاءه

مَن فى مصر يستطيع أن ينسى أو يتناسى الدكتور أحمد فتحى سرور، أشهر مشاهير من اعتلوا منصب رئيس مجلس النواب، ومالك خزائن أهم أسرار مصر على مدى سنوات طويلة؟.. خرجت فى عهده عشرات، بل مئات القوانين، التى تم استغلالها أو جرى القفز على ثغراتها من بعض أركان نظام الرئيس الأسبق مبارك، للاستفادة منها بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن الذى لا يمكن إغفاله، أنه رغم ما صدر فى تلك الحقبة من قوانين، فإنها لم تكن أبدًا مثيرة للجدل، كالتى نراها فى هذه الأيام، كما أن البرلمان فى عهده بوقاره وهيبته، كان له شكل وطعم غير الذى نشعر به الآن من بعض المستحدثين على الحياة النيابية.

ورغم ما قيل حينئذ حول من أُطلق عليهم «ترزية القوانين»، فإنهم- وبكل ثقة- كانوا يتقنون دورهم ووظائفهم دون خلل أو تقصير، وصدرت فى عهدهم مئات القوانين بالفعل التى استفاد من ورائها الكثيرون، لكنها أبدًا لم تكن قوانين تدعو للريبة أو الشك فى نوايها، كما أنها لم تكن أبدًا تحمل بين ثناياها نوايا خبيثة، أو تُشتم منها رائحة السياسة.. المقارنات بالفعل لا تتوقف، ولا تنتهى بين تلك العهود، فى أدوار الانعقاد المختلفة، وما يجرى الآن من مهازل لا يمكن إغفالها على الإطلاق، وكأن الوضع لم يختلف كثيرًا عن كوميديا مجلس الشعب فى عهد الفاشية الدينية التى حاول عناصر جماعة الإخوان الاهابية زرعها بين المصريين، فالوقائع التى نراها هذه الأيام من قبل مجلس الكتور على عبدالعال تدعو للحزن على ما آلت اليه الأمور داخل أهم مبانى مصر، حيث السلطة التشريعية.

وأصبح الوضع داخل البرلمان مسيئًا بالفعل لنظام الحكم فى مصر، الذى يقاتل لحل أزمات تلك المؤسسات الشبيهة، التى تتفنن فى الضغط على المصريين نفسيًا، من خلال بعض هذه التشريعات، إلى جانب الممارسات الغريبة التى لم نسمع بها قط فى أى عهود سابقة، أو داخل أى من غرف البرلمانات فى دول العالم. ولم تكن وقائع التهديد الأخيرة من قِبل الدكتور «عبدالعال» لبعض من النواب أكثر من ترسيخ لمبدأ القبول أو الطرد، إلى جانب الإقصاء لأتفه الأسباب، وعدم تقبل الآخر، رغم أنهم فى النهاية أعضاء أو ممثلون للشعب المصرى.

ولخصت واقعة الدكتور عماد جاد، وأزمته الأخيرة مع رئيس البرلمان كل ما يمكن أن يتخيله الإنسان، فيما يجرى داخل الغرف المغلقة، والتى رد فيها رئيس المجلس على العضو البرلمانى بالتهديد بالطرد وإسقاط العضوية، لمجرد اعتراضه على قانون السلطة القضائية، أيًا كان الرأى فى القانون، الذى أثار هو الآخر موجة من الجدل فى الشارع المصرى، وسيلًا من الاعتراضات من جانب القضاة.

الدكتور «عبدالعال» رد نصًا على «جاد» بأنه ليس صاحب صفة نيابية، وأنه سيحال للجنة التشريعية لحسم عضويته، بزعم أنه فقد صفته الحزبية، المنتهية منذ أشهر، لاستقالته من حزب المصريين الأحرار، لكن لم يتذكرها إلا عندما اعترض «جاد» على القانون، وكان الأغرب أن خطابًا من «المصريين الأحرار» وصل إلى «عبدالعال» فى نفس ذات الوقت الذى اعترض فيه على رئيس البرلمان، وأحيل بالفعل للجنة التشريعية.. الأغرب من ذلك هو تلك القوانين المعلّبة التى تظهر فجأة فى أى وقت تثار فيه أزمة ضد أى شخص فى مصر، أو حدث، أو مسؤول، وفى لحظة «تسلق» القوانين وتناقش وتقر، سواء حصلت على التصويت الذى تقتضيه لائحة المجلس والدستور، أو لم يُصوت عليها أصلًا، وكان قانون الأزهر المثال الأبرز لمعاقبة الشيخ «الطيب»، لمجرد الخلاف معه، دون النظر لتلك المؤسسة العريقة، ودورها فى نشر الاعتدال ومواجهة التطرف فى مصر وعلى مدار عهودها.. أشخاص خصصوا ونصبوا أنفسهم ولاة أمر على غير هوى أى من أطراف الدولة، سواء كان شعبًا أو رئيسًا أو حكومة، بدليل رفض الرئاسة أو بعض من الأجهزة التابعة لها بعض القوانين، التى «تسلق» فى البرلمان بنية مساندة الرئاسة، ولأن الجميع يؤمن بمبدأ الفصل بين السلطات، فيما عدا الدكتور «عبدالعال»، فإن البرلمان لم يعد ذلك البرلمان الذى علّم العالم كيف تكون هيبة السلطة التشريعية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
يديعوت أحرونوت: إدارة بايدن تدرك أن نتنياهو لا يستطيع قيادة إسرائيل