اعلان

بطل من سيناء (1).. ما لم ينشر عن الشهيد أحمد منسي: الإرهابيون لقبوه بـ"الطاغوت الأكبر".. وترك شهر العسل ليلتحق بالفرقة "سيل".. وسر الورقة التي وجدت في جيبه بعد وفاته (صور)

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة من صباح يوم السابع من يوليو الماضي، استيقظت "منار"، لتجهز أطفالها وتذهب إلى النادي كعادتها، يبدو طفلها حمزة، ذو الـ9 سنوات، أنيقًا بملابسه الرياضية الخاصة بالجمباز، فهو الرياضة التي حصد فيها العديد من البطولات.

الدقائق تمر، ومنار تضحك مع صغارها، وفي مكان آخر، زوجها العقيد أركان حرب، أحمد صابر المنسي، يحارب هو وجنوده، العناصر الإرهابية، ولكن فجأة توقف الزمن، فسقط الشهيد، نتيجة رصاصة طائشة، وتلقت هي اتصال، لتفاجأ أن زوجها وحبيب عمرها، استشهد، ومنذ ذلك الوقت وهي تعيش في صدمة، لم تكن تصدق أن يذهب ويتركها مبكرًا هكذا.

البطولات لا تنتهي في سيناء، هي مسلسل طويل أبطاله رجال القوات المسلحة، يسطرون حلقاته بدمائهم من آن لآخر، وفي الوقت الذي يسود فيه الصمت ويشتد فيه سواد الليل، تعلو أصوات المدافع والأسلحة الثقيلة، معلنة عن بطولة جديدة لأحد قوات الجيش المصري، تقوي عزيمة الشعب المصري في حربه ضد الإرهاب، وتنال من الروح المعنوية لما تبقى من فلول الإرهاب بسيناء.

وتنشر "أهل مصر" على مدار عدة حلقات، حكايات لأسود من الجيش المصري في سيناء، قدموا دمائهم رخيصة، وسجلوا بطولات لن تمحى من الذاكرة بمرور الوقت..

بطولات الشهيد المقدم أحمد منسي، لا زالت عالقة في أذهان المقربين منه، فيروي الدكتور محمد سليم، والد زوجة الشهيد، أن العملية الإرهابية التي استشهد فيها الشهيد المنسي، لم تكن مجرد هجوم إرهابي مسلح على كمين بالعريش، بل كانت عملية استهداف موضوع لها ميزانية ضخمة من قبل العناصر الإرهابية، التي رغبت في التخلص من المقدم منسي منذ اشعال فتيلة حربه على الإهارب في سيناء، وهدد بذلك خططهم لتدمير أرض الفيروز، ومن ثم التوغل داخل مصر وأسقاطها.

المقدم أركان حرب، لم يكن مجرد فردًا من أفراد القوات المسلحة، تم تكليفه بمهمة تطهير سيناء من العناصر الإرهابية، بل كان بطلًا بمعني الكلمة، فمنذ الساعة التي فوض فيها الشعب المصري الرئيس السيسي بمحاربة الإرهاب، كلف منسي بالذهاب إلى سيناء.- تفاصيل آخر لقاء:لم يخف الشهيد من الذهاب لمكان يسكنه قتلة لا تعرف الرحمة قلوبهم، بل ودع زوجته منار ونجله وذهب رافعًا سلاحه أمام كل فكر إرهابي، يستهدف وطنه وأهله.ويقول سليم الأستاذ الجامعي، إن آخر لقاء جمعه بالشهيد، كان يوم السابع والعشرين من رمضان، حيث جاء لزياته في مدينة منيا القمح، بالزقازيق، وأكمل قائلًا: "منسي جه وقعد معايا وقالي إنه هيقضي العيد هنا، بس هيسافر آخر يوم العيد، وهيرجع يوم 9 يوليو، بس للأسف رجع شهيد، ويوم استشهاده كان قبل يوم رجوعه بـ24 ساعة بس، كان حاجة صعبة جدًا اننا نصدق أن منسي راح خلاص من وسطنا".

- الإرهابيون رصدوه:وتابع والد زوجة الشهيد، أن أركان حرب أحمد منسي، لقبته العناصر الإرهابية في سيناء بـ"الطاغوت الأكبر"، موضحًا أن سبب تلك التسمية المخيفة، ترجع إلى أن الشهيد الشجاع، قائد الصاعقة، يرصد العناصر الإرهابية ويقوم بتصفيتها في رفح والعريش منذ عام 2013، ولذلك انتشر اسمه بين الجماعات الإرهابية في سيناء، وأصبح هناك رغبة ملحة في التخلص منه، وعبر عن ذلك من خلال قوله: "أحمد وراهم المر، أحياء وأموات.. فكلهم هناك كانوا عايزين ينتقموا منه عشان قتل منهم كتير وعمل نجاحات كبيرة اوي.. ومن هنا بقي فكروا انه بقي خطر عليهم ولازم ينتقموا منه"."أحمد اترصد كتير في سيناء وربنا نجاه".. انهار والد زوجة الشهيد وهو يروي أحداث تلك الجملة الصغيرة، موضحًا أن العناصر الإرهابية رصدت تحركات الشهيد في أماكن خدمته في سيناء عدة مرات، ولكن الله أنقذه من قبضتهم، مشيرًا إلى أن ما حدث ليس عملية هجوم إرهابي لمجرد نشر الإرهاب، بل هي عملية تصفية أحمد منسي، وأكمل قائلًا: "ده عملية مصروف عليها مبالغ كبيرة وجاية مدعومة من التنظيم والإخوان عشان يخلصوا من أحمد حبيبي اللى كنت بتعتبره ابني مش جوز بنتي".

ويتابع الدكتور سليم، الشهيد منسي خسارة كبيرة، فهو إنسان لا يوجد له شبيه ولا يمكن تعويضه، موضحًا إن الشهيد كان عاشقًا لعمله، وحريص على مصلحة مصر، وعبر قائلًا: "أحمد مكنش بيقعد.. مع إنه جوز بنتي؛ لكن من وقت ما اتجوزها.. معرفتش اقعد معاه اكتر من 24 ساعة.. أحمد كان وقته كله لشغله ووطنه.. وبنتي كانت مقدرة ده"."أحمد متكلف ومصروف عليه جامد"، جملة أوضح معالمها والد زوجة الشهيد، حينما قال أن الشهيد منسي التحق بفرقة "سيل" الأمريكية، التي تعنى "ضفادع بشرية"، موضحًا أن الانضمام لهذه الفرقة، أثبتت مدى قوة وكفاءة منسي، لأن من يفوز بها واحد أو اثنان في الجيش سنويًا.

- ترك شهر العسل لأجل فرقة سيل:ويروى أن الشهيد أحمد، فاز بالانضمام إلى الفرقة بعد زواجه بشهر ونصف من نجلته منار، وهي فرقة تمتد مدتها إلى 12 شهرًا، فقال: "الفرقة ده كانت في أمريكا وأحمد تعب منها جدًا، لدرجة أن لما رجع مصر.. ظوافره كانت متكسرة كلها وشكله كان صعب جدا، بس كان مبسوط إنه اخد خبرة في مجال زي ده وهيفيد مصر بيها"."أحمد كان بيقعد لمدة 12 ساعة تحت المحيط في شهر يناير، في عز البرد.. ده غير إنه واخد فرقة أركان حرب"، قال والد زوجة الشهيد وهو يبكي من الصدمة، فكان يعتقد أن أحمد الذي لديه كل هذه القوة، يستشهد في لحظة، موضحًا أنه حتى هذا الوقت، لم يصدق إنه فقد منسى، وسيظل ينتظر أن يلقاه.وتابع "في اليوم اللى أحمد رجع فيه العريش تاني عشان العقيد رامي استشهد.. بنتي منار كلمتني تعيط، وتقولي مش مطمنة يا بابا"، لم يكن هذا مجرد احساس شعرت به زوجة الشهيد منسي، بل واقع تحقق بعد 8 أشهر من سفره مرة أخرى إلى سيناء.ويروي في موقف آخر، أن في إحدى المعارك التي خاضها الشهيد منسي في سيناء، هناك أحد الجنود المرابطين معه أصيب في قدمه، بطلق ناري من قبل أحد العناصر الإرهابية، وفي تلك المنطقة لا يوجد مستشفي قريبة، الأمر الذي أدى إلى وفاة جندي أخر في نفس المكان، ولذلك كان أحمد ذكيًا، فتعلم الأسعافات الأولية، واستطاع أن ينقذ حياة الجندى الثاني، وأكمل قائلًا: "أحمد كان بيخاف على جنوده زي ما بيخاف على عياله، لما كان في معركة ومستخبي ورا صخرة عشان يخطط أزاى يضرب الإرهابي، فواحد من الجنود كان عايز ينضم ليه في المعركة، لكن هو رفض عشان بيخاف على جنوده أكتر من نفسه".

"أحمد كان فاعل خير، من الدرجة الأولى، ولما مات لقينا في جيبه ورقة فيها أسماء ناس بيساعدها لله، هو وأصحابه"، موقف آخر تذكره الدكتور سالم في حياة الشهيد منسي، وقاله وهو يبكي من فقدان شخص كان يعتبره نجله وليس زوج ابنته.- روؤية زوجته له في المشرحةويروي والد زوجة الشهيد لحظة رؤية ابنته لزوجها في المشروحة، فتابع وصوته يظهر عليه الانكسار من شدة الآلم: "بنتي راحت المشرحة عشان تشوف أحمد.. وجت قالتلي يا بابا أحمد ممتش.. ده كان نايم، وأنا قولتله نام يا حبيبي وارتاح انت بطل وعملت اللى عليك وحقك هيجي والبلد عمرها ما هتقع".أما عن النقيب عبد الرحمن محمد، شقيق زوجة الشهيد، فيروي إنه لم يكن كثير الاختلاط مع الشهيد منسي، بحكم عملهم كظباط، مشيرًا إلى أن الشهيد، كان يمتلك قدرة عسكرية وقتالية كبيرة، نتيجة فرقة السيل التي اللتحق بها".وتابع حديثه، "فرقة السيل فيها أسبوع اسمع الجحيم، ده من غير نوم، بس أحمد كان بطل وخلص الفرقة وتفوق فيها كمان"، موضحًا أنه لم يكن كثير الحديث عن التحديات التي يتعرض لها في سيناء، أو عن بطولاته في محاربة الإرهاب."أحمد اتصاب قبل ما يستشهد بفترة ولكن الرصاصة فضلت في كتفه، عشان كانت هتضر بإوتار الكتف لو اتشالت"، بهذه الجملة عبر عبد الرحمن عن مدى الآلم اليومي الذي تحمله الشهيد؛ نتيجة استقرار الرصاصة في جسده.ويقول محمد نيازي، ابن خال الشهيد منسي، أن أحمد لم يكن رجلًا عاديًا، والعملية الإرهابية التي استشهد فيها، لم تكن مجرد عملية لعناصر ترغب في نشر الرعب والإرهاب، بل كانت عملية استهداف للشهيد.

ويروي نيازي جزئًا من التدريبات القاسية التي حصل عليها الشهيد، قبل أن يلتحق للعمل في سيناء، فقال: "أحمد أخد فرقة 999، وده من أقوى الوحدات الخاصة في الصاعقة، وليها مهام حساسة جدًا، ده غير أنه أول دفعة تاخد فرقة (سيل)، وكمل في الفرقة بالرغم من إنه اتصاب في رجله".وتابع في حديثه عن بطولات الشهيد منسي، أن مصر خسرت كثيرًا باستشهاد أحمد، فهو حصل على فرقة سيل في مصر وأمريكا، وهو بذلك يمتلك قدرة كبيرة على القتال، والتصدي للعناصر الإرهابية، ولكن لم يشأ القدر أن يطول عمر أحمد أكثر من ذلك.

وبسؤاله عن الفيديو الذي انتشر، فور استشهاد منسي، فأوضح إنه كباقي المصريين، ظن أن ذلك الصوت هو صوت الشهيد منسي، ولكن بعد ذلك أعلن المتحدث العسكري أن الصوت ليس لأحمد، ولكنه لـ"نقيب" كان صديقًا للشهيد."والله أنا حاسس اني صغير جدًا جمب اللي أحمد كان بيقدمه للبلد"، بهذه الجملة، عبر نيازي عن شعوره بالبطولات التي سمعها عن أحمد عقب استشهاده.أما عن البدلة العسكرية التي ظهر فيها "حمزة" نجل الشهيد في الجنازة، فأوضح أن هذه البدلة، الشهيد هو من أحضرها لنجله قبل وفاته بشهرين فقط.

وأوضح نيازي أن بعد المسافة بين مكان إقامتهم، والمكان الذي يسكن فيه أحمد، كان عاملًا لعدم تعدد الزيارات بينهم، مشيرًا إلى أن الشهيد، كان حذرًا في التكلم عن ما يحدث في سيناء، ويروي ما يفعله هناك في محاربة الإرهاب.وتابع: "العقيد أحمد كان بيحب يكتب شعر، ده غير إنه كان بطل بمعني الكلمة"، موضحًا أن مصر خسرت كثيرًا باستشهاده."أحمد اتصاب قبل ما يستشهد بـ3 شهور، وبمجرد ما أخد الإسعافات الأولية رجع الشغل على طول"، قال نيازي هذه الجملة وهو متأثرًا ببطولات الشهيد التي لم يكن يعلم عنها شيئًا إلا بعد استشهاده.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً