اعلان

سفير الأدب "وديع فلسطين".. يثبت لـ"التضامن" أنه لازال على قيد الحياة..(1_2)

"عليه ثياب لو تباع جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثر.. وفيهن نفس لو تقاس ببعضها نفوس الوري لكانت أجل وأعظم".. تلخص العبارت السابقة التي قالها الإمام الشافعي حالة الكاتب الكبير الذي تخطى عامه الخامس والتسعون، "وديع فلسطين" الذي أهانه موظف صرف المعاشات بامتناعه عن صرفه، طالبا حاملة بطاقة رقمه القومي أن تأتي به إليه.

عندما يُذكر أمامك هذا الاسم يخيل إليك أنه فلسطينى الجنسية، إلا أنه مصري الصميم، ولد فى إحدى قرى الصعيد بمحافظة قنا، عاش قرابة قرن من الزمان كاتبًا وأديبًا ومترجمًا، وله أكثر من 40 مؤلفًا أغلبها سياسية واقتصادية.

في تمام الساعة الثامنة مساءً كنا أمام بيته كما أكدنا له حينما هاتفناه مسبقًا، إذ فجأة باغتنا صوت الجارة الخمسينية المطلة من نافذة بيتها الأثري، بشارع الإمام علي، بحي مصر الجديدة، حيث سألتنا "هل لديكم موعد مع الأستاذ وديع؟"، ولما أومئنا بنعم، أشارت بيدها إلى سلم يمتد من الطابق الأرضي إلي الثاني يظهر عبر جداره رأس سفير الأدباء الذي دقها الشيب خلف باب خشبي.. "دا مستنيكم من بدري".على باب البيت ينتظر سفير الأدباء، منحني الظهر متكئً برأسه على عارض الباب، "اتفضلو في الصالون".. بمجرد أن تطأ قدمك باب الشقة ترى أقمشة بيضَ مغطى بها كافة أساس البيت " كراسي، سفرة، مكتبة، كتب"، وكل شئ فى المكان يبدو أثريًا "لوحة فنية، أبجورة، درع تكريم"، إلا بوكيه من الورد.

فى إحدى زوايا "صالة الضيوف"، التي استقبلنا بها "بوكيه ورد"، يبدو من لمعانة وخضرته الساطعة أن أحدًا ما كان قد زاره منذ ساعات وأهداه إياه، "غادة والي، وزيرة التضامن أرسلته مع مندوب من الوزارة كاعتذار عما حدث".جاء المندوب إليه مهرولًا بعد أن قام الكاتب الكبير "لويس جريس"، بنشر ماحدث مع أستاذه و"ديع فلسطين" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مادفع الكتاب والصحفين للتفاعل مع أكبر الصحفيين سنًا، و"شاهد العصر" كما يلقبه بعض الإعلاميين.وتعود "وديع" في كل شهر أن يستعين بـ"أم محمد"، التي تزوره من قت لآخر كي تعد له طعامًا يستمر عليه قرابة يومين أو ثلاثة، لعدم تفرغها لخدمته باستمرار، بالإضافة إلى الاهتمام بشؤنه الخاصة مثل صرف معاش التضامن الاجتماعي.

يسرد "وديع" قصته لـ"أهل مصر"، والتي كانت بدايتها "أم محمد" التى أرسلها إلى مكتب التضامن، بحي مصر الجديدة، لصرف المعاش الخاص به، موظف التضامن، قال لها «لازم يجي صاحب المعاش يصرف بنفسه علشان تخطى سن التسعين لنتأكد إن كان على قيد الحياة أم لا».سكت "الأديب" لبرهة من الوقت ثم عاود حديثه مرة ثانية، «انصرفت أم محمد وذهبت إلى رئيس مكتب التضامن، لتلح عليه أن يرحمني من أن ذهب إليه، إلا أنه رفض هو الآخر، لم يرحم سني».قلة المال والحاجة إليه، دفع "شيخ الصحفيين" الذي لا يستطيع أن يرفع قدمه عن الأرض، أن يذهب ليثبت لهم أنه لازال على قيد الحياة، ويستحق المعاش الذي يعيش عليه منذ أن تركه الأهل والأبناء وحيدًا في بيته المهجور يسارع الفقر والمرض في آن معًا.وصل إلى هناك منهكًا على مضض: «لا يوجد أسانسير، وهنطلع الطابق الثالث»، قالت له «أم محمد»، عندما صعدت إلى الطابق الثالث، وأخبرت موظف التضامن بأن الأستاذ موجود بالأسفل لا يستطيع الصعود.بادر الموظف قائلا: «ياافندم لازم يطلع وإلا مش هنصرف له المعاش.. صعد الشيخ المسن على السلالم حاملًا هم مرضه، وعجزه عن السير والحركة على كتفه ليحصل على المكافأة التي صرفتها له الدولة نظير عمله قرابة قرن من الزمان هكذا يقول ساخرًا».يفتح "وديع فلسطين" في اللقاء الثانى من سلسة لقاءات أجراها محرر "أهل مصر" معه، جعبة الأسرار التي يكنها فى صدره ويروي تفاصيل الرحلة التي قضاها على مدار خمسة وتسعون عامًا منذ أن تخرج من قسم الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة إلى ممارسته للصحافة السياسية والاقتصادية والأدبية.وعن أعلام الأدب فى العصر الملكي، يقص أكبر الصحفين سنًا قصته مع "طه حسين وعباس العقاد ومي زيادة"، وقصة الصالون الثقافي التي كانت تعقده مي زيادة، ثم يتدرج في الحديث عن الوضع الصحفى في العصر الملكي ليكشف لنا معنى العيب في الذات الملكية الذي يعتقل بسببها الصحفي.أما عن الملوك والرؤساء في ذلك التوقيت فيفيض لـ"أهل مصر" بالكثير من الخبايا فى عهد الملك فاروق ثم عبد الناصر والسادات ومبارك لينهي حديثة بحكم الإخوان المسلمين، ثم قصة صديق العمر محمد حسنين هيكل وكيف تخلى عنه؟.وعن حياته العاطفية بوجه عام من الطالبة التى تخلت عنه بعد رحلة حب دامت لأربع سنوات؛ نظير شاب أمريكي كان يتقاضى 2000 دولار شهريًا، وعن تبديل ديانته من الأسقفية إلى الأرثوذكسية لكي يتزوج من الفتاة التي شغفه حبها داخل الكنيسة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً