اعلان

أنجبت ثلاثة واحتوت واحدة.. قصة أم أحبت بـ"خنصر وسبابة وإبهام" (فيديو)

خنصر وبنصر ووسطى وسبّابة وإبهام.. نراها نحن أصابع اليد الواحدة، إلا أنها بالنسبة لسيدة في عقدها الخامس، ليست مجرد كف اليد فقط، بل أحرف كتبت بها قصة كفاح، وتربى عليها ثلاثة أبناء، تجاوزوا عقبات مراحلهم العمرية واجتازوا بطولات رياضية، سيدة دعمت أبنائها بأبجدية أبطالها خنصر وسبابة وإبهام في تركيبهم بلغة حروفها تعني "أحبك".

داخل غرفة ذات طابع عربي التراث، في الشقة رقم 53 بإحدى بنايات منطقة زهراء مدينة نصر، تجلس الأم ويلتف حولها الأبناء الثلاثة وزوجة الأبن الأكبر، قمر عادل، مدربة لغة الإشارة، للصم وضعاف السمع.

ضحكات عالية تسمعها عين المتلقي من خلال تعبيرات وجه المتحدث، رنين صوت الضحكات يطرب القلب مودة ونقاءً، ترى معهم سعادة هادئة يعلمون جيدًا كيف يحيْون بها كما علمتهم الأم بما أمر الله.

لم تكن يومًا "حماة"، وزرعت الألفة والحنان بين أبناءها.. هكذا تصف قمر، "ماما بسمة"، والدة محمد طارق وأخويه إسلام وحسام، وجميعهم من الصم وضعاف السمع.

نشأت السيدة بسمة كمال، ذات الخمسة والأربعين عامًا، صماء، في أسرة معافاه، نالت رعاية خاصة، نظرًا لكونها الوحيدة بين أخوتها طالتها الإصابة.

"بابا وماما ربوني كويس قبل ما أتجوز".. تتابع السيدة حديثها إلى "أهل مصر"، وتحكي دعم والدتها لها مع مولدها الأول الذي لم تكن تتوقع حالته أيضًا: "ماما فضلت تشجعني وتقولي ربنا هيكون معاكي".

ست وعشرون عامًا مرت على زواج بسمة عادل، صاحب مرور سنين حياتها الزوجية، ذكريات عالقة في مخليتها، لم تضعف عزيمتها يومًا، خاصة بعد الرعاية الكاملة التي نالتها في بيت والدها، دون تحمل مسئولية، تقول: "لما اتجوزت عشت حياة مختلفة"، في إشارة منها إلى زيادة المسؤوليات من الأبناء وغيرها.

عند حديث ماما بسمة، إلى زوجة ابنها الأكبر قمر عادل، التي تتولى ترجمة أبجدية الإشارة لنا، لن تلمح من وجه السيدة إلا عينان خلف نظارة طبية تعلو نقابها الأسود، تكفيان أن يصلك منهما علامات الرضا بقضاء الله وقدره، وهي تحكي عن مواجهة تساؤلاتها مع حالة مولدها الأول "أزاى هسمع ابني وهو بيعيط؟".

شأن أي أم كان يشعر قلبها بفلذة كبدها، أحساسا نابع من داخلها عند آلمه أو بكائه، إلا أنها لم تستلم، متذكرة دعم والدتها لها، وأن الله دائمًا معها، فلم يكن لها سبيل إلا أن تجاور نجلها ليل نهار "كنت بنيم ابني جمبي عشان لما يصحى ويخبط بايديه على كتفي كنت بحس وبصحى".. هكذا تسترجع معنا الذكريات.

طارق أحمد، زوج "ماما بسمة"، من ذوي الإصابة ذاتها، حاصل على شهادة دبلوم، ويعمل مشرف للجودة بأحد مصانع القاهرة، اجتمعا في منزل واحد وتقاسما الحياة سويًا، إلا أن أحلام الزوجة وطموحها لم يتوقف عند حالاتهما الخاصة كغيرها ممن استسلموا لحياة تقليدية مقيدة بسلسلة حلقاتها "أصم".

ألعاب قوى وتنس وسباحة.. بطولات رياضية دعمت الأم فيها أولادها الثلاثة، بجانب تشجعيهم على التميز علميًا.

محمد طارق، مهندس معماري، ذو ستة وعشرين عامًا، هو نجل بسمة الأكبر، وزوج لـ "قمر"، مترجمة لغة الإشارة، ذات الخمس والعشرين ربيعًا من عمرها، عندما تقترب منه ترى في عينيه أملا وشغفا للحياة، تستشعره قائدًا يعلم كيف يحتوي أخويه ببسالته.

في حديث دار بين الأسرة لم نفهم منه شيئًا إلا عندما تعالت ضحكة زوجته وهي تقول: "بيعرفكم على إسلام أخوه الأوسط وبيقولكم ده الفاشل بتاعنا"، عندها ضحكنا جميعًا.

إسلام طالب في  معهد نظم ومعلومات، تلحظ عليه خفة الدم، شاب "استايل أمريكي" كما يطلق البعض على أبناء هذا الجيل، من ذوي الشعر الطويل والقبعة.

يصف محمد إلي "أهل مصر"، والدته أنها أم مثالية؛ حيث أنبتتهم على التفرقة بين ما أحلّ وحرّم الله، بجانب هذا تتحدث يديه بتلقائية -وتترجم ذوجته-: "بتحمس البيت كله وكل فرد تصنع منه إنسان ذو قيمة.. ماما زرعت جوانا الود والرحمة".

التحق محمد طارق، بمدارس الصم وضعاف السمع، متلقيًا كل مقومات النجاح من والدته، حسبما يقول: "لما كنت صغير ماما كانت دايما تقولي، مش عايزاك تكون زي والدك، أنت أفضل منه، ولازم يكون عندك حماس في التعليم والرياضة".

لم تتخاذل "ماما بسمة" عن تشجيع ابنها الأكبر، طيلة حياته، حتى حصوله على شهادة إتمام الدراسة الجامعية، كلماته التي جاءت حماسية بلغة الإشارة، وخلف صمتها صوت يوحي بالفخر: "مقدرش أوصف فرحة ماما بشهادتي ولا تعبها معايا دخلت هندسة من تشجيع أمي ولأني بحب الرسم زي غيري من الصم والبكم، اخترت معماري".

عملت الأم حديثًا في مجال الحرف اليدوية، حيث صناعة "الإكسسوارات والتريكو" تحديدًا، لتكمل رسالتها في أثناء تربية أولادها، ودشنت صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لترويج منتجاتها، وتتمنى "ماما بسمة" أن تحصل على ماكينة تساعدها على مهام عملها.

زرعت "ماما بسمة" الألفة والحنان بين أبنائها، فضلا عن كراهيتها للظلم، وإحقاقها للعدل، لم تكن يومًا عنيفة في أثناء تربية الأولاد، ويستمد جميع أفراد الأسرة قوتهم منها، كما تقول قمر زوجة محمد الابن الأكبر، التي اعتبرتها حماتها أبنتها الرابعة واحتوتها بعد حسام، الطالب في كلية التربية النوعية، الابن الأصغر سنا بينهم، والأكثر خجلا كما التقيناه.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً