اعلان

يوميات أسير مصري فى حرب اليمن.. بطولات منسية لأول مرة في الصحافة العربية في "أهل مصر" (الجزء الأول)

عبد السلام الدهشان
عبد السلام الدهشان

عبد السلام الدهشان : اليمنيون وضعوا خنجرا على رقبتي وطالبوني بسب جمال عبد الناصر في الإذاعة

مكافأة على تضحياتهم من اجل تحرير اليمن الإمام البدر يأمر بذبح المصريين "الفراعنة والكفرة"

خناجر القبائل اليمنية تتعالي في السماء وهتافات متوحشة بقطع رقاب الأسرى المصريين ورميها للجوارح

لأول مرة في الصحافة العربية تكشف سعاد الديب مراسلة "أهل مصر" في بورسعيد، عن يوميات ضابط مصري وقع أسيرا لدى القبائل اليمنية خلال فترة الحرب في اليمن التي ساندت فيها مصر القوى التقدمية والثورية ضد قوى الرجعية، وهى اليوميات التي كشفها لأهل مصر عبد السلام الدهشان الضابط المصري الذي كان يؤدي واجبه الوطني والقومي تجاه حركة التحرر الوطني في اليمن.

وكشف الدهشان، أن القوى التي كان يقودها تعرضت للخيانة من جانب ضباط محسوبين على الجيش اليمني لكنهم كانوا في حقيقة الأمر موالين للقبائل اليمنية.

وذكر الدهشان، أنه في الثالث من يناير 1965 فوجئ بأن القوة التي كن يقودها محاصرة من جانب القبائل اليمنية بقيادة أحد شيوخ القبائل المعادين للوجود المصري في اليمن.

وسرد الدهشان، ما حدث في هذه الفترة على النحو التالي الذي حرصت "أهل مصر" على تقديمه كما سرد الدهشان حرصا على دقة الشهادة التاريخية التي تنشر لأول مرة وتظهر حجم المؤامرات التي تعرضت لها مصر من أقرب الأقربين على الرغم من التضحيات التي قدمها الشعب المصري من أجل تقدم وتحرير الشعوب العربية .

قال الدهشان : "وجاء صباح الثالث من يناير 1965 وفوجئت بباب القلعة التى كنا محاصرين فيها مفتوحا على مصراعيه و العدو يحيط بنا من كل جانب و يقودنا إلى خارج القلعة تحت قيادة شيخ قبائل المنطقة المعادي لنا و أعوانه المدججين بالسلاح ، يسوقوننا إلى طريق لا أعلم إلى أين ؟ اذا .. فقد وقع المحظور وأرسل اليمنيون الرسالة بدون علمى لأفاجأ بهذا الوضع فى الصباح على غرة، اذا فنحن أسرى.. لكن حتى هذه اللحظة لم يجردنا العدو من أسلحتنا الشخصية فكيف ذلك؟ توجهت إلى العقيد اليمنى الذى أبلغني اننا لسنا أسرى وإنما سنذهب إلى مقر قرية الشيخ للتفاوض في أمر عودتنا إلى "صعدا" و معنا سلاحنا الشخصى وذلك بعد أن نترك لهم القلعة.. ماذا تقول أيها المعتوه؟ آذلك ما تعلمته من الوطنية؟ آذلك ما أملاه عليك ضميرك تجاه وطنك و من بعاونوك ؟ يالك من خائن و وغد.. طافت فى ذهنى هذه الكلمات تجاه هذا الرجل و لكن لا مفر فسواء رضيت أم أبيت فلابد من السير مع باقى القوة المصرية و اليمنية الأسرى".

في الطريق لقائد القبائل اليمنية أشباح الموت ذبحا تحاصر الجنود المصريين

وأضاف الدهشان: "وفي هذه اللحظات ظهرت فى السماء طائرتين "ميج" كانت قد طلبتهما فى آخر اتصال مع القيادة ومن المؤكد أنهما يناديان علي بالقلعة و لكن من يجيبهما وتركتها ، وتابعنا السير و أفراد قبائل العدو يحيطون بنا حتى وصلنا إلى مقر شيخ المنطقة وانتظرنا فى غرفة بأحد منازل القرية وراح القائد اليمنى يتفاوض مع شيخ المنطقة فى أمر هذه القوة، و هبط علينا الليل وجاء الصباح ونحن لم نذق طعم النوم ولم يغمض لنا جفن، واحتدمت المناقشات وصمموا على أخذنا أسرى وتسليمنا للامام "البدر" و لا عودة لنا الى "صعدا".

و أكمل الدهشان، حديثة ل "أهل مصر": "وقع ما كنت اتوقعه وأصبحنا فريسة سهلة لهؤلاء الوحوش الآدمية وأصبحنا جميعا أسرى رغم تحذيرى لزملائي اليمنين من ذلك، وأمرونا بالسير أمامهم إلى مقر الإمام البدر وهم يسوقونا وكأننا قطيع من الأبقار تسير إلى الذبح، حيث كان الإمام البدر يأمر بذبح من يصفهم بالمصريين الفراعة الكفرة، وفجأة وعلى مسافة قريبة من مغادرتنا لتلك القرية ألقى أحد الجنود اليمنين بقنبلة يدوية كانوا يخبؤنها تحت ملابسه وسط مجموعة من اليمنين الحراس فأشاعت الرعب و الفزع و الفوضى بين الصفوف و انطلقت شظاياها تختلط بالنيران من جميع الاسلحةفى جميع الاتجاهات ما بين صائبة و طائشة ، وفى هذه اللحظة صرخت فى المصريين الذين كانوا بجوارى للتفرق بين الصخور والجبال ومحاولة الهرب من هذا الفخ المنصوب لنا، وانطلق الجميع مصريين ويمنيين هاربين يحاولون الاحتماء بين وخلف الصخور و النيران تنهال على الجميع من كل صوب، وجريت ولم اشعر بشىء سوى بجندي بجوارى و هو يسقط مصابا بطلقة فى ظهره، وبدأ أمامى وادى يظهر بعيدا والطريق إليه صعب الانحدار واخذت اقفز على مصاطب الجبال وصخورها ورشاشى الصغير معى و النيران تنهال على من جميع الجهات و الطلقات تزآر و تصفر و لا اعرف لماذا لم اصب، إنها إرادة الله و دعوات الوالدين تذكرت أهلى و تلوت الشهادة منتظرا سقوطى شهيدا برصاصة غادرة و انا اجرى بكل قوة ، لاحقتنى مجموعة من افراد العدو بالنيران من خلفى و أصبح احتمال اصابتى كبيرا ، فاختبأت وراء صخرة كبيرة ووجهت رشاشى نحوهم ولم يكن به سوى 6 طلقات انطلقوا من الرشاش دفعة واحدة خفضت بهم رؤس العدو حتى استطعت الإفلات كان بعض اليمنين يجرون بجانبى فوجدت جبلا واخذت في اعتلائه وأنا ألهث من التعب وواصلت تسلقى وقد حل بى التعب واقتربت من القمة وبعض اليمنين من القبائل ينظرون إلى من أعلى مددت لهم يدى لشدى حتى أستطيع مواصلة الصعود ولكنهم أخذوا فى الضحك عاليا ينتظرونني كغنيمة سهلة قادمة إليهم ، وصلت إلى القمة وأنا في حالة إياء مميت وحولى بعض اليمنين الذين تمكنوا من الإفلات معى من المذبحة و ليس معى أي فرد مصرى ..اين هم اذا ؟؟ لابد أنهم قتلوا جميعا فى المذبحة التى وقعت منذ قليل و دخلت أحد المنازل اليمنية مع بعض اليمنين ولكن أهالى القرية هجموا علينا يريدون الاستيلاء على ما تبقى لدينا ونزعوا منى الحذاء حتى الفانلة الصوف كنت فى رعب منهم وأحدهم يضع بندقيته في صدري، وكنت ارتدى قايش له توكة تحت الزى اليمنى فأحدث صوتا فاعتقدوا أنها ريالات يمنية مخبأة، ولم يكتشف العدو شخصيتى وبأننى مصرى و قائد القوة المصرية وإلا لذبحونى قبل وصولى إلى مقر الامام".

اليمنيون يسعون للانتقام من المصريين أو استمالتهم للقتال في قوات الإمام البدر

وتابع الدهشان: "وجدت نفسى بين مجموعة من جنودى اليمنين والقبائل تحرسنا حتى لا نحاول الهرب ثانية ولم أجد أي مصرى موجود اذا فقد تمكن العدو منهم و دفعنا أفراد القبائل للسير أمامهم فى الطريق إلى مقر "الإمام البدر" و فى الطريق استوقفتنا بعض القبائل تطلب تسليم المصريين الموجودين بين هؤلاء الأسرى للانتقام منهم على ما فعلوه بطائرتهم من تدمير لمنازلهم و قتل أهاليهم و حيواناتهم، ليس هناك سواي، وأنا المصري الوحيد بين هذا الجمع فلا مفر من تسليمى لهؤلاء القتلة وحتى يتم إنقاذ باقى الأسرى اليمنين للوصول بهم إلى مقر الامام البدر، اقترب منى أحد الجنود اليمنين وهمس لي أن أختفي وسطهم ولا أنطق بحرف حتى لا تكتشف لغتى وساعدنى فى ذلك صغر جسدي وملابسى اليمنية التي كنت أرتديها وكنت قد تعلمت الحديث باللهجة اليمنية جيدا و لكن هذا الموقف بث الرعب فى قلبى وجعلنى لا أستطيع النطق باليمنية أو غيرها، واقتنعت القبائل بأن المصريين مازالوا بالخلف وسمحوا لنا بمواصلة السير كنت أسير كالتائه لا أعي شيئا ولا أصدق أن بطولة قتال مرير شهرين متواصلين كنت منتصرا طيلة أيامهم وساعاتهم العصيبة عشتها اقاتل من أجل النصر و العودة إلى الأهل والوطن ..أهكذا تكون نهايتى ؟؟توقفنا قليلا عند إحدى القرى التى أخذت تطالب بالمصريين الفراعنة الكفرة ، هكذا كانوا يسموننا".

ويسرد الدهشان تفاصيل مثيرة إضافية: "ساعدنى جنودى على الاختفاء بينهم مرة اخرى و اقبل من بعيد جمع اخر و اقتربوا فاذا بهم باقى الاسرى من المصريين و اليمنيين اذا ما زال المصريين أحياء تلاقت أعيننا نحن المصريين و نحن نكاد نبكى لهذا الموقف الذى نحن فيه سألت عن الرقيب ابو النصر فعلمت انه سقط شهيدا فى المذبحة السابقة فكان اول من يغادرنا من المصريين ، الطريق صعب و نحن فى انهيار و القبائل فى الطريق تهددنا و تتوعدنا بالقتل يطالبون بذبحنا "اقتلوهم ..اسحلوهم ..ايها الفراعنة ..أيها الكفرة ..كيف تقتلون المسلمين ؟ انتم ليسوا بمسلمين اقطعوا رؤوسهم و القوا بها للجوارح ..اقتلوا كبيرهم "وكنت انا كبيرهم المقصود" انتقموا منهم فقد خربوا ديارنا و قتلوا أولادنا.. وفريق اخر يطالبنا بلانضمام اليهم و الى الامام البدر و لن نقتلكم اعملوا معنا ولن نذبحكم.. كانت هذه الانذارات و الصرخات و التهديدات و وصلنا إلى قرية اسمها " الكحلانى " يحكمها شيخ من اتباع الامام التف حولنا اهل القرية و نحن المصريين فى الوسط و هؤلاء اليمنين كبرابرة افريقيا يغنون ويتوعدوننا باقتراب ذبحنا استدعانا حاكم القرية و اخبرنا اننا سنبقى رهينة لديه حتى الصباح ثم نتحرك الى مقر الامام ، بتنا ليلة فى عشة من القش يحيط بنا الحرس المسلح و جاء الصباح لنكمل مسيرتنا الى مقر الامام استمر السير و الحرس يتناوب الركل فينا و كنت اسمعهم يتهامسون "هذا كبيرهم ضابطهم عبد السلام ، يستحق القتل اذبحوه الملعون ابن الفرعون".

قائد القوة اليمنية يخون القوات المصرية وينضم للإمام البدر

وأكمل الدهشان: "وصلنا إلى قرية "الخشل" و هى تقع فى سفح جبل "شذا" المتاخم لحدود السعودية والمقيم بها الإمام البدر، جمعونا فى دائرة وأوقفونا نحن المصريين فى وسطها وصعبت على نفسى أن تكون هذه نهايتى و نهاية 18 مصريا معى وصيحات العدو المحيط بنا تطالب برؤوسنا انتقاما منا كنا فى اسوء حال حديث فى اذاعة العدو.. ضاقت الدائرة حولنا ، و انطلقت الطلقات تزغرد فى السماء و لوحت الخناجر و السيوف فى الهواء و تعالت الصيحات بنصرة الامام و ابادة المصريين.. ظهر وسط الجمع أحد اليمنيين وبيده جهاز تسجيل خاص بالإذاعة اليمنية الملكية وجذب القائد اليمنى للتحدث فى الإذاعة ولم يجد مفرا من التحدث إنقاذ لحياته، تكلم و مدح الإمام بدر وأعلن انضمامه للقوات اليمنية الملكية ثم تسلم من بعده الميكرفون عقيد "عبود" يمنى آخر و تحدث ايضا تحت نفس الظروف ،ثم مقدم يدعى " الوشلى " و آخرون و طالبت القبائل بكبير المصريين للتحدث فى اذاعة " المملكة المتوكلية اليمنية "أنا أكبر المصريين رتبة؟ نظرت خلفى لأرى جميع المصريين يتوارون خلف بعضهم البعض حتى لا يجبروا على الحديث فى إذاعة العدو.. وإذا بمجموعة من اليمنيين يتقدمهم كبير شيوخهم ومندوب الإمام بالمنطقة وأحد الضباط يقبلون نحوى ويجذبوننى من يدى متجهين بى إلى وسط الدائرة ناحية جهاز الإذاعة .. قاومت رافضا السير و لكنى لم استطيع فشدونى وطلبوا منى التحدث بما فيه إساءة لوطنى وقادتى وعلى رأسهم الرئيس جمال عبد الناصر.. حاولت أفهمهم أن ذلك ليس قانونيا أو عسكريا و لجأت إلى القائد اليمنى الموالى لنا الذى نصحنى بالتحدث انقاذا لحياتى و حياة المصريين الذين معى، ورفضت ذلك فدفعنى الشيخ اليمنى أمام الجهاز وأمسك بالميكرفون وأخرج خنجره ووضعه على رقبتى وأقسم ألا يعود الخنجر إلى مكانه إلا ملطخا بدمى و دماء المصريين ممن معى اذا لم اتكلم .. و رات القبائل المحتشدة هذا الرفض منى فاعتبروه اهانة لهم فاشتد صياحهم مطالبين ذبحى و تقطيع جثتى.. نظرت الى المصريين و هم فى حالة لا يرثى لها و ينظرون الى و كاننى امسك بخيوط أرواحهم التى ستنقطع اذا لم أتكلم".

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً