اعلان

مذكرات ضلع أعوج

 المرأة السيجارة

وأحمل بعضي إلى أول مقهى لقيتك فيه، أنقب بجوار الطاولة عما سقط مني هناك يومها، ثم فجأة تشدني الذكرى فأتساقط على الكرسي بعجز مهين، وألوح بدخان سيجارتي في الهواء.

“التدخين ممنوع” يصل صوت النادل إلي من بعيد، أنظر إليه بتثاقل وأسأل باستسلام من لا حيلة لهم سوى الاستسلام: إذن لماذا سمحت له أن يدخنني يومها؟

لا أعلم لم أكتب عن هذه الأشياء الآن بعد مرور كل هذه المدة، لم أجتر الذكرى منذ شهور سبع كالبقرات العجاف لا أدري أهي الذكرى التي حطت على كتفي اليوم فجأة، أم أني أنا من أكتب كي أستدعيها؟ لا أريد أن أفهم، يكفي أن أخون مرة واحدة وأنا أكتب، لم سأخون مرتين و أنا أحاول أن أفهم السبب الذي يحملني للكتابة إلى شهقة الحب الأولى بداخلي، وانحناء الدمع في أحداقي، وآخر حبة شوكولا كانت في جيبي.

لا أستفيق أنا من غيبوبتي أبدا، لا أفتح عيني على ما حولي، فأينما وليت وجهي دخان سيجارة تحترق، و في كل جنبات غرفتي رائحة تبغ مخلوط بالدمع. هكذا هي الذكرى تنقض علينا في جميع الأماكن، لا تتركنا إلى أن تأتي على آخر جذور المقاومة فينا، ثم تسلمنا إلى الوحدة بشماتة.

لا زلت أذكر وجهك كالبارحة بعينيك الصغيرتين كوطني، الأنف المدبب، الصفحة الدائرية كالقمر، والفم الصغير الذي لقى قلبي حتفه بكلمة افترت عنها شفتاه. كنت أتوسد ذراعي في أقصى ركن من الغرفة أراقبك و أنت تخرج محفظتك تضع فيها بعض خصلات شعري، والكثير من دم الوشم السائل، وتخرج علبة سجائر ورقية تفرغها بتأني في علبة عاج فضية -قلت أنها هدية من نيكول أول فتاة علمتك التدخين-، ثم تخرج لفافة تضعها بين شفتيك برفق و تنفث دخانها في اتجاهي على شكل قلب…

مسرعة كنت أقوم من مكاني و ألقي بنفسي في ذراعيك، أتمسح فيك كقط رضيع، كنت أعلم أن ما سيحل بي يوما هو نفسه ما يحل بالسجائر التي تصلب تباعا على أعتاب شفتيك، كنت أعلم أنك ستسحقني بعدما تنهيني، لكني لم أكن أملك خيارا آخر، كنت أحبك لدرجة الاستحالة، وأجدني مسلوبة الإرادة لا أملك إلا أن أقفز إليك في كل مرة تفتح فيها علبة سجائرك علني أفوز و لو للحظة بضمة يديك حول خصري.

أحببت قبلك اثنين واحدا ثم واحد، وأقسمت بين أيديهما أحر الإيمان صادقة على الحب والوفاء إلى أن تطفئ ريح الموت شمعة هذا القلب، لكنهما ماتا في قلبي واحدا تلو الآخر، ودخلا حيز النسيان، وحدك أنت لا زلت حين النشوة أتمتم باسمك في حضرة أحلى الرجال، لا زال طيفك يسكن مخيلتي كما تستوطن أنت قلبي، ولم أغرم بعدك بشئ سوى السجائر، فكنت أتخيلني حين أهرب إليها هاربة إليك، محتمية بك، أدخنها كي يتحول شهيقك إلى زفيري فأوقن أنني لا زلت على قيد الحب وأن قلبي لا زال يدق للحياة. فهل مرت في حياتك قبلي امرأة يا سيدي سيجارة تأبى أن تنطفئ؟

* زينب بنموسى / كاتبة مغربية

نقلا عن موقع الموجة المغربي

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
بث مباشر مباراة الأهلي والزمالك في نهائي السوبر الإفريقي لكرة اليد (لحظة بلحظة)