اعلان

من الحمام الزاجل إلى "واتساب".. هكذا تطورت الرسائل الغرامية

صورة ارشيفية

ككل شيء، يتطور الحب، وتتطور وسائل التعبير عنه والتواصل بين المحبين، نوستالجيا الحب، والحنين إليه يجعلنا نحّن إلى أجمل ما كان فيه من العشق وانتظار رد المحبوب واللهفة لكل كلمة وحرف يرد منه.

ما بين رسائل تستغرق شهورا لتصل للحبيب، إلى آلاف الرسائل الإليكترونية اليومية، سارت رحلة الرسائل ومعها رحلة الوصل بين الأحبة، فكيف تطورت الرسائل ولغتها بين الأحباب، طوال تلك السنوات؟

من الحمام الزاجل والأشعار الملقاة من السُمّار، إلى البوسطة ومرسال الغرام، وصولا إلى الواتساب، أشكال عدة اتخذتها رسائل المحبين الأمر الذي يشبه التطور الطبيعي، ومع هذا التطور، اختفت اللهفة للمحبوب كثيرا، ولكن لم يختف الحب.

الرسالة على جناح حمامة"باعث لك سلامي على جوانح حمامة"، كلمات وديع الصافي، لكن الفعل للمحبين، قديما كان التواصل وإرسال الرسائل المفعمة بالحب والأشواق، يتم عن طريق الحمام الزاجل، بين فرد وآخر يكون الأول لدى المحب الأول والثاني لدى الآخر يتواصلان بحاسة الشم، يلتقى زوج الحمام ويلقي الأول برسالته.

كانت وسيلة الكتابة آنذاك هي الريشة والتي غالبا ما كانت ريشة من النعام وحبر مخزن بالمحبرة، وتكتب الرسائل في قصاصات ورق صغيرة لا تتجاوز عرضها أصابع اليد، تطوى وتثنى عدة مرات لتتمكن الحمامة من ضمها بين أقدامها الصغيرة ربما حملت جملة أو جملتين على الأكثر، استخدمها المحبون لتوصيل رسائل الحب واللهفة ومواعيد اللقاء وتحضيراته ووصف الشوق ونقل الأشعار وكلمات الغزل ولوعة البعد والانتظار.

وكان الإغريق هم أول من استخدموا الحمام الزاجل في مراسلاتهم، وانتبهوا إلى وظيفته في المجتمع، فمن خلاله تم نقل نتائج الألعاب الأولمبية لكن أول استخدام عسكري للحمام الزاجل، كان في زمن الإمبراطور الروماني أوكتافيوس الثالث.

ولم يقتصر استخدام الحمام الزاجل على الإغريق فقط، فقد استخدمه الفراعنة والفرس والعرب أيضًا، وكان الحمام وسيلة رئيسية في الاتصال بين قادة الجيوش العربية الإسلامية وسكان المدن العربية التي حاصرها الفرنجة في الحروب الصليية. 

وكان القائمون على استخدام الحمام الزاجل في العصور القديمة يربطون إلى رجله رسالة قصيرة ومكثفة تحمل أسئلة أو إجابات وتوضيحات ويتم إطلاقه باتجاه الجهة المقصودة التي هي المكان الذي اعتاد العيش فيه، ونُقل في قفص منه، ليعود إليه عندما يُطلق سراحه.

رسول الغرام.. البوسطجيبعد اختراع الطباعة وانتشار التعليم والمعرفة بدءًا من القرن الخامس عشر، ازداد الطلب على الخدمات البريدية، وفيما كان ملوك أوروبا يحسنون تنظيم بريدهم الرسمي ويرفعون كفاءته، ظلت هذه الخدمة بطيئة نسبيًا ومرتفعة التكاليف، وتعتمد مثل البريد القديم على الخيول والعربات، والسفن لنقلها إلى ما وراء البحار، التطور البارز الكبير في تلك المرحلة، ظهر في القرن السابع عشر، عندما لاحظت الحكومات المكاسب الكبيرة التي تحققها شركات نقل البريد، فأنشأت مكاتب بريد عامة، وبعضها منع الجهات الخاصة من نقل الرسائل.

في عهد الأمويين عرف العرب فائدة الرسائل البريدية والمخاطبات ومن الأمثلة على ذلك "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، وهي رحلة خيالية كتبها 
أبو العلاء ردًا على رسالة وجهها إليه علي بن منصور الحلبي المعروف بابن القارح يسأله فيها عن جملة من الأمور تتصل بالتاريخ والفقه والتصوف والأدب والنحو وغير ذلك.

رائحة الحبر المطبوع أو العادي والأوراق المطوية الحاملة رائحة الأحباب والقبلات الساخنة المطبوعة على الورق المجفف والجوابات "المسوجرة" وغيرها رسائل يفهم منها أن الراسل والمستقبل هما عاشقان، وساعي البريد باعتباره رسولًا بين العشاق والمحبين، فهو وحده من يستطيع اقتحام كل المواقع دون أن يثير شبهة أو أسئلة محرجة، بسبب وظيفته التي تتطلب ذلك، ومن المؤكد أن تلك القصائد والأغنيات قد حمَّلت ساعي البريد أكثر من طاقته، وربما دفعت به إلى ممارسة دور لا يخص وظيفته أصلًا. 

جميعنا نذكر فيلم إشاعة حب والرسالة المفبركة التي ألفها يوسف وهبي أملا في جذب ابنته لابن عمها عمر الشريف والقُبلة المطبوعة على الورقة وقطرات الدموع المزيفة، العديد من الأغنيات حملت خطابات ومراسلات الأحبة مثل أغنية القيثارة فيروز التي تخاطب من خلالها ساعي البريد، فتقول: "يامرسال المراسيل ع الضيعة القريبة خذلي بدربك هالمنديل واعطيه لحبيبي" وفي أغنية أخرى تقول فيروز: "كتبنا وما كتبنا يا خسارة ما كتبنا كتبنا مية مكتوب ولهلأ ما جاوبنا" وفي أغنية أخرى للفنان محمد عبدالمطلب كان يخاطب من خلالها الحبيب بقوله: "ابعت لي جواب وطمني". الرسالة هي مصدر الاطمئنان.. الاطمئنان إلى حال الأحبة أيًا كانوا وأينما كانوا.

إيميل الأحباب"ابَعتْلي إيميل واحكيني وأنا بردّلك حبي كله، بعتلي إيميل وراضيني والمكتوب هوّي الموعود" كلمات أغنية للفنانة سابين، لم يكن يتخيل قيس الذي ظل عشرين عاما يراسل ليلى ويستجدي رؤيتها أن تتطور لغة التواصل والالتقاء بين المحبين إلى هذه السهولة.

الإيميل والذي بدأ انتشاره مع دخول العالم عصر النهضة التكنولوجية في أوائل التسعينات فصار الإيميل أو المراسلات البريدية الإليكترونية أسهل الطرق لتوصل إلى الحبيب الشوق واللهفة، لم يعد الأمر يستغرق أياما ولم تعد رائحة المحبوب وخطه بادية من رسائله، الأمر لم يعد يحتاج سوى كبسة زر.

لاقت الطريقة رواجا بين الشباب لرخص تكلفتها وسرعة وصولها بين الأحباب حاملة ليس فقط رسائل نصية بل صورا، وأصبح سهلا رؤية الحبيب عن بعد رغم آلاف الأميال، واختفت اللهفة وصار الشوق يعالج سريعا.

واتساب الشوقوصارت التكنولوجيا تأخذ منحنيات سريعة ومتطورة للغاية، ومع كل تطبيق جديد ومع كل منافسة بين شركات الاتصالات تلبية لرغبات أكبر قدر ممكن من المستخدمين واستغلال لحاجة المحبين للتواصل، أصبح التواصل عبر الرسائل الهاتفية أرخص كثيرا، صارت الرسائل النصية الـSMS، ثم ظهرت أجهزة تدعم ذلك مثل البلاك بيري وتطورت الرسائل إلى نصوص وصور وفيديو بالBBM ثم انتهت أخيرا إلى الواتساب التطبيق الأوسع والأكثر شهرة على الإطلاق ففي أقل من الثانية تستطيع أن تصل رسالتك إلى الحبيب وصورة حية وفيديو مسجل، صار صوت الحبيب وشكله حاضران طوال الوقت ومن السهولة الوصول إليهما ودون تكلفة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً