اعلان

يا أم المطاهر.. الاحتفال بطهور الذكور عادة مصرية تمتد للفراعنة

"يا أم المطَّاهر رشى الملح سبع مرات لمقامه الطاهر رشى وإيدى سبع شمعات"، رغم كون الأغنية الأصلية التي ألفها ولحنها وغناها الشيخ إمام، كانت إسقاطا سياسيا واضحا على الحياة الساسية فى مصر وأن الحاكم يعامل الشعب كطفل، إلا أن الأغنية تعبر عن عادة مصرية اختلفت الأقاويل الشرعية الدينية الفقهية والطبية والاجتماعية حولها وهي "الطهور" أو ما يعرف بختان الذكور.

عرف المصريون هذه العادة منذ القدماء المصريين ويعتقد أن طقوس الختان المصرية ترمز الى انتقال الصبي من عالم الأطفال الى عالم الرجال والختان، المصريين القدماء كانوا يربطون الختان بتغيير الأفعى المقدسة لجلدها مما يعطيها الحياة الأبدية. والإنسان يستطيع أن يصبح قريب من الخلود إذا تخلى عن قطعة من جلده.

ويعتقد آخرون أن الكهنة المصريين قد حوروا طقس الاخصاء إلى الختان الذي كان يمارس على الكهنة المصريين والذي كانت مفروضة في معابد الآلهة الأنثى وكانت عبادة الآلهة الأنثى منتشرة في مصر الفرعونية ويرى هيرودت أن الختان عند قدماء المصريين كان الدافع إليه دائماً صحياً. المجموعات الاثنية الوحيدة التي مارست الختان في ظل الامبراطورية الرومانية كانت اليهود، واليهود المسيحيين، والانباط العرب، وكهنة المصريين، وتحت تأثير ثقافتهم وصل الختان الى الجزيرة العربية لتقتبسه السنة المحمدية بدون ان يكون عهدا بيننا وبين الله، وعلى الرغم من انه تشويه لما خلقه الله في احسن تكوين. واضمحلت عادة الختام مع قدوم الإسكندر الأكبر إلى الشرق الأوسط.

رغم ما سبق إلا أن عادة الختان للذكور المصريين أو الطهور لا تزال تمارس حتى يومنا هذا في القرى والحواري والنجوع، ولها طقوس تختلف من مدينة أو محافظة لأخرى، كان يقوم بعملية الختان قديما "التمرجي" او "الحلاق" أو "حكيم الصحة" بينما أصبحت تقام حاليا على يد الأطباء في المستشفيات.

بعض الأسر تتباهي بإقامة مثل هذه الحفلات لأبنائها خصوصا أنهم يعتقدون أن الطفل حتى لو كان عمره عاما واحدا، قد أصبح علي مشارف الرجولة، ويصحب الاحتفال بهذه المناسبة تقديم النقوط والهدايا ومعايدات الأقارب والأهل، ولا تزال بعض المدن في صعيد مصر خاصة النوبة تتعمد الأم عدم غسل وجه طفلها عند زيارة أقارب زوجها لدفع الحسد، وحلاقة شعر الطفل بصورة قبيحة حتى لا يصاب بالعين.

بينما يختن البدو أولادهم ذكوراً وإناثاً، فيتم ختان الذكور من سن 6 إلى 12 سنة، والإناث من 8 إلى 10 سنوات، ويكون ختان الإناث حسب السنة، ويقوم بتلك العملية أمهاتهن أو قريباتهن أو النساء الماهرات في هذه المهنة، ويتم ذلك في هدوء وبدون احتفال. بعكس ختان الذكور الذي يتم في احتفال كبير.

وعادة ما يتم ختان مجموعة من الصبية في وقت واحد، وتعد لذلك خيمة كبيرة يطلق "خيمة الطهور" ويعلق عليها راية بيضاء. وتتم هذه العملية عند الظهر.

مثلما كان للنهر دورة الهام فى طقوس الزواج في النوبة، كان للولادة ايضا علاقة وثيقة بالنهر حيث كانت تحمل الام مولودها وتتجه به إلى النهر وتقوم بإلقاء عدد سبع حبات من البلح مع المشيمة فى النهر وتقوم بغسل وجه الطفل ويديه وقدميه، وكذلك فى حالة ختان الذكر كان يغطى جسد الطفل بالحنة ويأخذ الطفل إلى النهر للاستحمام فيه، ثم يبدأ الحلاق بإجراء عملية الطهور وفور انتهاء العملية تعلق عملة معدنية لقطعة الجلد التى بترها الحلاق وتلقى بهما فى النهر.

وكان لختان الذكور مراسم احتفالية خاصة، وعادة كانت تتم الختان فى الفترة مابين أربعين يوماً بعد الولادة وحتى بلوغ سن العاشرة وكان يطلق عليها اسم (باليه دوى أو أركنة دول) أى الزواج الكبير فكانت من أهم واكبر شعائر الاحتفال فى النوبة.

رغم أن الختان فى النوبة كان يتسم بضخامة التكاليف ويحتاج إلى وقت أطول فى التنظيم الإ أنه ياتى فى المرتبة الثانية بعد الزواج وكانت أهم الترتيبات توقير الماشية التى تنحر فى هذه المناسبة، وعندما يتفق أقارب الطفل يقوم أحد العبيد بإعلان موعد الختان رسميا، ويتجول فى القرية والقرى المجاورة معلناً يوم الختان وتفاصيل الاحتفال، وعندئذ تتجمع النساء فى اليوم التالى فى منزل الطفل للمعاونه فى إعداد الملابس والطعام للضيوف كالشعرية وخبز الذرة والبلح والابريق وتستغرق الاستعدادات خمسة عشر أو عشرين يوماً.

وعندما تتم الاستعدادات لهذه المناسبة يقوم العبد بجولة أخرى داعياً الناس لحضور الاحتفال، ويصل الضيوف فى أزهى ملابسهم من كل مكان، بالقوارب أو بالدواب أو مشياً على الأقدام وكان يطلق على أول أيام حفل الختان اسم (باسم) حيث تبدء الموسيقى والرقص ظهر هذا اليوم لتستمر قرابة أربعة أيام بلا توقف ثم تنحر الأسرة بقرة وتقيم وليمة للضيوف فى المساء وكان الطفل المحتفل به يتبوأ موقع الشرف مرتديا ملابس جديدة تزينها حبات السبحة وعملات ذهبية أو فضية.

وكانت عملية الختان تتم فى صباح اليوم التالى لاحتفالات الرقص وفى الصباح الباكر يستحم الطفل ويلبس جلابية بيضاء من القماش الخفيف حتى لا يؤثر علي الجرح وتوضع قلادة ذهبية تسمى (باندوكى) أو فرج الله والخاصة بوالدته أو جدته حول عنقه ويوضع الحنه فى يديه وقدميه وكذلك الكحل على العنيين، وبعد وضع الحنه توضع طرحة امرأة على راس الطفل وكانت هذه الإجراءات الوقائية تتخذ ضد الجن ، وفى تلك الأثناء يقدم الأهالي النقوط إلى عائلة الطفل ، وكان من النادر تداول النقود فى النوبة القديمة ، ولذا كان النقوط عبارة عن بلح وأقماع السكر والقمح وكان أحد العبيد يعلن عن الهدايا التى يقدمها الرجال والنساء للأبوين ثم يتم تدوينها بعناية.

وبعد ذلك يبدء الحلاق بتلاوة البسملة ثم يقوم ببتر جلده الذكر وكان يتم وضع بيضتين فى إناء صغير وتقربه الام من انف الصبى حتى لا يصاب بالإغماء ثم تضع بعض هذا البيض على الجرح، وفى تلك الأثناء تستمر النساء فى الرقص والدق على الدفوف مطلقين زغاريد الفرحة ويقدمن التهاني مرددين ( مبروك يا عريس ) ثم تحمل الأم الطفل فى صحبة الأهل إلى النهر حيث يغسل الطفل بالماء ويلقى الحلاق جلدة الذكر وعملة قديمة فى الماء لتهدئة أشباح النيل وبعدها يتجه الأهل والضيوف فى موكب إلى أضرحة الشيوخ ويتقدم والد الطفل الموكب حاملا سيفه ويتبعه الطفل المزين ممتطيا الحمار.

ثم يتبعه أحد العبيد وهو يدق الدف على ظهر بعير يحمل كيسين من (اللاسليج) و(الابريق) لتوزيعها على الضيوف عند ضريح الشيخ أو الوالى وكان يتبع ذلك البعير بقرة تذبح وتعد وليمة من لحمها عند الضريح وتتبعهم الام والأقارب، بينما ينتشرون الاهالى على جانبى الموكب فالثناء إعداد الوليمة يطوف ووالده وبعض الأقارب ضريح الشيخ سبع مرات وخلال الطواف يطلبون من صاحب المقام أن يمده بالصحة والثروة.

وكان من العادات المتبعة فى ذلك الوقت أن يراع الاحتياطات والإجراءات الوقائية خلال فترة الختان ولمدة أربعين يوميا واكثر، وهى الاحتياطات التى تتعلق بالمشاهرة، إذ إن هناك اعتقاد نوبى سائد أن الإنسان الذى يمر بفترة حرجة مثل الميلاد والختان والزواج يتعرض للخطر لمدة أربعين يوما أو حتى حلول الشهر العربى الجديد، وخلال هذه الفترة يكون الشخص عرضة للعين الشريرة وللجن، ولهذا فهو يضع الحجاب أو التعويذة التى تحميه من المخاطر التى قد تهدد قدرته على الإنجاب .

أما عن ختان الإناث، كان الاحتفال يتم بشكل مختصر ويتسم بالخصوصية ولا تتطلب أي استعدادات كما هو الحال فى ختان الذكور، ففى الليلة التى تسبق الختان كانت تزين الفتاة الصغيرة بالحلى الذهبية وترتدى ملابس جديدة وتتجمل كعروس حقيقة حيث توضع الكحل على عينها والحنة فى يديها وقدميها وفى هدوء شديد وبلا دفوف أو طبول تقوم الداية بإجراء العملية .

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
«بابا المجال».. الأهلي يضرب مازيمبي بـ «التلاتة» ويتأهل لنهائي دوري أبطال إفريقيا للمرة الخامسة على التوالي