اعلان

إنت عمري.. لقاء السحاب الذي دبره "عبد الناصر" لإنهاء الخلاف بين أم كلثوم وعبد الوهاب

قد يكون الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر، أكثر الرؤساء حظًا في تاريخ مصر بفنانيه ومثقفيه، أي بالقوة الناعمة التي شاءت لها الظروف أن تزدهر في ذلك العصر، والذين ساهموا بشكل كبير في رفع الروح المعنوية للجنود في الجيش، وتحسين “مزاج” المصريين، في وقت كانت المعارك العسكرية عرضًا مستمرًا.

الست ترفض ألحان موسيقار الأجيال

"الست" أم كلثوم، و"موسيقار الأجيال" محمد عبد الوهاب، كانا قطبي الغناء اللذين اهتما بهما نظام "عبد الناصر"، وكان لكل منهما قاعدة شعبية جارفة قد توازي في قوتها جماهيرية الزعيم جمال عبد الناصر آنذاك، لذا أصبح كل منهما خطًا أحمر، لم يجرؤ أحد على اجتيازه.

في ذلك الوقت ترددت أنباء في الوسط الفني حول رفض السيدة أم كلثوم التعاون مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في أغنية من تلحينه، وتمت تغذية تلك الأنباء وتوصيلها لمجلس قيادة الثورة الذي كانت "الست" ضيفًا دائمًا على حفلاته، والذي شعر أعضاؤه حينها بتسرب روح "العداء الفني" بين عبد الوهاب وأم كلثوم للجمهور، من خلال الصحافة التي أخذت تكتب عن رفض "كوكب" الشرق الغناء بتلحين "موسيقار الأجيال"، وكلاهما يمتلك قاعدة جماهيرية ليس من مصلحة أحد تفتيتها.

عبد الناصر يذيب الثلج

وذات ليلة عقب انتهاء الحفل السنوي بمناسبة ثورة 23 يوليو، والذي أقيم في نادي ضباط القوات المسلحة، التقى الرئيس جمال عبد الناصر بالسيدة أم كلثوم والموسيقار عبد الوهاب، وكان المشير عبد الحكيم عامر حاضرًا ذلك اللقاء الذي كان في عام 1963.

وبلهجة ودودة قال عبد الناصر لهما: "ﻟﻥ ﺃﻏﻔﺭ ﻟﻜﻤﺎ ﻋﺩﻡ ﺍﺸﺘﺭﺍككما ﻓﻲ ﻋﻤل ﻓﻨﻲ ﻭﺍﺤﺩ"، ثم وجه كلامه لعبد الوهاب: "أﻴﻥ ﺭﻭﺍﻴﺔ ﻤﺠﻨﻭﻥ ﻟﻴﻠﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺴﻤﻌﺕ ﺃﻨﻙ ﻟﺤﻨﺘﻬﺎ"، وهنا تدخل عبد الحكيم عامر في الحوار قائلًا: "المهم أي عمل يشتركان فيه"، وجاء الرد على الفور من الاثنين، فقال موسيقار الأجيال: "لا مانع"، وقالت أم كلثوم: "أنا أتمنى ذلك"، وانتهى اللقاء، وذلك وفق رواية الموسيقار عبد الوهاب بعد ذلك.

رغبة ناصر تتحقق

قلّب عبد الوهاب النظر في أوراقه القديمة، وعثر على كلمات أغنية "إنت عمري"، الذي سبق أن لحنها، فاجتذب عوده سريعًا، وبدأ يستعيد لحن الكلمات التي كتبها الشاعر أحمد شفيق كامل على أمل أن يغنيها عبد الوهاب نفسه، لكنها ظلت حبيسة درجه لسنوات، باحثًا عن صوت آخر ليغنيها.

الخلاف مع الشاعر احمد شفيق

عرض عبد الوهاب الأغنية على أم كلثوم، فوافقت شرط تغيير مطلع الأغنية من "شوقوني عنيك" إلى "رجعوني عنيك"، على اعتبار أن الرجوع يتناسب مع الماضي، الأمر الذي أغضب الشاعر أحمد شفيق، واعتبره تدخلًا في إبداعه، وكاد ينصرف من الجلسة، لولا تذكره انتظار الجمهور لهذه الأغنية التي تم الإعلان عنها بواسطة الصحفي جليل البنداري، الذي نشر الخبر في مختلف المجلات والصحف، ووصفه بـ"لقاء السحاب المرتقب".

طلبت أم كلثوم من رئيس فرقتها عازف القانون الأول "محمد عبده صالح" البدء في إجراء بروفات الأغنية داخل "استوديو مصر فون" بالعتبة، وجاء اليوم المنتظر، وهو ميعاد الحفل الذي سيكشف فيه الستار عن باكورة التعاون بين "قطبي الغناء"، وعاش عبد الوهاب في حالة خوف ورعب من دخول هذه المعركة، خصوصًا أمام رياض السنباطي، الملحن الأول لأم كلثوم، وشريك النجاح في رحلة فنها الممتد.

يوم الحفلة

وفي سينما قصر النيل، حيث لا مكان لقدم من كثرة الجمهور، جلست أم كلثوم خلف الستار لتجد عبد الوهاب يرتعش ويمسك بالمصحف ويقرأ آيات من القرآن الكريم، طالبًا من الله النجاح، وصعدت "الست" بكامل بهائها وهيبتها الفنية، تمسك بمنديلها وتبدأ الغناء: "رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا.. علموني أندم على الماضي وجراحه.."، لينفجر الحضور بالتصفيق من روعة اللحن والكلمات، طالبين إعادة كل مقطع ثلاث مرات، لتنتهي الأغنية مع الثانية صباحا، ويخرج الجمهور مهرولًا وراء أم كلثوم، ليحيط بسيارتها، في ما كان عبد الوهاب لا يزال جالسًا على المسرح، يبكي من شدة الفرح على هذا النجاح الكبير، وحققت الأغنية أكبر نسبة مبيعات في تاريخ أم كلثوم، بل وتحولت إلى أيقونة موسيقية لا يطمسها غبار الزمن.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً