اعلان

في ذكرى سقوطها على أيدي الصلبيين.. قصة 88 عاما من التاريخ المؤلم للمدينة المقدسة.. سقوط "بيت المقدس" بعد حصار 41 يوما.. وسبعون ألفا ضحايا الغزو الصليبي

تمر اليوم 15 يوليو، ذكرى سقوط القدس على أيدي الصليبيين، ففي غفلة من العالم الإسلامي وترقب من العالم المسيحي، استطاع الصليبيون أن يسقطوا المدينة المقدسة، ودخلت جحافل الصليب بيت المقدس وارتكبت المذبحة.

بدأت الحملة الصليبية الأولى مسارها في إسقاط القدس في عام (488 - 492هـ 1095 - 1099م)، بزعامة بلدوين البولوني، الذي انفصل عن الحملة واتجه نحو الشرق بناءً على دعوة من حاكم الرُّها لمساعدته أمام الزحف الإسلامي بقيادة "كربوغا" حاكم الموصل القادم لنجدة أنطاكية، ثم أشركه حاكم الرها معه في الحكم، وبعد اغتياله بأيدي الأرمن تزوج بلدوين أرملته، وتسلَّم الحكم في (ربيع الآخر 491هـ مارس 1098م)، ثم أسس الصليبيون إمارة في أنطاكية عام 491هـ 1098م، بزعامة بوهيمند النورماني.

وفي أثناء حصار الصليبيين لأنطاكية، استقلَّ بطرابلس القاضي ابن عمَّار أحد أتباع الفاطميين، بل أرسل الفاطميون للصليبيين أثناء حصارهم لأنطاكية سفارة للتحالف معهم، وعرضوا عليهم قتال السلاجقة بحيث يكون القسم الشمالي (سوريا) للصليبيين وفلسطين للفاطميين، وأرسل الصليبيون وفدًا إلى مصر ليدلِّلوا على «حُسن نيَّاتهم»!! هكذا تابع ريموند دي تولوز (أمير إقليم بروفانس وتولوز بفرنسا) قيادة بقية الصليبيين إلى بيت المقدس، وكان عددهم أربعين ألفًا.

وفي ربيع 1099م دخلوا مناطق فلسطين فمرّوا بعكا التي قام حاكمها بتموين الصليبيين!! ثم قيسارية ثم أُرْسُوف، ثم احتلوا الرَّمْلَة واللُّدَّ وبيت لحم، ثم اتجهوا بعدها نحو بيت المقدس، فسار لقتالهم كربوغا صاحب الموصل، وصاحب دمشق دقاق، وصاحب حمص جناح الدولة، غير أن الصليبيين قد انتصروا عليهم، ودخلوا معـرَّة النعـمان فقتلوا مائة ألف مسلم، وكان العبيديون (الملقبين زورًا وبهتانًا بالفاطميين) قد استغـلوا تقـدُّم الصليبيين من الشمال، فتقدموا هم من الجنوب ودخلوا بيت المقدس وطردوا السلاجقة منها قبل وصول الصليبيين إليها، وجرت مفاوضات بين الأفضل الجمالي الوزير العبيدي وبين الصليبيين على أن يكون شمال بلاد الشام للصليبيين وجنوبها للعبيديين، ونصَّب العبيديون افتخار الدولة حاكمًا على القدس.

وصل الصليبيون إلى بيت المقدس، ودخلوها في (23 من شعبان 492هـ 15 من يوليو 1099م)، بعد حصار دام واحدًا وأربعين يومًا، ولما لم يصل حاميةَ القدسِ المددُ من مصر حيث الدولة العبيدية، استطاع الصليبيون اقتحام المدينة، ولم يكن أمام الجنود إلا الاحتماء بالمسجد، بعد أن قاوموهم ما استطاعوا، وقد تبعهم الصليبيون داخل المسجد وذبحوهم بوحشية بالغة، ونهبوا قبة الصخرة، وأَسَالُوا بحرًا من الدماء، وانتُخِبَ جودفري الفرنسي ملكًا على بيت المقدس، وأخذ لقب حامي قبر المسيح.

وفي بيت المقدس ارتكب الصليبيون أشنع المجازر، والتي تليق بقومٍ مثلهم أحرقت الأحقاد قلوبهم؛ يقول ابن خلدون في كتابه العِبَر: استباح الفرنجة بيت المقدس، وأقاموا في المدينة أسبوعًا ينهبون ويدمرون، وأُحصِي القتلى بالمساجد فقط من الأئمة والعلماء والعبّاد والزهاد المجاورين فكانوا سبعين ألفًا أو يزيدون قتلوا في بيت المقدس ما يزيد على سبعين ألفًا في خلال أسبوع فحسب، وكانوا يبقرون بطون الموتى، ويذبحون الأطفال بلا شفقة ولا رحمة.

ويصف الأسقف وليم الصوري، هذه المذبحة وصفًا تقشعرُّ له الأبدان، إذ يقول: ويُروى أنه هلك داخل حرم الهيكل فقط، قُرابة عشرة آلاف من الكفرة (المسلمين)، إضافة إلى القتلى المطروحين في كل مكان من المدينة، في الشوارع والساحات، حيث قدّر عددهم أنه كان مساويًا لعدد القتلى داخل حرم الهيكل، وطاف بقية الجنود خلال المدينة بحثًا عن التعساء الباقين على قيد الحياة، والذين يمكنهم أن يكونوا مختبئين في مداخل ضيقة وطرق فرعية للنجاة من الموت، وسُحب هؤلاء على مرأى الجميع وذُبحوا كالأغنام، وتشكل البعض في زُمَرٍ واقتحموا المنازل حيث قبضوا على أرباب الأسر وزوجاتهم وأطفالهم وجميع أسرهم، وقتلت هذه الضحايا أو قذفت من مكان مرتفع حيث هلكت بشكل مأساوي وذكر مؤرِّخ معاصر للحروب الصليبية أنه عندما زار الحرم الشريف غداة المذبحة الرهيبة التي أحدثها الصليبيون فيه، لم يستطع أن يشقَّ طريقه وسط أشلاء المسلمين إلاَّ في صعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه.

والجدير بالذكر أن القتل في هذا اليوم لم يكن خاصًّا بالمسلمين فقط، بل عانى منه اليهود أيضًا، فلقد جمع الصليبيون اليهودَ في الكَنِيسِ ثم أحرقوه عليهم. ولم ينجُ من القتل إلا الحامية العسكريَّة العبيديَّه.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً