اعلان

دموع يزن تزن!!

عيون مترقّبة، وأعصاب مشدودة، صراخ وحماسة، قد تصل إلى درجة القفز والرقص، ذلك ما عهدنا رؤيته فى مدرجات ملاعب كرة القدم، وفى المقاهى عند حضور المباريات، وفى البيوت عند مشاهدتها أمام الشاشات، وما إن يفوز أحد الفرق حتى تظهر مراسم الاحتفال بتزيين السيارات، والتهليل بشعارات النادى الفائز فى الميادين والشوارع، تلك هى مظاهر الفرح التى تبديها غالبية جماهير كرة القدم، لكن من ناحية أخرى قد يكون هناك سبّ وقذف علنى ومظاهر سخط وأحيانًا تتطور الأمور إلى عراك بالأيدى، يصاحبه تخريب وتكسير لبعض الممتلكات، وتوجيه الاتهامات بالتقصير إلى اللاعبين أو الحكام بشكل مبالغ فيه، ويتجاوز نطاق الأدب، تعبيراً عن عدم تقبّل خسارة فريقهم.

إنها وبكل بساطة ثقافة التعصب التى تسيطر على شريحة كبيرة من مشجعى كرة القدم والرياضة بشكل عام.. وظهر هذا جلياً فى خسارة الأهلى من الفيصلى الأردنى لثانى مرة فى الدور قبل النهائى للبطولة العربية، التى أقيمت بالقاهرة فى أغسطس الجارى، فمشجعو الزمالك، الذين خرج فريقهم من الأدوار الأولى فى البطولة نفسها محتلاً مركزه المفضل - الثالث- فى مجموعته كعادته فى السنوات الأخيرة، بانت نواجذهم من الفرحة لخسارة الأهلى وخروجه من البطولة، الأمر الذى يتطلب منا إعادة قراءة المشهد الكروى فى مصر من جديد.

فالتعصب أصبح على أشده، والتشفى والكراهية بين أنصار قطبى الكرة المصرية بلغ الحلقوم، وانظروا إلى تعليقات البعض على صفحات التواصل الاجتماعى وتغريدات الآخرين على تويتر بعد انتهاء مباراة الأهلى والفيصلى لتعيدوا قراءة المشهد، فالأمر أصبح سخيفًا ويحتاج لإعادة ضبط المصنع، وهو مصطلح يعرفه الكثيرون من أصحاب الموبايلات الحديثة.

وقد ثبت طبيًا أن الجلطات الدماغية يكثر حدوثها بين العديد من المتعصبين فى عالم كرة القدم، خاصة من لديهم تاريخ وراثى لمرض القلب والسكر وضغط الدم‏، والذين يقعون صرعى داخل المدرجات أو أمام الشاشات أثناء مشاهدتهم لمباريات كرة القدم ورؤيتهم لشباك فريقهم المفضل تهتز أو عند ضياع البطولة من ناديهم المحبب، لذا أطلقت منظمة الصحة العالمية صيحة تحذير من مخاطر حالة الهوس الكروى التى تنتاب جماهير اللعبة الشعبية الأولى فى العالم‏، ناهيك عن دموع وصرخات الأطفال الذين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من اللعبة، تنتابهم الفرحة عند فوز فريقهم، وتتعالى صرخاتهم عند خسارة فريقهم ولو فى بطولة ودية.

هذا ما حدث لابنى يزن، والذى لا يتعدى عمره ست سنوات، وارتبط بكرة القدم، بعدما شاهدنا نتابع مباريات المنتخب المصرى فى البطولة الأفريقية الأخيرة، وبعد انتهاء مباراة الأهلى والفيصلى بخسارة الأهلى دمعت عيناه وتعالت صرخاته، ولم يهدأ إلا بعدما فهمته أمه أصول اللعبة بأن فيها مكسب وخسارة، ومن الصعب أن تكسب على طول الخط، الأمر الذى دفعنى بمطالبة الجميع بإعادة قراءة المشهد الكروى فى مصر من جديد، للقضاء على التعصب الرياضى بين مشجعين ومحبى القطبين، فكرة القدم لعبة شيّقةٌ، وهى مظهر من مظاهر الرقى المجتمعى والحضارى، متى التزمت المجتمعات والشعوب بآدابها، ومن مقوماتها الرئيسية غالبًا التنافس الشريف، لكنها تفقد بريقها وسحرها بآهات وتعليقات ومشاحنات المتعصبين، فشجعوا الأبيض أو الأحمر، ولكن بلا مشاحنات ولا مضايقات ولا سخافات، حتى لا تفقدوا اللعبة رونقها، ولا تفسدوا المشهد الكروى، وأبعدوا الأطفال عن ثقافة التعصب، نمو لديهم الولاء للوطن، وأبعدوهم عن الانقسامات والتشدد لفريق دون الآخر، فالتعصب بين الأطفال يزرع نواة لتعزيز الكراهية ضد الأشخاص والأشياء، فعندما يبدأ التعصب بين الأطفال فى الرياضة ينعكس بالتطرف فى كل المجالات ضد الآخرين، والمجتمع أحوج ما يكون الآن إلى اللحمة لا الفرقة؛ فعلموهم التشجيع وحببوهم فى الرياضة، لكن بالأصول، فبالأصول تحيا الأمم على طوول!!

[email protected]

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
خبير: أمريكا لم تعطي الضوء الأخضر لـ إسرائيل من أجل اجتياح رفح الفلسطينية