اعلان
اعلان

بطل من سيناء (5).. حكاية "عمدة الداخلية" الذي غدر به الإرهاب.. الشهيد ياسر الحديدي عاد من إجازته بجنازة مهيبة.. وآخر مكالمة له مع أهله: "سامحوني على انشغالي عنكم"

لقراءة الحلقات السابقة من "بطل من سيناء" اضغط هنا 

عندما أشارت عقارب الساعة عند السابعة والربع مساءً، قررت بسنت عصفور، أن تهاتف زوجها العقيد ياسر الحديدي، مفتش الأمن العام، الذي انتدب للعمل شمال سيناء وتحديدًا بالعريش لمدة 12 يومًا، لتطمأن عليه، وكانت المكالمة طبيعية، تحدثت معه عن طبيعة عمله الجديد والخطورة التي يواجهها، وخلال المكالمة داعب العقيد ابنته الوحيدة، معبرًا عن شدة اشتياقه لها.

قبل أن تغلق الخط مع زوجها، علمت بسنت، أن إجازته تم تأجليها، لتكون الأربعاء بدلًا من الثلاثاء، وطلب منها أن تسامحه على كل خطأ اقترفه في حقها، وكل لحظة لم يكن بجانبها؛ نظرًا لانشغاله بحماية الوطن، وبعد انتهاء المكالمة، عاد العقيد الحديدي ليستكمل عمله، لكن القدر شاء أن تكون تلك الليلة هي الأخيرة له في حماية أرض مصر، لتنقلب المدراعة التي كان يستقلها العقيد و2 من جنوده في لحظة، بعد انفجار عبوة ناسفة استهدفت سيرهم بشارع أسيوط، دائرة قسم ثالث العريش، ليسقط العقيد ياسر الذي يبلغ من العمر 50 عامًا شهيدًا، ويعود في يوم إجازته في الثامن من مارس الماضي، محمولًا على الأكتاف، وسط جنازة مهيبة.

البطولات لا تنتهي في سيناء، هي مسلسل طويل أبطاله رجال القوات المسلحة، يسطرون حلقاته بدمائهم من آن لآخر، وفي الوقت الذي يسود فيه الصمت ويشتد فيه سواد الليل، تعلو أصوات المدافع والأسلحة الثقيلة، معلنة عن بطولة جديدة لأحد قوات الجيش المصري، تقوي عزيمة الشعب المصري في حربه ضد الإرهاب، وتنال من الروح المعنوية لما تبقى من فلول الإرهاب بسيناء.

وتنشر "أهل مصر" على مدار عدة حلقات، حكايات لأسود من الجيش المصري في سيناء، قدموا دمائهم رخيصة، وسجلوا بطولات لن تمحى من الذاكرة بمرور الوقت.

- تدرجه في مناصب وزارة الداخلية:

ولد العقيد ياسر محمد منير الحديدي، عام 1967، بكفر أبو ذكرى، مركز منيا النصر، بمحافظة الدقهلية، وكان عاشقًا للوطن منذ الصغر، فالتحق بكلية الشرطة، عام 1985، وتخرج منها ضابطًا، وتدرج في المناصب، إلى أن وصل لرتبة عقيد، وعمل مفتشًا للأمن العام بجنوب سيناء، بعد أن قضى فترة في صعيد مصر والقاهرة، بالإضافة إلى 4 سنوات، شغل فيهم منصب رئيس مباحث دهب.

- "حاسس أني مش هعرف أشوفك تاني":وتروي بسنت عصفور، أرملة الشهيد ياسر الحديدي، تفاصيل المكالمة الأخيرة التي حدثت بينها وبين زوجها قبل استشهاده، فتقول: "كلمته وكان بيضحك وبيمر بالمدرعة ويتمركز في أماكن عشان يطمن أن الأمن ماشي مظبوط.. وبعدها كلم بنته وقعد يقول لها وحشتيني أوي مش عارفة ليه ونفسي اشوفك عشان حاسس اني مش هعرف أشوفك تاني".وتتابع: "ياسر في المكالمة قالي أنا جاي أجازتي يوم الأربعاء بدل الثلاثاء معلش يا حبيبتي بس فيه شغل كتير لازم يخلص قبل ما انزلك"، مضيفة: "قعد يقول لبنته تعالي نحسب أنا وحشتك أد أيه ويهزر معاها".

- الزوجة: "ياسر كان معيشني ملكة":وتروي أرملة الشهيد الحديدي: "ياسر كان معيشني ملكة حرام عليهم حرموني منه.. جوزي قبل ما يستشهد بيوم اتكرم بعد ما قبض على إرهابيين في عملية.. ياما قولتله بلاش تروح العريش وهو رفض"، مضيفة: "ياسر استشهد في أول أيام عمله في العريش وقبل ما يروح قالي يارب ننول الشهادة وأحنا بندافع عن تراب البلد ده.. لو جرالي حاجة أعرفي أنك شاركتي زيي في حماية أرض مصر وأنا بعتبرك بطل كفايا أنك مستحملة شغلي".

- نجلة الشهيد: "كان نفسي يفضل معايا":وتقول علياء ياسر الحديدي، نجلة الشهيد التي لم يتجاوز عمرها الـ10 سنوات: "بابا قعد يهزر معايا في آخر مرة كلمني فيها وقولتله يا بابا أنا نفسي اقعد معاك كتير بس شغلك بياخدك مني".وتتابع في حديثها عن والدها الشهيد، "بابا كان بيشجعني في المدرسة.. وكنت بعد الأيام عشان يرجع من شغله.. بس هو مات وسبني.. كنت عايزاه يفضل معايا عشان أنا بنته الوحيدة". ويروي درويش: "الشهيد كان ابن من أبناء مدينة دهب.. وخدم فيها 4 سنين كان فيهم رئيس مباحث دهب.. ده غير أنه بيخدم فيها من 2006"، مشيرًا إلى أن أهالى دهب لقبوا الشهيد بـ "عمدة وزارة الداخلية في دهب"، نظرًا لشدة تعلقهم به.- الأهالي: "هيفضل عايش في قلوبنا":ويلتقط مواطن من أهالي دهب، أطراف الحديث من درويش، ويقول: "العقيد الحديدي ده كنا مثلنًا الأعلى.. مفيش حد في دهب مكنش بيحبه من الصغار للكبار.. ربنا يرحمه ويصبر أهله.. ويصبرنا أحنا كمان على فراقه".ويتابع حديثه عن الشهيد الحديدي: "الصراحة عمرنا ما شفنا ولا هنشوف زيه.. ده بطل عمره ما هيتكرر ولا هنشوف زيه عندنا في دهب.. وهو هيفضل عايش في قلوبنا مش هيموت".- زملاء الشهيد: "قدوة لينا كلنا":ويروي أحد زملاء الشهيد مواقف جمعته مع الحديدي أثناء العمل قبل استشهاده، فيقول: "العقيد ياسر كان مثال للمواطن اللي بيحب شغله وبلده ونفسه يخدمها ويحمي أهله وكل مصري".ويتابع: "أنا بقالي معاه في الشغل 7 سنين.. كان فيهم قدوة لينا في المعاملة الطيبة.. وكلنا اتعلمنا منه ازاي نخدم وطنا ونحمي أرضه"، مضيفًا: "بحكم شغله بين البدو.. كلهم بيحبوه واتعقلوا بيه.. كان بيعرف أزاى يخلي اللي قدامه يحبه من طيبته وأخلاقه".

- عمدة وزارة الداخلية في دهب:ويقول محمد درويش، أحد أهالي جنوب سيناء، أن الشهيد ياسر الحديدي، لم يكن فردً من مفتشي الأمن العام، بل كان واحدًا من أهل سيناء، مضيفًا: "والله كنا بنعتبره واحد مننا مش عقيد جاي يخدم في منطقتنا.. عمرنا ما شفنا واحد في حبه للناس أو خوفه عليهم".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً