اعلان

رسالة «بلفور» لم تتضمن إقامة دولة يهودية.. وثيقة تاريخية: الإعلان تم تحريفه من «وطن قومي» لـ«دولة كاملة».. ووزير الخارجية البريطاني رفض إقامة حكومة عبرية في القدس

كتب : سها صلاح

مفاجأة من العيار الثقيل كشف عنها موقع «ميدل إيست ونيتور» تشير إلى أن بلفور لم يتعهد بإقامة دولة إسرائيلية على أرض فلسطين وفقا لوثيقة بريطانية.

وقال الموقع إنه حصل على وثيقة في السجلات البريطانية تتضمن رسالة من أرثر بلفور إلى وزير الخارجية البريطاني اللورد كيرزن، أوضح فيها ما كان يعنيه من وعده لليهود، مضيفاً أن رسالة بلفور كانت قصيرة، ولكنها واضحة ..وأكد فيها أن التعهد البريطاني للصهاينة لم يتضمن إقامة دولة يهودية.

وكتب بلفور وفقاً للوثيقة أنه «لم يحصل أن ادعى وايزمان أن اليهود يهدفون إلى إقامة حكومة في فلسطين، مثل هذا الادعاء، في رأيي، مرفوض بكل تأكيد، وأنا شخصيا لا أعتقد أنه يتوجب علينا الذهاب إلى أبعد مما ورد في الإعلان الأصلي الذي كنت قد تقدمت به إلى اللورد روثتشايلد».

ولفتت الوثيقة إلى أنه في ربيع عام 1915، طالبت روسيا بإلحاح بضرورة أن تدخل بريطانيا وفرنسا في مفاوضات حول مختلف القضايا التي تهم القوى المتحالفة في الحرب في الإمبراطورية العثمانية.

جاءت المبادرة الروسية في التحرك؛ لضمان سيطرتهم على مضيقي البوسفور والدردنيل بعد الإنزال البريطاني في شبه جزيرة غاليبولي.

ولأن بريطانيا لم تكن تدارست الأمر بعد، قررت الحكومة في لندن تشكيل لجنة يترأسها السير موريس دو بانسن للنظر في الأمر، وتحديد الأولويات الإستراتيجية البريطانية في الشرق الأوسط.

وينوه «ميدل إيست ونيتور» أن تلك المفاوضات بدأت في لندن في الثالث والعشرين من نوفمبر 1915، حيث مثل البريطانيين السير مارك سايكس، ومثل الفرنسيين فرانسوا جورج بيكو؛ وتم في نهاية المطاف صياغة الاتفاقية في يناير 1916.

ويشير إلى أن تم الانتهاء من المفاوضات بين سايكس وجورج بيكو في يناير، دون وجود أي سجلات بأية اتصالات رسمية بين حكومة أسكويث والحركة الصهيونية، إن كان ثمة اتصالات، فقد أجريت على أساس شخصي وغير رسمي.

وأشار «ميدل إيست ونيتور» إلى أن المبادرة تمت بأول اتصالات رسمية بريطانية مع الصهاينة خلال الفترة المفصلية الواقعة ما بين تعميم مسودة اتفاقية (سايكس بيكو) على دوائر الدولة ذات العلاقة، والتصديق عليها.

الذي حفز على القيام بهذه الاتصالات هو ما ورد من ذكر لتطلعات اليهود الصهاينة في فلسطين ضمن الرد الانتقادي على مسودة اتفاقية (سايكس بيكو)، والذي حرره الكابتن ريجينالد هول، رئيس الاستخبارات البحرية، في يناير 1916.

وبعد شهر من ذلك، قام هيو أوبيرن، أحد أهم كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، بتوزيع محضر يلخص رؤية وزرارة الخارجية بشأن الفوائد السياسية التي يمكن أن تعود على الحلفاء جراء تبني المصالح الصهيونية في فلسطين، لاسيما في الولايات المتحدة.

واسترسل الموقع في شرح الوثيقة: «منذ أن بدأ البحث عن طرق تمكن بريطانيا من التحلل من التزاماتها تجاه الفرنسيين في الشرق الأوسط، وحتى قبل التصديق على الاتفاقية، تحرك سايكس لاستطلاع الخيار الصهيوني».

كان البريطانيون يرون أن المنطقة الواقعة جنوب الخط الممتد من شمال العراق إلى البحر المتوسط، أو من آخر E في عكا (Acre) إلى آخر K في كركوك (Karkuk)، كما أشار سايكس ذات مرة، ينبغي أن تخضع للسيطرة البريطانية، ولما كان واضحا بأن الاتفاقية مع الفرنسيين لن تحقق مثل تلك الرؤية، ساد الاعتقاد بأن جلب الصهاينة إلى الطاولة قد يتجاوز المطالب الفرنسية، ويضمن أن يكون جنوب سوريا منطقة نفوذ بريطانية.

لم تثر مذكرة صموئيل في يناير 1915، والتي دعا فيها الحكومة إلى الأخذ بالاعتبار التطلعات اليهودية في فلسطين، كثيرا من الاهتمام.

وكما أشار الراحل مايير فيريته، لم تتخذ حكومة أسكويث أي إجراء بشأن اقتراح صموئيل، ولم تعمم مذكرته على الدوائر المعنية، واحتفظ بها في أوراق مجلس الوزراء، حيث ماتزال موجودة هناك، بالإضافة إلى ذلك، لم يتضمن تقرير دي بانسن في يونيو 1915 أية إشارة إلى الصهيونية أو المصالح الصهيونية.

الحقيقة، أن سايكس لم يقم بأول اتصال صهيوني إلا بعد اطلاعه على ملاحظات هول ومحضر أوبيرن، حيث عقد لقاءات مع صموئيل وموسى غاستر في ربيع عام 1916، وفي وقت متأخر من ذلك العام التقى أهارون آرونسون. في نفس الوقت، وخلال الشهور التي سبقت تغيير الحكومة في ديسمبر 1916، كان سايكس، وكذلك بعض المسؤولين في وزارة الخارجية، يدفعون بمختلف الأفكار التي استهدفت الاستجابة للتطلعات الصهيونية في فلسطين، مع العلم التام للسير إدوارد غراي بذلك.

لا دافيد لويد جورج، الذي حل محل أسكويث في رئاسة الحكومة، ولا آرثر بلفور، الذي حل محل غراي في وزارة الخارجية، قام بإحداث أي تغيير جوهري في سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط.

صحيح أن لويد جورج كان أشد حماسة تجاه التطورات في الجبهة الشرق أوسطية، وكان بشكل خاص يأمل في أن يزف بعض الأخبار السارة إلى الرأي العام البريطاني الذي أرهقه طول أمد الحرب وجسامة الخسائر التي تسببت بها.

ولكن الصحيح أيضا أن النقاش حول التحلل من الالتزامات التي كانت بريطانيا قد تعهدت بها لفرنسا في الشرق الأوسط، وحول المصالح الصهيونية في فلسطين، كان قد بدأ قبل أن يتسلم لويد جورج رئاسة الحكومة.

والأهم من ذلك، لم يقتصر الأمر على بقاء سايكس في خدمة الحكومة الجديدة، ولكنه أيضًا رُقي إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

في اجتماعها الذي انعقد في الحادي والثلاثين من أكتوبر، صادقت حكومة لويد جورج على نص الإعلان الذي تقدم به وزير الخارجية إلى الصهاينة، علمًا بأن النص كان قد خضع لإعادة الصياغة عدة مرات.

الاعلان المحرف

اتخذ إعلان الثاني من نوفمبر شكل خطاب من بلفور إلى اللورد والتر روثتشايلد، أبرز شخصيات الجالية اليهودية في بريطانيا، ليتم إيصاله إلى الفيدرالية الصهيونية في بريطانيا العظمى وأيرلندا، وجاء نصه على النحو التالي:

«تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي من البلدان الأخرى».

ما من شك في أن مصطلح «الوطن القومي» يلفه الغموض، ومن المؤكد أنه لا يعني "الدولة"؛ وكما لاحظ جيمس غالفين، لا يوجد لذلك المصطلح سابقة في القانون الدولي، وما من زعيم صهيوني واحد تقريبًا على مدى العقود اللاحقة، ولا أحد من المسؤولين البريطانيين الذين تعاملوا مع قضية فلسطين، إلا وكان مدركًا للغموض الذي يكتنف المصطلح.

التقسيم

في واقع الأمر، بحسب الوثيقة، جاء التوضيح البريطاني الأول للإعلان متضمنا في تقرير لجنة بيل في يوليو 1937، والذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية، وأخرى عربية تتوحد فيما بعد مع شرق الأردن.

إلا أن توصيات لجنة بيل لم يطل بها المقام؛ لأن لجنة أخرى برئاسة القاضي وودهيد توصلت في نوفمبر 1938 إلى أن خطة التقسيم لم تكن عملية وأنها لم تكن قابلة للتطبيق.

تتضمن مراسلات جرت في مطلع عام 1919 بين اللورد بلفور، وزير الخارجية، وزميله في مجلس الوزراء اللورد كيرزن، الذي كان حينها يحتل منصب اللورد رئيس المجلس.

ولربما من المفيد الإشارة هنا إلى أن كيرزن ما لبث في وقت متأخر من ذلك العام أن حل محل بلفور على رأس وزارة الخارجية.

حرر أول خطاب أرسله كيرزن إلى بلفور، الذي كان حينها في باريس للمشاركة في مؤتمر السلام، في السادس عشر من يناير 1919، وذلك بعد لقاء جمع كيرزن باللواء آرثر ويغرام موني، الموكل من قبل ألنبي لإدارة القدس.

يقول كيرزن في خطابه إنه فهم من موني أن "حكومة يهودية من أي شكل يمكن أن تؤدي إلى انتفاضة عربية وأن تسعة أعشار السكان، والذين هم من غير اليهود، سوف يتعاملون بشكل سيء مع العبرانيين".

وفيما يعتبر مؤشرا على موافقته لموني في تقديره للموقف، أضاف كيرزن «كما تعلم، أرى نفس الرأي، وطالما شعرت أن مزاعم وايزمان وصحبه مبالغ فيها وينبغي أن يوضع لها حد».

ليست دولة يهودية

بعد بضعة أيام، وتحديدا في العشرين من يناير، كتب بلفور الرد على رسالة كيرزن، كان خطاب بلفور قصيرا، ولكنه واضح، مؤكدا على أن التعهد البريطاني للصهاينة لم يتضمن إقامة دولة يهودية.

كتب بلفور يقول «على حد علمي، لم يحصل بتاتا أن ادعى وايزمان أن اليهود يهدفون إقامة حكومة في فلسطين، مثل هذا الادعاء، في رأيي، مرفوض بكل تأكيد، وأنا شخصيا لا أعتقد أنه يتوجب علينا الذهاب إلى أبعد مما ورد في الإعلان الأصلي الذي كنت قد تقدمت به إلى اللورد روثتشايلد».

في السادس والعشرين من يناير كتب كيرزن خطابا ثانيا ومستفيضا، بين فيه لبلفور أنه "بينما يقول وايزمان شيئا معينا لك، وبينما تعني أنت شيئا محددا بعبارة وطن قومي، فإنه يسعى نحو تحقيق شيء مختلف تماما".

وأضافت الوثيقة «تلك كانت آراء اثنين من كبار أعضاء الحكومة البريطانية أثناء الحرب، وما بعدها مباشرة، كلاهما احتل منصب وزير الخارجية، وكان بلفور هو الذي ارتبط اسمه وإلى الأبد بالإعلان المشؤوم للصهاينة».

وتابعت «كلاهما كان في غاية الوضوح في التأكيد على أن الإعلان لم يكن يتعلق بتأسيس دولة يهودية في فلسطين».

«ما من شك فيه أن إعلان بلفور كان مصدر كل الشرور في الشرق الأوسط العربي، ولكن ما يبدو، مع ذلك، أن تلك القطعة من الشر لم يكن يقصد بها توليد ذلك الكم الهائل من الشر الذي ابتليت به المنطقة منذ ذلك الحين» هكذا اختتم «ميدل إيست ونيتور» تقريره.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً