على مقربة من نادي القاهرة الذي تفصله بضع خطوات عن الأوبرا، تصطف عربات الحنطور، العربات فارغة والأحصنة تحاول أن تتغلب على الملل، لا يكسر حالة الصمت إلا زقزقة العصافير على الشجر الذي تستظل به الأحصنة من أشعة الشمس المسلطة عليهم منذ الصباح.عدة أحزمة من البرسيم مستقرة على الرصيف المجاور للأحصنة، لكن ذلك البرسيم ليس من نصيب كل تلك الأحصنة، كما يقول محمد حارس الخيول "مش كل حصان بياكل من البرسيم ده، فيه اللي صاحبه اشترى ليه أكل يكفي اليوم كله وفيه اللي فلوس متكفيش غير الفطار بس".الذرة هي الطعام الرئيسي للأحصنة لكن ارتفاع سعرها دفع أصحاب العربات الحنطور إلى شراء البرسيم "الذرة اللي بياكلها الحصان الكليو بيعدي 5 جنيه والحصان محتاج 8 كيلو على الأقل في اليوم، عشان كده بيشتروا برسيم مع الذرة، يمكن الحصان يشبع"، حسبما ذكر محمد في حديثه لـ"أهل مصر".
الطلب على ركوب الحنطور من الأجانب أو المصريين، لم يعد كالسابق، فيقول محمد "الزبون يجي يبص ويمشي محدش بيركب غير قليل أوي، وللآسف أكل الحصان بيتكلف 90 جنيه في اليوم، وده بيكون حمل كبير على صاحبه، يعني سواء اشتغل وإلا لا فهو هيدفع ثمن أكل الحصان".التغذية الجيدة لأحصنة عربات الحنطور ليست هي الوحيدة التي تساعد على بقائهم أصحاء "الحصان بيحب الزبون يركب والأغاني تشتغل ويفضل يمشي في الشوارع ويستمتع بصوت العربة المليانة حاجات بتصدر نغمات وأجراس، لكن يفضل واقف كده بيأثر على نفسيته".
يملك أصحاب عربات الحنطور قانونًا لا يمكن لأحد مخالفته، كما يقول محمد "عربات الحنطور بتقف ورا بعضها، الزبون اللي يجي يبقي من حق أول عربية وكل واحد بدوره، مفيش خالص إن صاحب عربية يتعدى القانون وياخد زبون من غير حق (مفيش حد بيخسر صاحبه عشان زبون)".هناك قواعد أخرى لقانون ركوب الزبائن في الحنطور، لكن تلك القواعد يضعها الزبون، فيروي محمد "صحيح عندنا قانون لكن الزبون من حقه يغيره، أوقات الزبون يقولك مليش دعوة بالدور أنا هختار العربية اللي على مزاجي، وقتها محدش يقدر يتكلم من أصحاب الحنطور".
يختلف سعر ركوب الحنطور، فهناك نزهة كبيرة وصغيرة، كما يؤكد محمد " اللفة الصغيرة بـ60 جنيه بيروح كوبري قصر النيل وينزل على سميراميس والمتحف وهيلتون النيل والتحرير ويرجع تاني".أما عن النزهة الكبيرة فتكلفتها 100 جنيه "اللفة الكبيرة بقى بيروح فيها كوبري قصر النيل وينزل الجزيرة ويعدي على السرايا ويلف عند شارع البرج ويطلع كوبري أكتوبر وينزل على الهيلتون وبعدها رمسيس وبعدين عبد المنعم رياض وكوبري قصر النيل"، حسبما ذكر محمد.الزبون المصري قليلًا ما يوافق على ركوب الحنطور بالسعر الذي يحدده السائق، فيقول محمد "الزبون المصري يفصل يفاصل ويتعب صاحب الحنطور، طيب الراجل يصرف على أكل الحصان وبيته وعياله منين!.. لكن ربنا مبينساش حد وفي الأخر صاحب الحنطور بيحاول يريح الزبون في السعر".تحمل عربات الحنطور رخصة رسمية موضوعة على الجانب الأيسر أو الأيمن للعربة، ليتمكن صاحبها من التجول بشكل رسمي في شوارع القاهرة، في الوقت الذي يواجه فيه أصحاب العربة الكارو مأزق بعد مباردة محافظ القاهرة (القاهرة بلا كارو) التي تهدف لسحب العربات الكارو من أصحابها واستبدالها بالتروسيكل أو العربة الربع أو النصف نقل، فيقول محمد " مبادرة قاهرة بلا كارو لو اتنفذت بجد وقتها الحنطور هيختفي من القاهرة لأن أصحاب الحنطور بيشتروا الأحصنة من أصحاب العربات الكارو". امتلاك عربة حنطور ليس بالأمر السهل على كل المصريين، فيروي محمد قصة امتلاك حنطور "أولًا بتجيب حصان وطبعًا سعره بيكون من 5 إلى 10 الآف جنيه، أما العربية بقى فبتشتريها من المنصورة لأنها بتتصنع هناك فقط وسعرها غالي أوي ولو اتكسرت أو حتى وقع منها مسمار بتتشحن للمنصورة تاني عشان القاهرة مفهاش ورش تصليح عربات الحنطور والشحن رايح جاي بـ2000 جنيه غير فلوس التصليح".لم يكن سعر العربة والحصان هي الأشياء الوحيدة التي تتمتع بأسعار مرتفعة، فاكسسوارات الحصان لها قصة أخرى "الحصان الحدوة الخاصة بيه والحاجات اللي فوق ضهره واللجام والنظارات اللي بتحمي عيونه بيتكلفوا حوالي 5 الآف جنيه".الأغاني الشعبية موضة جديدة ولدت في رحم الحنطور، فيقول محمد "اللي نشر الأغاني الشعبي عند الحنطور هو أغنية سعد الصغير (أركب الحنطور).. دلوقتي الزبون الأجنبي لما يجي يركب يقول عايز أركب الحنطور وأسمع الأغنية ومن هنا بدأ أصحاب الحنطور يشغلوا أغاني شعبي معظم الوقت".
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
