اعلان

الثقافة ليست حكرًا على أصحاب المؤهلات العليا.. حكاية رجل "أمي" بدرجة "أديب"

ننظر لمدى ثقافة الشخص دائمًا من حيث المؤهل الدراسي الذي حصل عليه، لكن لم ندرك أن الشخص مجرد أنه تعلم القراءة والكتابة فإنه قادر على رفع مستوى ثقافته ومعرفته، فكم يوجد أشخاص حاصلين على مستويات دراسية عليا لكنهم لم يكونوا على دراية بما يحدث حولهم، وليس لديهم من الثقافة ما يؤهلهم إلى فهم الحياة وافادة غيرهم بالمعلومات.

في محطة قطار رمسيس، جلس رجل خمسيني يرتدي الزي الصعيدي (جلبابًا وعمة) منتظرًا القطار، ومن زيه وهيئته يظن من يراه أنه جاهل، لكن في الحقيقة كان يلتف حوله الناس في المحطة للاستفادة من ثقافته وعلمه الغزير.

تعرف الرجل الخمسيني والذي يدعى "مصطفى كامل" على رجل آخر في المحطة مسافرًا معه في نفس القطار، وكانا يتحدثا في أمور دنيوية ويتبادلا الآراء لتسلية وقتهم لحين وصول القطار، وأثناء الحديث ظهر مدى كم المعلومات لديه، واندهش كل من يجلس بجانب الحاج "مصطفى" من معلوماته الغزيره التي لم تعترضهم من قبل أو بالمعنى الصحيح لم يضطلعوا حتى يكون عندهم خلفية مثل هذا الرجل.

جذبتني ثقافة هذا الرجل واللغة العربية الفصحة التي يتحدث بها، ذهبت إليه مثل الكثيرين لاستفيد من معلوماته، وفي نفس الوقت أتعرف على قصة هذا الرجل الذي يستحق كل التقدير.

قال لي الرجل الصعيدي أنه من محافظة أسيوط، وترك المدرسة في الصف الثالث الإبتدائي لخوف والديه عليه من الثأر، وحاول الطفل الصغير مرارًا وتكرارًا العودة إلى المدرسة لكنه لم ينجح، ورغم ذلك لم يستسلم إلى واقعه الذي فرضته عليه العادات الصعيدية، بل اتجه إلى "الكُتاب" لتعُلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن الذي يرى فيه أنه منبع العلم والمعرفة واللغة العربية الصحيحة.

تزوج في سن الثانية والعشرون عامًا وانجب ثلاثة أولاد وبنت، في مختلف المراحل التعليمية، وأصر على تعليم أبناءه بعد حرمانه من التعليم، كان في بداية حياته نقاشًا ثم شيف، وبعد سنوات بدأ يستأجر أفرانًا للمخبوزات في محافظات مختلفة.

القراءة جزء من يوم الحاج "مصطفى" ورغم سفره من محافظة إلى أُخرى وانشغاله في الحياة إلا أنه يعتبر الاضطلاع وإضافة الجديد إلى عقله من أولويات يومه قائلًا: "لازم الشخص يضيف جديد لعقله كل يوم".

"لابد للإنسان أن يكون له تأثير إيجابي في الحياة ويفيد الناس" بهذه الكلمات يرى عم "مصطفى" أهمية القراءة في بناء شخصية الفرد، وفتح مجالات مختلفة أمامه، فيستطيع مخاطبة الخطباء وفهم العقلاء، على حسب قوله.

في منزل الرجل الصعيدي يوجد مكتبة تحوي على كتب كثيرة في جميع التخصصات حتى كتب الرحالة، ويقول أنه يشتري هذه الكتب من مصادر موثوقه، إذ أنه يقوم بشراء الكتب الدينية من مكتبة الأزهر الشريف أما الكتب الأخرى فيحصل عليها من دار العلوم للطباعة والنشر.

يصطحب عم "مصطفى" الكتاب معه أينما ذهب، فهو جليسه العزيز، الذي طالما ينصح به الشباب، لتنوير طريقهم، وعدم استخدام عقولهم في الفكر الخاطئ.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً