اعلان

"راجل في الشغل وأم في البيت وطيبة مع الحمار".. حكاية "ليلى" بائعة الأنابيب في المرج: "ورثت المهنة من أبويا.. والشغلانة هتموتني قريب" (فيديو)

منذ نعومة أظافرها، اعتادت الركض خلف والدها "الكهربائي" لتتخلل أناملها الرقيقة بين أصابعه، ناظرة إليه نظرة عتاب، لتركها بمفردها في المنزل أثناء عمله، بعد أن أصبحت وحيدة بمجرد رحيل والدتها منذ سنوات إلى دار الآخرة، وهي لازالت تخطو نحو الـ3 سنوات، فأخذت تقفز أمامه، طالبة منه اصطحابها معه للعمل. شهور وقرر الأب الزواج من امرأة ترعى طفلته "ليلى"، ذات البشرة القمحاوية والجسد الهزيل، لتعيش الطفلة تحت جناحي زوجة والدتها، التي كانت ترعاها تارة، وتصيح بوجهها تارة أخرى، بينما يترك والدها عمله كـ"كهربائي"، لخوض تجربة توزيع "الأنابيب"، بعد أن وقعت على مسامعه كلمات أصدقائه "شغلانة الأنابيب مربحة جربها"- حسبما قالت "ليلى" لـ"أهل مصر".مهنة توزيع الأنابيب كانت سبب اختلاط "ليلى" بساكني العقارات بكافة أنحاء المرج القديمة، بعد إصرارها على مساعدة أبيها في العمل فور الانتهاء من يومها الدراسي: "كنت أخلص مدرسة أرجع انضف البيت وأنزل أوزع أنابيب مع أبويا، ولما كان يعوز يعاقبني كان يمنعني من شيل الأنابيب والشغل معاه، لكن لما كان بيتعب أنا كنت بجر العربية وأوزع الأنابيب لوحدي".لم تكن حياة "ليلى" الدراسية تجري على قدم وساق، كعملها مع أبيها في توزيع الأنابيب، فتركت المدرسة على أعتاب المرحلة الإعدادية بعد الرسوب في 3 مواد: "أخدت قرار أني اسيب المدرسة لأني مش عارفة اجتهد دراسيًا وبقيت بنزل بانتظام مع أبويا".انقضت السنوات سريعًا حاملة معها شقاء "ليلى" في عملها بالشارع، لتأتي ليلة وقوعها في الحب مع أحمد، الذي أعقبه زواج سريع في منزل بسيط، يقع جانب السنترال الجديد بالمرج القديمة، لم يتعدى أساس المنزل دولاب صغير وكنبة خشبية مغطاة بملاءة منقوش عليها زهور بارزة، وسرير وثلاجة وغسالة وتلفاز معلق بأحد أركان الغرفة الأربعة.كانت "بسملة" الطفلة التي حملت بشرة قمحية كوالدتها، هي ثمرة ذلك الزواج، الذي انتهى سريعًا بعد عامه الأول، وفي إحدى الليالي الباردة نشبت مشادات عنيفة بين عدة رجال بذات الشارع الذي يحتضن منزل ليلى المتواضع، نهض الزوج على أصوات تتعالى وزجاج يرتطم بالحوائط، ليجد أنها الواحدة بعد منتصف الليل، قرر الخروج سريعًا للمساعدة في وقف ما يحدث، لكن لم يكن ما تخيله أحمد هو ما حدث.ذاكرة ليلى أو "أم بسملة"- كما تحب أن يلقبها من حولها، لازالت تحتفظ بما حدث تلك الليلة التي مر عليها 5 سنوات "جوزي طلع يهدي بينهم، لكن اضرب بالرصاص ومات في لحظتها"، تاركة لجام صوتها ليتعالى بالنحيب على زوجها الذي فقدت غدرًا.بعد انقضاء العزاء، رفضت "أم بسملة" العودة لمنزل والدها "قعدت في بيتي وقررت اشتغل وبنتي على ذراعي"، بدأت رحلة العمل بالخياطة، لكن فضول طفلتها لاكتشاف ماكينة الخياطة كان سيقضي يومًا بقطع أحد أصابعها، لتبتعد ليلى عن تلك المهنة، خوفًا على طفلتها الوحيدة، وتلجأ للعمل في كوافير، لكن المواعيد لم تكن تسمح لها برعاية بسملة التي كانت اتمت عامها الأول في ذلك الوقت، لتنتقل إلى بيع الطعمية والبذنجان أمام منزلها، لكن جلوس طفلتها جانب الزيت الساخن جدد خوفها من إصابتها بمكروه، فتركت العمل، وعادت تتوارى خلف جدران منزلها بأحضان طفلتها.وفي إحدى الليالي التي كانت تقضيها "ليلى" وحيدة تفكر في عمل لا يجني على حق طفلتها، ومض عقلها بفكرة الرجوع لتوزيع الأنابيب "تاني يوم جبت عربية واتفقت مع المخزن وأخدت أنابيب وبقيت أشيل بنتي على كفتي وأجر العربية وأبيع، لحد ما ربنا رزقني بالي يديني عربية اشتغل عليها ببلاش لكن اشتري حمار".كانت تكلفة شراء حمار منذ 3 سنوات ما يقرب الـ1500 جنيه، حاولت "ليلى" تدبيرهم على أقساط، إلى أن اشترت الحمار وبدأت في العمل على العربة التي كانت طفلتها تجلس عليها وسط مجموعة من الأنابيب "عملت وصل أمانة بالأنابيب وببيع واللي بكسبه بيتوزع بيني وبين المخزن، لكن لما لقيت بنتي بتلفط ألفاظ الشارع لما قربت على 6 سنوات، دخلتها المدرسة وفي الإجازة هتروح حضانة".في كل مرة تجتهد "ليلى" في حمل أنبوبة تتذكر طفلتها الصغيرة: "نفسي أخليها أحلى بنت في الدنيا أدبًا وتعليمًا"، لكن الأوجاع التي أصبحت صديقة لعمودها الفقري، تدفعها للبكاء يوميًا على سريرها الفارغ من رائحة زوجها.. "أنا ضهري مش بيبطل وجع من شيل الأنبوبة، وباخد باسط للعضلات والأعصاب وحبة التهابات ولما أروح لدكتور يقولي سيبي الشغلانة هتموتك قريب".في السادسة من صباح كل يوم، تستيقظ "ليلى" لتجهيز طفلتها للمدرسة، وتصطحبها إلى مدرستها التي تقع على بعد شارعين من منزلها، وتنتقل لشراء طعام حمارها "الحمار بأكله 2 كيلو فول 15 جنيه و2 تبن 4 جنيه و2عويجة 15 جنيه ده غير 5 جنيه برسيم على الفطار ولو مفيش فلوس بيأكل برسيم بس بالليل، ومكسبي في اليوم مش ثابت ممكن 100 وممكن أكتر وممكن مكسبش خالص".لم يتغير شكل جسد "ليلى" في عامها الـ34، عن طفولتها، فحمل الأنابيب يجعلها دائمًا تخسر الوزن، ليصبح جسدها نحيف لكنه قادر على تحمل رفع الأنابيب بخفة وسرعة تنافس بها غيرها من بائعي الأنابيب بالمنطقة، أما يدها، فأصبحت بيئة خصبة للأتربة السوداء والتشققات التي تحاوط أظافرها المكسورة، التي تتوارى دائمًا خلف عباءة سوداء طويلة الأكمام، لا تخلو من عشرات الرقع الممزقة، أما قدميها، فاحتضنها "شبشب" ينافس العباءة في التمزق.لم يخلو منزل "أم بسملة" من الأنابيب المتراصلة بمدخله، ليرقد جانبهم "زير" صغير، هو مصدر مياه الشرب لـ"ليلى وبسملة"، لكن حياتها البسيطة وشقاء العمل في حمل الأنابيب، منذ السابعة صباحًا إلى السادسة مساءً، لم يدفعها يومًا للتفكير في الزواج: "أنا راجل في الشارع مين هيفكر يتجوز راجل، وبعدين بعد موت جوزي اتقدملي كتير وأنا رفضت عشان مينفعش أدخل راجل غريب على بنتي".التعامل مع "الحمار" بعنف كما يفعل بعض الرجال، لم تغفل "أم بسملة" عن جزء منه، فتقول: "أنا عمري ما عورته لكن أوقات بكون متأخرة على بنتي فبهوشه بالعصايا أكتر من 3 مرات، لكن لو مرضيش يمشي سريع بخبطه بيها ضربة خفيفة كده ولو رفض بضرب جامد"، ليكون رد الحمار عليها أعنف من ذلك: "الحمار قبل كده ضربني في ضهري وعورني في أيدي كمان.. بيعرف يدافع عن نفسه كويس".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً