اعلان

قراءة اقتصادية للعهد الجديد بالمغرب

احتفلت المملكة المغربية خلال الفترة الأخيرة، بالذكرى التاسعة عشرة لجلوس الملك محمد السادس، على العرش "عيد العرش"، وبقدر ما تعتبر هذه المناسبة لحظة سنوية لترسيخ الخيارات الإستراتيجية الكبرى للدولة، واستشراف التوجهات المستقبلية في هذا الإطار، فإنها تشكل فرصة للوقوف على الجهود المبذولة للرقي بالمغرب على كافة الأصعدة، وكذلك الوضعية الإقتصادية والإجتماعية للبلاد مع استشراف التحديات التي ستقبل عليها الأمة المغربية في قادم السنوات.

وفي هذا المقال سنحاول تحليل الوضعية الإقتصادية للمملكة تحت حكم الملك محمد السادس، وأبراز التحديات الجديدة للمغرب في سياق التحولات الجيو-اقتصادية (Geo-economic).

◄ 19 سنة من الإنجازات الإقتصادية غيرت معالم المملكة...

منذ الإستقلال شهد النمو الإقتصادي بالمغرب تغيرات هامة على الرغم من سنوات مخطط التقويم الهيكلي

"Structural Adjustment Program " ومعضلات الحكامة التي جاورته، اضافة الى وصول البلاد الى حالة السكتة القلبية في أواسط التسعينات، لكن الوضعية الإقتصادية للمملكة عرفت تحوالت جذرية منذ سنة 1999، حيث انتقل الناتج القومي الخام من حوالي 40 مليار دولار سنة 2000 إلى ما يناهز 109 مليار دولار سنة 2017، أي نسبة تطور وصلت إلى حوالي ثلاثة أضعاف.

وتشكل هذه الطفرة الإقتصادية، نتيجة لنموذج اقتصادي " Economic model " متقدم شكلت سياسة الأوراش الكبرى عماده الأسياسي، وذلك عبر مجموعة من المشاريع المهيكلة والضخمة، كان على رأسها تطوير المنظومة الصناعية للمغرب، عبر أحداث صناعات مبتكرة تهم بالأساس قطاع السيارات وصناعة الطيران والتكنولوجيات الحديثة، واكبها تقوية للبنيات اللوجستية platforms) (logistics من قبيل انشاء وتهيئة موانئ استراتيجية كطنجة المتوسط والجرف الصفر ومشروع الناظور غرب المتوسط، وتعزيز شبكة الطرق السيارة والسكك الحديدية، هذه الأخيرة التى يستعد المغرب لإطلاق التجربة القارية العربية الأولى للقطار فائق السرعة (LGV)، الذي سيقلص المسافة بين قطبي الدار البيضاء وطنجة من خمس ساعات إلى ساعتين.

ومن جهة أخرى، عزز المغرب القطاع الفالحي، وذلك عبر تقوية منظومة وجودة قيمته المضافة من خلال برنامج المغرب الأخضر، كما تم الرفع من أداء قطاع الخدمات عبر تقوية لنوعية العرض الخدماتي، وتطوير المنظومة السياحية التي مكنت المغرب من أن تكون من بين أهم عشرين وجهة سياحية بالعالم، وقامت المملكة بالإنخراط في التوجه العاملي للطاقات البديلة والمستدامة ببرامج مبتكرة ومتقدمة ستجعل المغرب يتخلص تدريجيًا من الطاقات المكلفة، وفي طليعة هذه البرامج؛ أكبر حقل للطاقة الشمسية بالعالم مشروع "نور بورزازات".

كما قام المغرب بإصالحات سياسية وحقوقية متقدمة، كان أبرزها تجربة العدالة الإنتقالية المتجسدة في هيئة الإنصاف والمصالحة التي قطعت مع تجاوزات املاض ي، بالإضافة لإلصالح الدستوري لسنة 2011 الذي مهد لتجربة الجهوية الموسعة، وقد واكبت هذه الإصلاحات، دينامية خاصة على مستوى البعد الإفريقي، الذي يعتبر عمق المغرب الإستراتيجي والإقتصادي، حيث عقدت المملكة شراكات استراتيجية مع مجموعة من الدول الإفريقية، من أجل تصدير التجربة المغربية لهذه الدول، وتحقيق تكامل اقتصادي عميق في إطار سياسة رابح-رابح .(win-win)

◄عشر سنوات من التحديات لبناء الإنسان...

على الرغم من كل التحوالت الإقتصادية الهامة التي عرفها المغرب في العقدين الماضيين، فإن نوعية التحديات التي يواجهها المغرب تظل كبيرة وعميقة، ولعل أبرز هذه التحديات تتمثل في ضرورة تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص ومحاربة استفحال البيروقراطية والفساد في الإدارة العمومية، هذا بالإضافة الى تقوية المنظومة الوطنية للتكوين والبحث العلمي، ليساهما في الرقي باملادة الرمادية الوطنية وتوفير متطلبات المستثمرين المحتملين من أطر وكفاءات عالية المستوى.

كما سيحتاج المغرب لتطوير منظومته الإستثمارية، وذلك عبر القطاع البنكي وتسهيل تمويل المبادرات الذاتية، خصوصًا المبادرات التي تشمل المقاولات المبتكرة (Startups)، التي ستشكل في المستقبل القريب أحد أهم مصادر خلق الثروة في الإقتصاد العاملي، كما أن المملكة مدعوة لتنويع عرضها الإقتصادي من أجل جلب استثمارات أكثر خصوصًا في الظل التنافسية الإقليمية التي ستحتدم في السنوات المقبلة.

أما بخصوص النموذج التنموي "Development Model" الجديد، فالمؤسسات المعنية مدعوة للتفكير في إطار تنموي متوازن يوجد الإنسان في صلبه، مع ضرورة أن يمكن من تحقيق معادلة متكافئة فيما يخص العلاقة بين خلق الثروة والتشغيل، لضمان ارتباط ايجابي بينهم، مما سيشكل مداخل لتوزيع عادل للثروات ووسيلة ناجحة لمحاربة البطالة التي ستشكل التحدي الإجتماعي الأبرز في قادم السنوات.

وعلى ضوء الإنجازات والتحديات، تظل الثقة وسبل إرساءها بالمجتمع من أهم عوامل نجاح التجربة المغربية، كما أن الإستمرار بنفس الإيقاع التنموي وتبني نموذج اقتصادي متقدم وعادل سيشكلان أدوات ناجحة لتحفيز الإقتصاد المغربي في ظل سعي المملكة لالتحاق بنادي الدول الصاعدة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً