اعلان

برعاية القساوسة والكهنة.. "ضحك ولعب وسهر وأيام جميلة".. قواعد صارمة ببيوت الطالبات المغتربات.. إيجار يبدأ بــ5000 جنيه.. و10% زيادة سنوية

بيوت الطالبات المغتربات

غربة موحشة وحلم الحصول على شهادة عليا، معادلة صعبة، عانى منها آلاف الطلبة على مر السنين، بين البعد عن الأهل وحضن المنزل والخروج من القرية أو المدينة، للوصول إلى قاهرة المعز؛ سعيًا للحصول على شهادة عليا، تمثل السند والعون للكثير منهن، وتكون بداية لحياة عملية جديدة، تضمن الاستقرار والوصول إلى المراكز الوظيفية العليا، هكذا حال المغتربات في الدراسة.

كغيرها من أبناء جيلها الذين يعانون حياة المغتربين للحصول على العلم، كانت حياة "جورجينا عادل"، اجتمعت رغباتها بتحقيق حلمها بأن تكون إعلامية مشهورة، مع تقبل أهلها لسفر ابنتهم وتحمل الغربة وعواقبها، طالما ثمرة هذا البعد هي التعلم، لتتخذ قرارًا بالسفر من مسقط رأسها بالإسكندرية، والاستقرار في القاهرة، طوال الأربعة سنوات؛ للدراسة بكلية الإعلام جامعة القاهرة.

مشاعر متناقضة وأفكار مفعمة بالأسى والفرح، شهدها اليوم الأول لجورجينا في القاهرة، يحمل في طياته الخوف والقلق من تحمل المسؤولية، وتغيير البيئة وطريقة الحياة الجديدة التي تقبل عليها، لتختلط بها مشاعر الأمل نحو مستقبل مشرق والوصول لحلمها الذي أوشكت على تحقيقه.

وعن طريق الصدفة أخبرتها صديقتها بـ«بيت الملاك روفائيل» بشبرا، لسكن الطالبات المغتربات، تحت إشراف راهبة لها رتبة كنسية، وتسمى " مكرسة"، وبالفعل توجهت "جورجينا" لذلك البيت لتقديم طلب الالتحاق به.

"إشراف الكنيسة علينا أزال مخاوفي من الغربة والبعد عن أهلي، مما شجعني على الالتحاق بهذا البيت، وتفضيله عن المدينة الجامعية، خاصة بعد أن أوصت لي صديقتي به وبمدى الالتزام الموجود فيه"، هكذا قالت "جورجينا".

وإيمانًا من الكنيسة باحتواء أبنائها من الشباب، تعمل على توفير سكن خاص للطلبة والطالبات، سواء في العاصمة أو في الأقاليم، حرصًا منها على جذبهم إليها، على أن تضمن لهم حياة روحية تحت إشرافها، في جو من الإيمان، تحت رعاية القساوسة والكهنة.

خطاب تزكية من «أب الاعتراف»

يشترط للالتحاق بسكن "الملاك روفائيل"، اجتياز المقابلة الشخصية مع الراهبة المسؤولة عن السكن، وتصف "جورجينا" المقابلة، بأنها كانت عبارة عن حوار متبادل بينها وبين المكرَسة، تم من خلاله تقييم الشكل والسلوك وطريقة اللبس، نظرًا لحرص إدارة السكن على التأكد من انضباط الطلبة الجدد، حتى لا يؤثروا بالسلب على الطلبة القدامى.

وبعد اجتياز المقابلة الشخصية، بدأت "جورجينا" بتقديم الأوراق المطلوبة للالتحاق بالسكن، والتي تمثلت في " شهادة الميلاد وشهادة الثانوية العامة، بالإضافة لجواب من الكنيسة التابعة لها، يوصي بحسن سيرتها هي وأهلها، و خطاب تزكية من «أب الاعتراف» الخاص بها بالكنيسة، يضمن فيه قبولها بالبيت، حتى يتم الرجوع إليهم في حالة حدوث أية مشكلة".

ثم سددت الإيجار السنوي للالتحاق بالسكن، والذي يبدأ من 5000 جنيه، حسب الغرفة وموقعها ومميزاتها، على أن يتم زيادة الإيجار سنويًا بنسبة 10%، كما تتحمل الطالبة الملتحقة فواتير الكهرباء، على أن تقسم عليها هي وزميلاتها في الدور.

وها هي وصلت "جورجينا" لعالمها الجديد بكل تفاصيله المجهولة، لتخطو أول خطوة لها ببيت "الملاك روفائيل"، لتجد أمامها فناء واسعًا بعد عبورها من البوابة، التي يجلس عليها حارس، الذي يعد الرجل الوحيد الموجود بالسكن، لتصادفها عدة أكشاك بالفناء، منها سوبر ماركت صغير، لبيع مستلزمات الطهي، وكل ما تحتاجه الطالبات من المأكل والمشرب، أيضًا غرفة "المغسلة"، للملابس، بالإضافة إلى قاعة الضيافة، والمخصصة لتستضيف فيها الطالبة إحدى أقاربها في أي موعد قبل التاسعة مساءً.

لم يكن بيت "الملاك روفائيل" بالمبنى الكبير كما كانت تعتقد "جورجينا"، حيث كان صغيرًا يضم عدد قليل من الفتيات، يتراوح عددهم من ال70 إلى 100 فتاة، مقسمين على طوابق المبنى، وكان الطابق الأخير مخصص لطلبة الماجستير والدراسات العليا.

دفتر الحضور والانصراف وإشراف ديني

«هناك بعض الالتزامات عليكِ تطبيقها، منها مواعيد الدخول للسكن، التي يجب ألا تتعدى التاسعة مساءً، التوقيع بدفتر الحضور والانصراف بشكل يومي، الملابس يجب أن تكون لائقة، الصلاة الجماعية يوميًا في الثامنة مساء»، هكذا قُرأ على "جورجينا" قواعد وشروط سكن "الملاك روفائيل"، وسط حالة من التنبيهات الصارمة من مسؤولي البيت، للعواقب التي قد تحل عليها في حال مخالفة تلك القواعد.

الخضوع لإشراف قيادة دينية، لم يكن بالأمر السهل على "جورجينا" في بداية الأمر، ووجدت صعوبة في التأقلم على القواعد والالتزام بالمواعيد، نظرًا لاختلاف تلك الحياة جملة وتفصيلًا عن حياتها مع أهلها.

غرفة «5 نجوم»

وتتميز الغرف بسكن "الملاك روفائيل"، بأنها "سينجل"، أي كل غرفة بها طالبة واحدة فقط، وانبهرت "جورجينا" بالغرفة، والامتيازات الموجودة بها، وجدت الغرفة مزودة بحمام خاص بها، وتتكون من سرير ودولاب ومكتب وكرسي، وتتمتع ببعض الأجهزة كالثلاجة والمروحة والسخان، بالإضافة إلى لحاف فايبر ومشاية بأرضية الغرفة.

ويتكون الطابق الواحد بالمبنى من عدة غرف، بالإضافة إلى "ريسيبشن" واسع ومطبخ، خاص بقاطني غرف الدور الواحد، ويتم تنظيف الريسبشن والمطبخ بشكل يومي من جانب إدارة السكن، ونظافة الغرف بشكل أسبوعي.

وتتوزع مهام الرقابة والالتزام والإشراف الداخلي للفتيات، على مجموعة راهبات الـ "توساني" - وهي كلمة قبطية تعني أخت- واللاتي يتميزن بالشدة والصرامة في المعاملة مع الطالبات داخل السكن، ما يسبب بعض المضايقات لدى العديد من الطالبات، كما تسرد "جورجينا".

رسوم إضافية للخدمات.. الغسيل بـ20 جنيهًا

وتقتصر الخدمة المقدمة للطالبات بالسكن على نظافة الغرف فقط، والسكن غير مسؤول عن الأكل، ولكن يتوفر بالغرف ثلاجة وديب فريزر؛ لتحفظ الطالبات فيها الوجبات التي يحضرنها من أهلهن كل إجازة.

"أحيانًا بتيجي واحدة بتعمل الأكل لعدد من الطالبات مقابل نظير مادي يقسم عليهن، أيضًا ساعات بنتشارك نحن كطالبات الدور، الأكل مع بعضنا البعض، وبتكون من أحلى الأوقات"، هكذا تغلبت "جورجينا" على تسيير أمورها في نقطة الأكل.

أما فيما يخص غسل الملابس الخاصة بالطالبات داخل السكن، هناك غرفة مخصصة للغسيل، ولكن يتم دفع رسوم إضافية مقابل استخدام «الغسالة» في كل مرة، وتقول "جورجينا" إنها تكون في حدود الـ "20 -25 جنيهًا".

عقوبات صارمة

الغرامة هي طريقة العقاب داخل سكن "الملاك روفائيل"، وكانت المشرفات أكثر تشددًا على نظافة الأدوات الخاصة بكل طالبة، وضرورة عدم ترك أي منها في خارج مكانه أو بصورة غير نظيفة، على أن من يخالف ذلك، تصادر الإدارة المستلزمات الخاصة بالطالبات المخالفات، على أن يتم استرجاعها بعد دفع غرامة، كل شىء يسير داخل السكن وفقًا لقوانين متبعة وجزاءات لمن يخالفها.

"بدأت اتعود على النظام بالتدريج، وبدأت أتعرف على زميلاتي من الفتيات بالغرف المجاورة، ما خلق الثقة المتبادلة بيننا، حتى أصبحنا بمرور الأيام والشهور أسرة وأكثر من الإخوة" هكذا تأقلمت "جورجينا" على الحياة في بيت "الملاك روفائيل".

علاقة أخوة طيبة نشأت بين "جورجينا" ورفيقاتها بالطابق، لتجمعهم ليالي السهر بأيام الامتحانات، وليالي العيد والفرحة بطبق "كحك العيد"، الذي يدور على كل غرفة لتهادي كل منهن الأخرى، وليالي أعياد الميلاد، واحتفالات الخطوبة، أيضًا ليالي العقاب وتلقي التوبيخ من الـ "توساني"، نتيجة الصوت العالي الصادر منهن.

علاقة الطالبات بالمشرفات لم تقتصر داخل المبنى فقط، فكما تحكي "جورجينا": "في أحد الأيام تعرضت لحادث بالطريق أدى لنقلي إلى المستشفى، ومنطقيًا كان من الصعب أن أتصل لاستنجد بأهلي في الإسكندرية، فاتصلت بالسكن، وعلى الفور جاءوا للمستشفى وسددوا الحساب الخاص بي كاملًا، ورفضوا أخذه من أهلي فيما بعد، ولو في شكل تبرعات".

"هناك الكثير من الوقت الذي نقضيه مع المشرفات في الحديث والمناقشة والضحك، فطالما التزمنا بالشروط، أصبحت روح المحبة والمرح تكسر جمود القواعد والقوانين"، قالت "جورجينا".

تقول "جورجينا"، إن السكن أصبح يمثل لها البيت الثاني بعد بيت أهلها، نظرًا لمدى قوة العلاقات التي توطدت بينها وبين زميلاتها، وأيضًا مع التوساني المشرفات عليهن، لتعلو ذلك روحًا مرحة طيبة، ممزوجة بروحانيات دينية، تجمعهن بشكل يومي، تدق أجراس الصلاة يوميًا في الثامنة مساءً، لتقود مسؤولة السكن الطالبات في الصلاة.

تكتشف "جورجينا" في النهاية، أنه على الرغم من جدية الإشراف الديني، إلا أنه غير معقد كما كانت تعتقد من قبل، لأن الراهبات في النهاية يستمتعن بالحياة داخل المسكن مع الطالبات، لتمتد العلاقات بينهن خارج أسوار البيت، كما لو أن خيوط الإيمان تربط قلوبهن، "التجربة تستحق المغامرة، ولا شىء يدعو للقلق كما كان في البداية، الحياة مع القليل من الجدية والنظام.. جميلة" قالت "جورجينا".

"ضحك ولعب وسهر وعشرة وأيام جميلة".. بهذه الكلمات البسيطة يمكننا أن نصف سنوات"جورجينا" الأربعة، داخل بيت "الملاك روفائيل"، لتترك ذكريات جميلة لها، هونت عليها وجع الغربة وقسوة الفراق عن الأهل.

من النسخة الورقية

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً