اعلان

جدرانه أكلتها الرطوبة ومئذنته آيلة للسقوط.. مسجد "بن طولون" تحفة فنية أهملتها الدولة (صور)

مسجد "بن طولون"
مسجد "بن طولون"

مسجد أحمد بن طولون، بحي السيدة زينب، من أشهر وأكبر المساجد في القاهرة الكبرى، الذي بني 263هـ/877م، ليكون ثالث أضخم مسجد جامع في القاهرة الكبرى، إلا أنه وبالرغم من ضخامته وشهرته، لم يسلم من وحش الإهمال الذي سيطر على جميع الآثار المصرية بمختلف أنواعها، والعصور التي تنتمي إليها.

انتقلت "أهل مصر" إلى المسجد، لمشاهدته ومعاينة الحال التي وصل إليها المسجد الذي لطالما صرحت الوزارة بسرعة ترميمه، ولكن لا يوجد شئ على أرض الواقع.

أسوار المسجد من الخارج حاوطته الرائحة الكريهة

في البداية تجولنا حول أسوار المسجد من الخارج، الذي حاوطته الرائحة الكريهة، ولا تتناسب مع عظمة المكان، لنشاهد جدران المسجد، بعد أن أكلتها الرطوبة ليتحول لونها إلى اللون الأخضر، وأثار الماء الذي مازال ينشع من الجدران تكاد تفتت الجدران وتوقع بها على رؤوس الزوار، وفي داخل المسجد الذي لم تخلو جدرانه من التعرض لتساقط النقوش التي عليها، وتهدم أجزاء أخرى من الجدران.

نتفاجئ ببعض الجدران التي كادت أن تسقط عند ملامستها، بعد سقطت النقوش من عليها لتتحول لجدار من الطوب الأحمر، أما إطارت الأبواب فمعظمها تعرض للكسر، كما تعرضت بعضت القناديل للكسر.

ولم تسلم الجدران من سخافات البعض، الذين يتعمدون تشويه الأثر، بالكتابة عليه وإمضاء أسمائهم على الجدران تخليدا لذكراهم، فتجد بعض الجدران مدون عليها أسماء وجدران أخرى مكتوب عليها أرقام، وجدار آخر مكتوب عليه حروف اللغة العربية بالكامل.

الكرانيش التي تزين سور المسجد بالداخل تتعرض للسقوط

ولم يكن حال المأذنة الأشهر في تاريخ عمارة المأذن على مر العصور، أحسن من حال المسجد، حيث نالت نصيب الأسد من كم الإهمال الذي شهده المسجد، فمنذ الوهلة الأولى التي تشاهد فيها المأذنة، تظنها ستسقط على رأسك، بعد الحالة التي وصلت إليها، حيث تهدمت أجزاء منها ومن السلالم الدورانية الصاعدة لأعلى، والتي تمكنت الرطوبة منها، لتجعلها آيلة للسقوط.

الوزارة تسعى بقوة 

ومن جانبه يقول أحمد جابر، مدير منطقة آثار الغورية، أن الوزارة تسعى بكل ما أوتيت من قوة لترميم جميع المنشآت الأثرية من مختلف العصور، موضحًا أن الدولة أمامها العديد من الملفات.

وأضاف "جابر" في تصريح خاص لـ"أهل مصر"، أن مسجد أحمد بن طولون من أول المنشآت الأثرية التي تسعى الوزارة لترميمها.

المسجد يتعرض لإهمال شديد ويجب غلق المئذنة

وقال بسام الشماع، المؤرخ وعالم المصريات، إن مسجد ابن طولون يتعرض للإهمال الشديد، مما يستوجب التدخل الفوري لوزارة الآثار لإنقاذه، مطالبًا بغلق مئذنة ابن طولون، لأن ارتفاعها يمثل خطرًا على الزوار، أو أن تعين وزارة الآثار حارسًا أو مختصًا، وتضع سبل حماية للزائرين.

وأكد "الشماع" في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أن المسجد به أزمة خطيرة في مسألة الكهرباء التي قد تؤدي إلى صعق أحد الزائرين، فضلًا عن وجود نشع للمجاري في المسجد منذ 6 سنوات، مشددًا على أهمية ترميم المسجد، نظرًا لأهميته التاريخية التي لا تقدر بثمن، خاصة بعد إهمال وزارة الآثار مسألة ترميمه منذ سنوات.

ولفت إلى قيامه منذ وقت قريب بتدشين حملة للتبرع للمسجد لوضع كاميرات مراقبة، وتم تركيب 4 منها؛ لحماية المسجد؛ نظرا لوجود تجاوزات من البعض.

ويعتبر مسجد "ابن طولون"، ثالث المساجد المبنية في مصر الإسلامية بعد مسجدي عمرو ابن العاص، الذي تغيرت معظم معالمه بمرور الوقت، ومسجد العسكر الذي زال مع زوال مدينة العسكر، التي كانت تشغل حي زين العابدين "المدبح" حاليًا.

بعد أن فرغ ابن طولون من بناء قصره، قرر بناء المسجد فبدأ البناء عام 263هـ - 876م، واكتمل بناؤه عام 265هـ - 879م وإن ذهبت إلى المسجد ستجد هذا التاريخ مدون علي أكتاف رواق القبلة، وقد استعان طولون بالمعماري المصري القبطي سعيد بن كاتب الفرغاني لبناء المسجد، وقد وصفه مسجد السيرة الطولونية بـ"حسن الهندسة والحاذق بها".

وعن قصة بناء المسجد كما جاءت في مسجد السيرة الطولونية "أراد أحمد بن طولون بناء المسجد فقدّر له 300 عمود فقيل له ما تجدها أو تنفذ إلى الكنائس في الأرياف والضياع الخراب فتحمل ذلك،‏ فأنكره ولم يختره وتعذب قلبه بالفكر في أمره، وبلغ النصرانيّ وهو في المطبق الخبر، فكتب إليه‏:‏ أنا أبنيه لك كما تُحب وتختار بلا عمد إلاّ عمودي القبلة فأحضره وقد طال شعره حتى تدلى على وجهه، فبناه‏ وحسن البناء في عينى أحمد بن طولون".

تبلغ مساحة مسجد أحمد بن طولون حوالى 6 أفدنة ونصف الفدان، يبلغ طوله 138 مترًا، وعرضه 118 مترًا تقريبًا، وقد وأنفق علي بنائه 120 ألف دينار، وهو من المساجد المعلقة، أي يصعد إلى أبوابه بدرجات دائرية الشكل، ويتوسط المسجد صحن مربع.

أما شبابيك المسجد فتحيط به من جهاته الأربع وعددها 128 شباكاً، وفى وسط الصحن قبة كبيرة ترتكز على 4 عقود، وتعتبر مأذنته الوحيدة فى مصر ذات السلم الخارجي وهي مكونة من 4 طوابق وهي ملوية على طراز ملوية مسجد سامراء بالعراق، ويبلغ ارتفاع المئذنة عن سطح الأرض (40.44م)، ويبلغ عدد مداخل مسجد ابن طولون 19 مدخلاً، إلا أن المدخل الرئيسي حاليًّا هو المدخل المجاور لمتحف جاير أندرسون، حيث يوجد أعلاه لوحة تجديد ترجع إلى عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.

ترميم المسجد

امتدت يد الترميم والإصلاح إلى مسجد ابن طولون فى العديد من الفترات، إلا أن أهمها، كان ذلك الذي قام به السلطان حسام الدين "لاجين" المملوكي، فقد أنشأ القبة المقامة وسط الصحن عوضًا عن القبة التى شيدها الخليفة الفاطمى العزيز بالله، والتى كان قد أقامها بدلاً من القبة الأصلية التى احترقت سنة 376هـ.

وللسلطان المملوكي "لاجين" قصة مع المسجد رواها السيوطي فى كتابه التاريخي، مفادها أنّ لاجين كان أحد المماليك الذين قاموا بقتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون، ومن ثم أخذ مماليك وحلفاء الأشرف فى البحث عن لاجين ليثأروا منه، فما كان من "لاجين" إلا أن احتمى فى منارة هذا المسجد الذي كان قد هجره الناس وتحول إلى مربط للخيل، ونذر بتجديد وأعمار المسجد إذا مرت هذه المحنة، وتمر الأزمة ويتولى لاجين عرش مصر، ويلقب بـ"المنصور"، وأول ما قام به هو الوفاء بنذره، فأعاد إعمار المسجد بعد خرابه بأكثر من 400 عام.

وفى القرن 12 الهجري كان هذا المسجد يستعمل كمصنع للأحزمة الصوفية، كما استعمل فى منتصف القرن الثامن عشر ملجأ للعجزة، ثم أتت لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1882م، وأخذت فى إصلاحه وترميمه، إلى أن كانت سنة 1918م، حين أمر الملك فؤاد الأول بإعداد مشروع لإصلاحه إصلاحًا شاملاً، وتخلية ما حوله من الأبنية، راصدًا لذلك 40 ألف جنيه، أنفقت فى تقويم ما تداعى من بنائه، وتجديد السقف.

أما آخر محاولة تم فيها ترميم المسجد فكانت فى نهاية التسعينيات، حيث قامت وزارة الثقافة المصرية بترميم زخارفه وافتتاحه فى عام 2005م كواحد من بين 38 مسجدًا تم ترميمها ضمن مشروع القاهرة التاريخى، وقد أعلنت وزارة الثقافة أن إعادة ترميم المسجد تجاوزت تكلفتها 12 مليون جنيه.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً