اعلان
اعلان

من شديد لمهيب.. الأعمال الفنية وتشويه صورة الأطباء والمرضى النفسيين.. "مريض بيكلم دكتور عيان"

"المريض بيقعد على شيزلونج ويفضل يحكي وبعدين الدكتور يقوله انت كدة بقيت أحسن كتير.. أشوفك الأسبوع الجاي"، تلك هي الفكرة الخاطئة التي صدرتها الدراما المصرية والأعمال الفنية في تجسيد أدوار المرض النفسي، بدءً من الدكتور "شديد"، صاحب الإفيه الشهير "وماله يا أخويا مش عيب"، وكأن مولده في العباسية جعل منه طبيبًا نفسيًا عتيدًا، مؤديًا للصورة الذهنية التي تسعى الدراما المصرية لايصالها، مرورًا بعشرات الأعمال التي قدمت في هذا الإطار، وصولًا إلى الدكتور يحيى في "الفيل الأزرق" للنجم كريم عبد العزيز، فضلا عن أشرف عبد الباقي صاحب شخصية الدكتور مهيب، بالإضافة إلى أحد أهم وأجرأ الأفلام المصرية "بئر الحرمان"، بإبداع منقطع النظير من الفنانة سعاد حسني، وطبيبها الفنان محمود المليجي.

لذا قررت "أهل مصر"، رفع الستار عن المفهوم الخاطئ للطب النفسي، وكشف السبب الرئيسي وراء تدعيم السينما والإعلام لفكرة أن المريض النفسي مجنون.

الجمهور يدين للسينما في الفهم الخاطئ للمرض النفسي 

استهل شوقي محمود مواطن، حديثه عن رؤيته للمريض النفسي في الأفلام والمسلسلات، بأنه شخص مجنون، وأن الطبيب "سميع" يحصل على أموال فقط في مهنة سهل العمل بها دون دراسة، فالدراما المصرية أغفلت فكرة التعامل مع المرضى النفسيين، وكيفية تقديم العلاج لهم دون خجل أو خوف، ولكنهم اقتصروا في تقديم الأدوار على فكرة أن الطبيب شخص جشع مُحب للمال، وأن العلاج هو أن يسمعك شخص لا تعرفه ودون الاعتراف بالمرض.

سخرت هدى محمد، من المشاهد الفنية التي رأت فيها مرضى نفسيين، لأنهم يقدموا صورة واحدة تؤكد أن المريض النفسي مجنون، وكذلك الطبيب النفسي يتأثر بالمرضى ويعاني مثلهم، مشيرة إلى أنها تُفضل فيلم حب البنات، وظهور الفنان أشرف عبد الباقي كطبيب نفسي ولكن بصورة كوميدية، ولجوء المرضى ومنهم جيرانه إليه في الخفاء دون علم أحد، قائلة "مريت بفترة صعبة في حياتي وكنت عايزة أحكى من غير فلوس.. فاتكلمت مع حد معرفهوش على فيس بوك وبعدها عملتله بلوك"، ولكنها رافضة بشدة دور الدكتور شديد في فيلم "عروس النيل" لأنه كان مريض نفسي وليس طبيب. 

في حين رأى محمد محمود، مسلسل "تحت السيطرة" من أفضل الأعمال الفنية التي قدمت صورة المريض النفسي، وكذلك مسلسل "ابن حلال"، وتجسيد شخصية نائل ابن الوزير المريض نفسياً، والذي أدى به المرض لارتكاب جريمة وقتل من يحبها. 

وكشفت منال يوسف، طالبة، عن اعتقادها بأن الأطباء النفسيين، هم أول من يحتاجون العلاج النفسي، لأنهم يتعاملون مع العديد من المرضى باختلاف المرض، وبالتالي تتكون لديهم طاقة سلبية كبيرة لكل ما يسمعونه، ومن رسخ لها هذا الاعتقاد مسلسل قديم للفنان وائل نور كان يجسد فيه شخصية طبيب نفسي في احدى الحلقات ويتأثر بكل مشكلة يسمعها من المرضى ويعاني وكذلك دور أشرف عبد الباقي في فيلم حب البنات وطريقته الكوميدية وتفكيره في مشكلات المرضى وربطها بواقع حياته الخاصة، وكل ذلك أكد لديها فكرة أن المريض النفسي والطبيب كلاهما مجانين.

كما أشارت سميرة جمال، إلى أن هناك أدوار فنية جسدت شخصية المريض النفسي بشكل مخيف، ولكنها تفضل مسلسل "تحت السيطرة" للفنانة نيللي كريم، ولكنها ترى أن فيلم "كدة رضا"، يقدم صورة أخرى عن الأطباء النفسيين في ابتزاز المرضى، واللعب بعقولهم لتحقيق أغراض شخصية، والذي ظهر من خلال تجسيد خالد الصاوي لشخصية الطبيب نفسي، في حين جسدا أحمد حلمي ومنة شلبي دور مرضى نفسيين.

نوه إسلام خيري، طالب وأحد المشتركين في مسرحيات جامعة القاهرة، أن مخرجي الأعمال الفنية يريدون أولاً وأخيراً خدمة العمل الفني بغض النظر عن فهم طبيعة الشخصية وتأثيراتها المختلفة على الجمهور من ترسيخ عادات وفكرة خاطئة يتم تداولها من جيل لأخر كمسلسل "سارة" للفنانة حنان ترك والفنان أحمد رزق جعل المشاهدين يعتقدون أن الضغوط في الحياة يمكن أن تجعلهم يلقوا نفس مصير سارة وصديقاتها في المستشفى وأنهم مجانين واقتصار معالجة المرض النفسي على الأغنياء. 

من المسئول عن خطأ الأعمال الفنية في تشويه صورة المرض النفسي؟

وأكد الدكتور على جمعة أستاذ الإعلام، ومخرج الأفلام القصيرة، أن السينما تستخدم أشكال متعددة تتناول في إطارها المرض النفسي، ويتم التركيز على الجانب الكوميدي وهدفه الأساسي الضحك والترفيه أو الدراما المؤثرة والتي لا تعتمد بشكل كبير على الاستشارة الطبية ولكنها قاصرة على مجرد المعاناة دون الافصاح عن المرض، مما جعلها تسهم في تصدير صورة ذهنية سيئة عن المرضى النفسيين بأنهم مجانين، والمسئول الأول والأخير هما كاتب السيناريو والمخرج يأتي بعده، لأنهما يعملا على تقديم الشخصية في إطار السيناريو المكتوب دون الاستناد لقراءات تتعلق بالمرض النفسي، أو على الأقل استشارة أحد الأطباء، حيث قامت مريم نعوم كاتبة مسلسل "سجن النسا" بعمل معايشة في سجن القناطر حتى تخرج الأدوار مماثلة للحقيقة، وهنا يجب على الكُتاب في الأعمال المرتبطة بالمرض النفسي، أن يستندوا إلى الأطباء النفسيين، وبالتالي يمكن الخروج من هذه الأزمة عن طريق حملات إعلامية توضح المرض النفسي، وإمكانية علاجه لارتباطه بالصحة الجسدية.

وأضاف مخرج الأفلام القصيرة، أنه يتم الاعتراف بالمرض في الدول المتقدمة، ولكن المجتمع المصري عكس ذلك، لأنه يستند إلى العادات والتقاليد، ولتشويه صورة المرض النفسي بالأعمال الفنية.

الأطباء يعانون من تأثيرات السينما والإعلام 

أوضح محمد سامي طبيب نفسي بمستشفى العباسية للأمراض العقلية بالعباسية، أنه يجب على الجميع أولاً ادراك الفروق بين المرض النفسي والعقلي، فليس كل مريض نفسي مجنون، ولكن يمكن أن يتحول إلى ذلك بالفعل إذا زادت ضغوطه في الحياة بمرور الوقت ولم يجد الحل السريع أو العلاج لها وإذا فكر في العزلة والابتعاد عن الأخرين، فهناك شخص يعي جيداً أنه يعاني من مشكلة ما أو أزمة نفسية ويسعى جاهداً للتخلص منها وعلاجها، في حين يوجد أخر لديه مشكلة مماثلة ولكن يرفض الاعتراف بالمرض ويرفض العلاج وينعزل عن الأخرين ومع كثرة الضغوط وانعدام الإرادة يتحول إلى مريض عقلي "مجنون" وهنا الفرق واضح فالاعتراف بالمشكلة أولى خطوات حلها، وكل ذلك أغفل الإعلام وخاصة السينما عن توضيحه للجمهور واتجهوا بدلاً عن ذلك في تقديم محتوي فني أدي لتشويه صورتهم الذهنية لدى المواطنين.

وتابع، "جميعنا مرضى نفسيون" هي جملة صحيحة نوعاً ما، لأن المرض النفسي يختلف من شخص لأخر لاختلاف أنواعه وأسبابه، فالمصريين جميعاً يعانون الآن من مرض العصر وهو "الاكتئاب" الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى الانتحار وأن يلجأ الأفراد للتخلص من حياتهم نظراً لزيادة حجم الضغوط والمعاناة دون السعي للحصول على العلاج في الوقت المناسب، وهناك من يعاني من "الوسواس القهري" الذي يجعله يفكر كثيراً في فعله للشيء ما أم نسيانه مثل الاطمئنان أكثر مرة على إغلاق باب الشقة أو أنبوبة البوتاجاز فهو يعد مرض إذا زاد عن المعدل الطبيعي المسموح به، وغير ذلك من أنواع المرض التي تسببها ظروف الحياة كفقد لشخص عزيز علينا أو المرور بمشكلة ما في العمل أو الأزمات العاطفية التي تؤثر بالسلب على الحالة المزاجية للإنسان، وبالتالي يقع على مسئولي الأعمال الفنية دور كبير لأنهم قاموا بترسيخ فكرة خاطئة عن المرضى النفسيين بأنهم مجانين ومن الأفضل أن يتم كتمان الأمر حتى لا يلحق العار بالعائلة، وإذا كانوا أغنياء يضعون المريض في مستشفى خاصة دون معرفة أحد.

كما شدد "سامي" على أن الدراما المصرية والأعمال الفنية حصرت فكرة الطبيب النفسي على من يمتلكون مبالغ مالية كبيرة، نظراً لأنه من أعلى التخصصات الطبية، فالجلسة الواحدة في عيادة الطبيب يمكن أن تتراوح بين 200 حتى 500 جنيهاً، والجميع يخشى فكرة المستشفيات الحكومية، كما وصل الأمر لاعتقاد أن الأطباء النفسيين مجانين، وهذا ما صدره الفن في كل العصور. 

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً