اعلان

رغم تخطيه الستين من عمره .. "عم جودة" يغالب مواجع الحياة بدراجة وشاكوش (صور)

كتب : سارة صقر

يأتي يوميا كل صباح من محافظته القليوبية إلى القاهرة ليصل إلى حي "النحاسين" على دراجته التي يستقلها منذ سنوات ومازالت تتحمل معه مشقة الرحلة التي يبدأها دائما بابتسامته المعهودة وطيبة قلبة التي يتحاكى بها أهالي الحي.

"عم جودة" الرجل الستيني، الذي قضى 40 عامًا من عمره في مزاولة مهنة الحدادة، فقد خلالها سمعه بسبب الطرق على الحديد، يقف حاملا بيده المرتعشة شاكوش يطرق به الحديد، غير مكترث بالحديث الذي يدور حوله، ليناديه أحد زملائه الحدادين، فينظر بابتسامة يخالطها الحياء، ويعود ثانية للطرق، ثم ينظر مرة أخرى ليحدثنا عم "جودة" على أصوات المطرقة التى بدت لنا مزعجة فى بداية الأمر.

يأتي في الصباح الباكر إلى ورشته في حي "النحاسين" التي يعمل بها منذ سنوات والتي أصبح يألفها حتى صارت جزءا منه لا يستطيع الإنفصال عنه، على دراجاته التي يمتلكها منذ سنوات قائلا : "عجلتك العارجة تغنيك عن السؤال"، موضحا أنه تعود على ركوب الدراجات منذ صغره ولا يعرف يستقل وسيلة مواصلات غيرها، لافتا إلى أنها وسيلة مواصلات ورياضة في وقتا واحدا، كما أنها توفر مصاريف المواصلات.

يستكمل "عم جودة" حديثه وسط الطرق وهو غير مكترث، فيعلو الصوت أكثر وأكثر ولكنه يبدو قد أصبح معتادا على صوت الطرق محيطا به من الورش الأخرى، ليصف لنا حال العاملين بالحدادة، تلك المهنة التي تأخذك شبابا وحينما تخور قواك لا تُبقي عليك، فالطرق على الحديد والمعدن يحتاج لقوة بدنية حتى تطوع المعدن بين يديك، فيقول الرجل الستيني بعد نظرة طالت يتأمل من خلالها مراحل عمرة التي ضاعت في ممارسة المهنة دون جدوى، "يا مولاي كما خلقتني" هي مهنة صعبة تحتاج لصحة، عملت بها منذ أربعين عاما ولسة مكمل.

وبالرغم من مشقة عمله إلا أنه يُصر على استكمال العمل بالحدادة، حيث أنه لم يجد من يحنو عليه في كبره بعدما أخذ الزمان منه قوته وخارت قواة، دون تأمين على حياته أو معاش يتكفل به في آخر عمره، فيقول الرجل الستيني أنه لا يستطيع أن يعمل بغير مهنة الحدادة حيث أنه لا يعرف مهنة غيرها وهي التي شب عليها، كما أنه لا يستطيع أن يرتاح في بيته، فيومه كله يقضيه في الورشة بين زملائه وجيرانه من الحدادين الذي ألف الزمان بين قلوبهم فأصبحوا إخوانا، ليصبح أهالي سوق "النحاسين" بعد أربعين عاما هما عائلته وناسه.

لم يتم "عم جودة" جملته الأخيرة ليبادره أحد الحدادين قائلا: "عم جودة ده شيخ الحدادين، الميزة اللي فيه أن قلبه طيب ما بيعرفش يكدب ومش خبيث" ويؤكد العاملين في الورش المجاورة للورشة التي عمل بها منذ زمن بعيد أنهم شبوا ليجدوا "عم جودة" واحد من أرباب المهنة الذين علموهم فن الحدادة وتشكيل المعادن وتطويعها، مؤكدين أنه علم من أعلام الحرفة الذي عرف بخلقه الحميدة وطباعة الجيدة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً