اعلان

المسلم ليس "أبليكشن" أو "روبوت"

المسلم إنسان.. حقيقة علمية راسخة منذ بدء الخليقة.. حقيقة تدركها كل الكائنات، إلا ذلك الكائن العجيب من سلالة الجلابيب "المأزعرة" والشال واللحى المتدلية ممن جعلوا المشيخة حصريًّا عليهم.. تلك الكائنات التي ببراعة وإصرار مذهلين حوَّلت القرآن والسنة إلى كتالوج، مطالب بـ "تطبيقه" الكائن المعروف بـ "المسلم"، فحوَّلوه إلى "أبليكشن" أو "روبوت" في "عالم المُثُل"، الذي لا محل له إلا في نفسيتهم "المبقَّعة" وعقولهم "الضِّلمة". وهو كتالوج لـ "تطبيق" واجب التطبيق كما أُنزِل، وهو ما لا يقوى عليه إلا الأنبياء، ومن قبلهم الملائكة، الذين لا يعصون الله ما أمرهم.

ومن جعلها حقيقة هو خالق الكون، فقد حسم هذه القضية الجدلية عندما غضبت الملائكة من أفاعيل البشر، فقال الودود الحنان "لو خلقتموهم لرحمتموهم". وهو دستور تعامُل الله مع خلقه الذي نفخ فيه من روحه، وخلقه حبًّا، وحكى تفصيليًّا عن بديع خلقه في أحسن تقويم، وتكريمه على مَصافّ الملائكة، واختيار المكان اللائق به في الجنة، وإعطائه الأمانة، ثم فتح باب العفو والمغفرة على مصراعيه لمن آب ولجأ إليه، ووضع مقاييس الحساب: الحد الأدنى الحسنة بعشر أمثالها، مع تحويل رصيد السيئات إلى حساب الحسنات في التوبة، ووووووو إلى ما لا نهاية لـ وووو... التي تختصر في كلمة تاهت فصيلة الجلباب والشال عن حروفها، وهي أن المسلم "إ ن س ا ن".

ورغم وضوح تلك الأمور للقاصي والداني، وحتى لإبليس نفسه، إلا أن أصحاب الإطلالة الجلبابية الشالية لا يزالون ليلَ نهارَ ينعقون "بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً". وهو ما يتطلب منا فهم نعيقهم.

فقد نجح المتجلببون في أن إحداث نقلة نوعية من تفسير القرآن والسنة وفقه الأحكام إلى تفسير وفقه كلامهم؛ لأن "في الدواء سم قاتل"، سم موضوع بحنكة لا تناسب ذهنيتهم؛ ما يؤكد أنهم تلقَّنوها.. وتعالوا نضرب المثال الأكثر شيوعا (وما أكثر أمثلتهم) من خطبة لأحد "عناتبيل" الخطابة، وهو مثال موضوع بحرفية لا تُصَدُّ، ولا ترد.. اسمع يا مؤمن "إذا عصيتَ الله في السر وأنت تعلم أنه يراك، فقد جعلته أهون الناظرين، وإذا عصيته وأنت تظن أنه لا يراك، فقد كفرت؛ لأنك أنكرت على الله صفة العلم". والله ما أروعها وأبدعها جملة!

ولكن تعالوا نترك المنبر ببريقه، ونهبط حيث الأرض، ونحاول الانتقال إلى مرحلة التطبيقات لهذا الكلام المسبوك المحبوك.. وأول التطبيق هو فهم المطلوب؛ حتى يتسنى تطبيقه، وهو ألا تعصي الله في السر؛ لأنك ستدخل نفقين لا ثالث لهما: جعلت الله أهون الناظرين (والعياذ بالله ذي الجلال والإكرام)، أو كفرت بإنكار صفة العلم عن الله (سبحانه وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا).

بما أن إذن يبقى المطلوب ألا تعصي الله في السر، طبعًا ولا في الجهر؛ لأن "كل أمتي معافى إلا المجاهرين".

بما أن أذن تاني: لا تعصي الله لا في السر ولا في الجهر. وحتى تحقق هذا فالمطلوب أن تكون نبيًّا أو مَلَكًا من الملائكة، أو، وهذا الأنكى، أو بوصفك بني آدم وإنسان وبشر، فستقع في المعاصي، وساعتها تحدث لك الكدمة النفسية، وهو المطلوب إثباته.

لقد نجح أصحاب الجلابيب أن يجلببونا بمقولتهم تلك، ويقيموا علينا الحجة الدامغة، المسوغ لدخول جهنم من "وَسَع"؛ لأنك في حال المعصية (ومؤكد ستقع في المعاصي) ستظل حبيس الضمير، ومع تكرار سقوطك كـ "إنسان" يتكرر لذعه ولسعه، ويزيد ويشتد ويحتدُّ، حتى يختمر في داخلك عنف نفسي يبدأ بك، ثم يمتد لمن حولك.

أو الطريق الآخر، وهو الانتفاض ضد كل شيء، والكفر بالمبادئ، وبهذا يتحقق الغرض من التطبيق، وهو التطفيش من طريق الله، وكل هذا لسبب بسيط، أنك تعامل كـ"أبليكشن" أو "روبوت"، لا إنسان.

وفي غُمَّة وغمرة محتكري المشيخة، يطرب روحي ويشجيها تلك الآية التي عَمِيَت قلوب أصحاب الجلابيب والشال عن أن تبصرها "قل يا عبادِيَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم".. اقرءوها واستوعبوها حرفًا حرفًا، وارووا أرواحكم وقلوبكم بها بعذب فُراتها؛ فهي رِيُّ الأرواح وغذاء القلوب..

ولنسأل فحول الجلابيب والشال عن الميزان، و"من ثقلت موازينه"، والكتاب الذي به خانتان (حسنات وسيئات)، ثم لنسألهم عن أهل الأعراف الذين تساوت حسناتهم بسيئاتهم (مع مراعاة أن الحسنة بعشر أمثالها كحد أدنى)، وينتظرون الشفاعة لدخول الجنة، التي سيدخلونها بعفو الله ورحمته. وأين "إن الحسنات يذهبن السيئات" من موقعكم الإعرابي؟ و"كفارة لما بينهما"؟ و"أتبِع السيئة الحسنة تمحُها"؟ و"فإنه كان للأوَّابين غفورًا"، وثناء الله على أنبيائه بهذه الصفة "واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أوَّاب"، "ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أوَّاب"، "إنا وجدناه صابرًا نِعْمَ العبدُ إنه أوَّاب". وكلمة "أوَّاب" صيغة مبالغة بمعنى كثير الرجوع إلى الله والتوبة، وكثير الذكر والتسبيح.

وبتطبيق "التطبيق - الأبليكشن" بتاعكم فكل من تشملهم جملتكم الجبارة إما عصوا الله "في السر" ويعلمون أن الله يراهم، أو يعتقدون أن الله عز وجل لا يراهم، فأنكروا صفة الرؤية على الله؛ ما يستوجب الكفر.

وبمناسبة "أنكروا صفة الرؤية على الله"، ما رأيكم في صفات الله و أسمائه، ومنها: الرحمن الرحيم الغفور الغفار التوَّاب الوَدود العَفُوّ الرَّءوف (المتعطف على المذنبين بالتوبة)؟ وما رأيكم في الحديث الذي رواه البخاري و مسلم وابن ماجة "سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم"؟

ويبقى السؤال الأهم: هل يعي أرباب الجلابيب والشال ما يرددونه في خطبهم؟ وخلاصة الأبليكشن الموجه هذه المرة لأولئك الدهماء:

إذا كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ ********** وإن كنتَ تدري فالمصيبة أعظمُ

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً