اعلان

تجارة الآلام.. دواء المصريين على "قارعة الطريق".. علاج الأمراض المزمنة والضعف الجنسي "على الرصيف".. والأسعار تبدأ من 50 قرشًا.. صيادلة يحذرون: فيه سم قاتل.. وحجم "بيزنس الموت" تجاوز الـ500 مليون جنيه

دواء المصريين

الجميع يبحث عن الربح السريع، الحياة ماراثون الفائز فيها هو من يحصل على أكبر قطعة من «تورتة الرزق»، لكن أن يكون الربح على حساب التجارة في آلام المرضى، واستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة للترويج لمنتجات طبية غير صالحة ولا رقيب عليها، هي بمثابة جريمة لا تغتفر، يرتكبها جاهلون أو مجرمون في حق «غلابة» أحرقتهم نار غلاء الأسعار فلجأوا إلى أدوية «على الرصيف» تنجيهم من آلامهم.

على مرأى من الملايين، لم يستحي «تجار الآلام» من الترويج إلى بضاعتهم الفاسدة في الأماكن العامة والأكثر اكتظاظًا بالمواطنين، فداخل عربات المترو عُلقت ملصقات مدون عليها خمسة كلمات «نشتري الدواء المستمعل بأفضل الأسعار»، وأسفل العبارة وضع رقم هاتف لمن يرغب في التواصل.

«أهل مصر» فتشت عن الظاهرة، وأجرت زيارات ميدانية لبعض الباعة الذين يعرضون الدواء على الأرصفة بأسعار بخسة، ثم وضعت الظاهرة أمام الخبراء والمسؤولين، وذلك خلال التقارير التالية..

أسواق الأدوية في المناطق الشعبية.. صيدليات «على الفرشة»: علاج لكل الأمراض المزمنة

ظاهرة بيع الأدوية على الأرصفة في الشوارع قديمة، لكن ما أدى لانطلاق شرارة المشكلة من جديد، كانت صورة نشرتها صفحة مجموعة خاصة بالصيادلة، لسيدة تبيع الأدوية على رصيف سوق الجمعة بمنطقة إمبابة، ويبلغ سعر الشريط جنيهين، مع وجود كل الأصناف الدوائية، وفور انتشار الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ الجميع يتحدث عن أهمية الرقابة المشددة على سوق الدواء المصري، خاصة بعد وصول الأدوية للمواطن الفقير على الأرصفة وما بها من خطورة شديدة على جسم الإنسان.

وعند سؤال البائعين في منطقة إمبابة، أكدوا وجود إقبال كبير من المواطنين على شراء كل ما هو مستعمل حتى الأدوية، وبعدما تركت إحدى البائعات المكان جاء أكثر من شخص لبيع بعض الأصناف الدوائية بأسعار رخيصة ومنها أدوية أمراض مزمنة كالضغط والسكر والقلب وأدوية البرد والأنفلونزا وغيرها، مؤكدين أن أغلب هذه الأدوية يتم جمعها من صناديق القمامة، فالأسر المصرية بعد انتهاء صلاحية الدواء تلقي المتبقي منها، فعندما يمر أكثر من عامين فيبدأ القلق يصيب الطبقات الوسطى والمثقفة فتسارع للتخلص من الدواء وهناك متخصصين في جمعه وتوزيعه على الأسواق الشعبية كسوق الجمعة بإمبابة وسوق التونسي وبعض الفروشات في رمسيس.

وأبدت دينا محمد، إحدى المواطنات غضبها من بيع الأدوية على الأرصفة بالشوارع، مستنكرة شراء المواطنين منها، وأنها لا تتخيل ما يجعلهم يصلون لهذه المرحلة ولكنها ترى ارتفاع أسعار الدواء في مصر سببًا في تفشى الظاهرة وأن هؤلاء المواطنين فقراء وإذا كان لديهم أموال ما كانوا لجأوا للشوارع قائلة «مش بمزاجهم للأسف».

في حين نوهت رغد عمار، أن المسئول الأول عن هذه المشكلة هو المواطن الذي يشتري أدوية غير صالحة، ولكن الجهل والأمية يلعبان دورًا كبيرًا لأن القادرين ماديًا لا يمكنهم أن يبخلوا على أنفسهم في أدوية تعالجهم من الأمراض، ولكن في السنوات الخمس الأخيرة ارتفع سعر الأدوية قائلة «كدة ميتين وكدة ميتين حسب الله ونعم الوكيل».

وأشار على السيد، إلى أنه من الطبيعي عند سماع أن هناك أدوية يتم بيعها في الشوارع أن يثور الناس على البائع رغم أنه قليل الحيلة وليس لديه عمل آخر يمكنه من توفير قوت يومه، ولكن المواطن الآن يسيطر عليه جهله وفقره وهناك دور كبير يعق على عاتق الدولة في الرقابة على الأسواق وتوفير والأدوية بأسعار رخيصة، ولكن «الغالي ثمنه فيه».

«الحق في الدواء» يرصد الظاهرة: العلاج على الرصيف يبدأ سعره من 50 قرشًا

الدكتور محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، أكد أن وزارة الصحة قامت بحملات تفتيشية مع مباحث التموين عند نزول سوق الجمعة بمنطقة إمبابة مرتين متتاليتين حتى اختفت هذه السيدة بما تفترشه على الأرصفة من أدوية مباحث التموين نزلت بالفعل إلى سوق الجمعة بمنطقة إمبابة، ولكن وجدنا أن هناك أكثر من 5000 صنف دوائي معها و3 أشولة مليئة بالأدوية، كما أنه من الممكن وجود أدوية تُباع بنفس الطريقة في أماكن أخرى ومحافظات مختلفة، موضحًا أن هناك أسباب تجعل هناك انتشار لبيع الأدوية على أرصفة الشوارع وذلك لأن مصدر هذه الأدوية موجود في كل صيدليات مصر، وهي الأدوية منتهية الصلاحية، حيث يمر الصيدلي بمشكلة كبيرة تتمثل في محاولات التفاهم مع أصحاب الشركات لإعادة هذه الأدوية، ولكنها لا تمتلك الصلاحيات لإجبارها على ذلك، فلا يستطيع تعويض ثمنه فيتركه لديه، كما أن هناك في مصر حوالي 62 ألف صيدلة، 20% من هذه الصيدليات يديرها دخلاء على المهنة وليسوا صيادلة متخصصين أي عمال سواء كانوا ثانوية عامة أو كليات أخرى فمن السهل عليهم بيع أي أدوية لأنهم يريدون المال، ولكن طالما أن هذه الأدوية ما زالت موجودة فهناك إشكالية بها في الصيدليات وسيخرج علينا كل يوم بائع لها على أرصفة الشوارع، لأن المنبع ملئ بها.

وحدد «فؤاد» قيمة الأدوية منتهية الصلاحية بأكثر من 500 مليون جنيه، وأنه منذ عام 2014 أصدر وزير الصحة والسكان قرار رقم «411» وسمى هذا القرار «تطهير سوق الدواء المصري» ولكن منذ أربع سنوات لم نستطع تنفيذ هذا القرار لأن شركات الأدوية من الصعب إجبارها على إعادة هذه الأدوية مرة أخرى، مشيرًا إلى أن تأثير هذه الأدوية منتهية الصلاحية لا يقتصر على صحة المريض ولكن على صناعة الدواء المصرية وأيضًا على الاستثمار، ولفت إلى أن إدارة التفتيش الصيدلي بوزارة الصحة جهة غير مخولة ببيع الأدوية في الشوارع ولكن مباحث التموين بالإضافة إلى أن يدها مغلولة في مشكلة بيع الأدوية بالعيادات الخاصة للأطباء لأن الأدوية في مصر بلا صاحب، رغم أنها صناعة حيوية وحققت هذا العام مبيعات وصلت إلى 60 مليار جنيه وهو مبلغ كبير ولكن كلما يتواجد ما يتعلق بالتهريب والغش وانتهاء الصلاحية فهو يؤثر على الصناعة المصرية خاصة عند وجود مستثمر جاد والذي يخاف من دخول سوق الدواء المصري.

ونوه مدير المركز المصري للحق في الدواء، أن هناك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تعرض الأدوية وتكتب عليها «إكسبايرد» وهي «أدوية سامة»، موضحًا أن المواد بها تفاعلت ولذلك يتم كتابة التواريخ على العبوات لمعرفة الصلاحية، لأن الدواء صلاحيته لمدة 7 سنوات ولكن بعد مرور 5 سنوات يتم تحليله من جديد بسبب تفاعل المواد الكيميائية مع بعضها البعض مما يجعله سام غير قابل للتناول.

وتابع أن هناك أسواق شعبية بها طبقات فقيرة جدًا، ويبدأ سعر العلاج بـ 50 قرشًا لأدوية قديمة لا يتم إنتاجها من 20 عامًا، وهناك أدوية أخرى بجنيهان على الرصيف ولكنها موجودة بالصيدليات بمبلغ 20 و50 جنيهًا مما يؤدي إلى إقبال المواطنين عليها.

وفي السياق ذاته، أوضح «فؤاد» أن عند محطات مترو الأنفاق خاصة محطتي «البحوث، والدقي» هناك أعمدة واستندات معلقة في الشوارع مكتوب عليها عبارة «نشتري الدواء القديم بأي سعر» مع وضع رقم هاتف محمول وعندما يتم الاتصال يعرف البائع حجم الأدوية الموجودة لديه في المنزل، حتى وإن كان تم استخدامها من قبل ويحاول عقد صفقة بمبلغ زهيد وليكن 20 جنيهًا ويرسل مندوب لإحضاره ومن ثم تبدأ إعادة إنتاج هذه الأدوية من جديد، وأكد أنه منذ عامين كانت هناك ورشة في أبو النمرس لتغيير تاريخ صلاحية الأدوية.

غرفة صناعة الأدوية: 90% من أدوية الشارع مغشوشة ومنتهية الصلاحية

تحدث الدكتور محيي حافظ عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأدوية، عن الرقابة التي تتبع مسئولي وزارة الصحة لأنها المعنية في المقام الأول والثاني بأدوية الشوارع المنتشرة على الأرصفة، ليس هذا فقط ولكن هذه الفترة انتشر بيع الأدوية عن طريق الإنترنت والهواتف المحمولة، بالإضافة إلى لافتات معلقة بالشوارع وهي جهات مجهولة، مشيرًا إلى أن إدارة التفتيش الصيدلي المعنية بالرقابة ليست مسئولة عن أدوية الشوارع ولكن من الضروري التنسيق مع مباحث التموين لمعرفة أماكن بيع الأدوية في الشوارع لمهاجمتها، لأن المفتش الصيدلي تنحصر سلطته في الضبطية القضائية على الصيدلية والمصنع وليس له أي سلطة خارج هذه الجهات.

وأوضح «حافظ» في تصريحات لـ«أهل مصر»، أنه لا أحد يعلم هل هي أدوية بالفعل أم لا ولكن في الغالب وبنسبة 90% فهي أدوية مغشوشة أو منتهية الصلاحية.

خبير دوائي: 5 سنوات عقوبة بائعي الأدوية في الشوارع

على الجانب الآخر، أوضح الصيدلي والخبير الدوائي هاني سامح، أن هناك 7000 صنف دوائي يتم تداوله بالإضافة إلى 14 صنف مُسجل، فإنه غير منطقي أن يكون هناك مواطن مريض يبحث في بعض الفروشات على الأرصفة عن علاج، فالأدوية أسماء تجارية وتركيبات، ولكن يتطلب ذلك تشديد الرقابة وإعمال سيف القانون لمواجهة نماذج بيع الأدوية في الشوارع، حيث تصل عقوبته إلى 5 سنوات حبس، مؤكدًا أن المشكلة الحقيقية آنذاك تقع على عاتق المريض لأن الأدوية متوفرة بالفعل في الصيدليات يوجد منها مثائل كثيرة وبأسعار متباينة، وهذا لا يعفي الأجهزة الرقابية من أدوراها.

وأشار «سامح» إلى أن هناك سماسرة للأدوية منتهية الصلاحية والتي يحصلون عليها من الصيدليات ولكن ليس لبيعها في الشوارع وإنما يتم إعطاءها لصيدلية حجم تعاملها كبير مع شركات الأدوية والتي تستفيد من ذلك في استرجع الأدوية منتهية الصلاحية ويتم الحصول على مبالغ مالية من خلال ذلك، ولكن لا يمكن أن تكون الأدوية في الشوارع منتهية الصلاحية لأن لها طرق مختلفة، ولكن الأخطر هو سوق الأدوية المغشوشة وهناك صيدليات كبرى وسلاسل متورطة في ذلك بأسعار خرافية، ولكن الأكيد أن المواطن المصري عند شرائه لأدوية من الشارع فهو يعلم جيدًا وعلى يقين تام بوجود مشكلة بها.

كما نوه إلى أن هناك مشكلة شديدة الخطورة تتمثل في وجود أدوية يُقال عنها مستوردة في كبرى الصيدليات ولكنها مهربة ومغشوشة ويتم إنتاجها تحت بير السلم في مدن الدلتا، كما يوجد هناك جهل آخر لدى بعض المواطنين يعتمد على اعتقاد المريض أن الدواء المستورد أفضل كثيرًا وله فعالية أسرع من المنتج المصري وبالتالي يبحث عنه ليقع في فخ الأدوية المغشوشة، فالمستورد نوعين الأول رسمي ليس هناك أية إشكالية به، والثاني مُهرب ويكون مصدره بير السلم.

وأشار عبد الحميد مجدي، طبيب صيدلي أن الشركات المنتجة للأدوية ترفض استرجاعها مرة أخرى مما يتسبب في وجود عدد كبير من الأدوية منتهية الصلاحية داخل الصيدليات ولا يعرف الصيدلي كيفية التعامل معها خاصة أن هناك عدد كبير من الشباب يعملون كصيادلة وهم دخلاء المهنة والسبب الرئيسي في وجود مشكلات كبرى يتحملها الطبيب الصيدلي، فهناك من يبيعون بالفعل الأدوية لبعض بائعي الأرصفة أو عدد من المندوبين حيث تم تجميع كل نوع على حدة وإعادة تدويرها مرة أخرى مع وضع تاريخ للصلاحية ويتم بيعها سواء على الفضائيات أو الإنترنت والشوارع والمواطنون يقبلون على كل ما يقنعهم بفعالية المنتج وسعره الذي يكاد أن يكون أرخص بكثير ويصل لنصف ثمن الدواء الأصلي أو أقل فهناك أدوية يتم بيعها بمبلغ 20 جنيهًا وهي في الأصل بـ200 جنيه.

ورمى الصيدلي المسئولية كاملة على وزارة الصحة بسبب ارتفاع أسعار بعض الأدوية وعدم إصدار قرار يفيد بسحب الأدوية المنتهية الصلاحية من الأسواق وبالتالي فالخطورة موجودة وتظهر من حين لأخر ويمكن أن تكون منتشرة في كل محافظات مصر بأماكن شعبية معروفة للمواطنين الفقراء.

وأكد مدحت صليب، طبيب صيدلي، أن البائعين الجائلين يفترشون الطرقات في كل مكان ومعظم هذه الأدوية تكون مهربة من الخارج كما أن المواد الخام لها بسعر رخيص، فهناك أماكن يتم فيها تصنيع هذه الأدوية بالشكل المطلوب وبطريقة جذابة ومختلفة عن المنتشر في الأسواق، ومنها أدوية يتم جمعها من صناديق القمامة لتستقر في النهاية على الأرصفة ولكن السعر هو من يتحكم في سوق الدواء سواء كان في الصيدليات أو الشوارع، فالأوضاع الاقتصادية هي التي جعلت من المواطن الفقير غير قادر على شراء الأدوية من الصيدليات أو الكشف في عيادة فيلجأ لشراء ما يجده في طريقه.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً