اعلان

«جيل الوتد».. «أبناء ثورة 1919» يتحدثون لـ «أهل مصر» عن سنوات الحب والحرب والسياسة.. الحاجة رودة بالمنيا: «على زمانَّا العريس كان عليه الحصيرة.. و«العجوز المثقف»: السيسي أنقذ البلد من "الإخوان"

كتب :

كتب: أحمد فتحي ـ إنعام محمد ربيع ـ مروة زنون ـ غادة إبراهيم

تحل غدا السبت الذكرى المائة لقيام ثورة 1919، والتي حدثت يوم 9 مارس، التقت «أهل مصر» بجيل المعمرين، الذين وُلِدوا في بداية فترة ثورة سعد زغلول، حيث لا تزال مصر تضم بين أبنائها قائمة من المعمرين، الذين يقطنون في مناطق مختلفة داخل محافظات الجمهورية، ويحرص الآلاف على متابعة أخبارهم وقصص كفاحهم على مدار قرن من الزمان. «أهل مصر» جوَّلَت في رحلة استكشافية لرصد قصص الكفاح التي رُسِمَتْ على ملامح وجههم، وجسَّدت قرنًا من التحولات في تاريخ مصر، من جيل خارج الحسبان.

◄ تاريخ مصر كما يرويه «أبو سرة» على مصطبة في الصعيد: الملك فاروق كان فاسدًا.. وجمال عبد الناصر قضى على الاستعمار

يعيش محمد محمد إبراهيم، وشهرته «محمد أبو سرة» صاحب الـ100عام مواليد شهر ديسمبر عام 1919، داخل منزله بمركز سمسطا جنوبي غرب محافظة بنى سويف، يُعرف بين الناس بالعجوز المثقف، يمتلك ثقة بالنفس عجيبة، لديه قدر كبير من الذكاء والحكمة، وكأنه شاب صغير يحدثك عن الماضي، وكأنه حدث بالأمس، وعلى الرغم من تقدم العمر به، فذكريات حياته لم ينسَها بعدما بلغ من الكبر عتيًّا.

بدأ محمد إبراهيم حديثه لـ«أهل مصر» قائلاً: إن الأسعار زمان كانت رخيصة عن هذه الأيام، فالمواشي كانت تباع في هذا الوقت بأسعار رخيصة، فمثلاً البقرة كان سعرها 7 جنيهات، وعجل الذبيح بـ 5 جنيهات، ورطل اللحمة بقرشين، وحياتي بدأتها، فلم أدخل المدرسة ولم أتعلم، فأول يوم ذهبت للمدرسة تشاجرت مع ناظر المدرسة، ومن بعدها لم أكمل تعليمي حتى الآن.

وأضاف عم «محمد»: ذهبت إلى القاهرة عام 1935، وكان عمري وقتها 16 عامًا، وفي هذا الزمن كنت أنتظر على المحطة الترماي لأشاهد الإنجليز أكثر من المصريين، وعملت وقتها مع الإنجليز في فك صناديق الذخيرة والدبابات، وكنت أتقاضى 160 قرشًا شهريًّا، ويتقاضى الضابط في الحكومة جنيهين.

ورجع معمر بني سويف بذكرياته للوراء، قائلاً: «الملك فاروق فاسد، وكان بيعمل عمايل ما ترضيش ربنا»، مشيرًا إلى أن «الرئيس جمال عبد الناصر كان رجلاً شجاعًا، جاء ليخلص البلاد من الاستعمار، وحكومته كانت على حق، فكفاية أنه شال الهم عن الشعب وبالذات الفلاحين، وقال وقتها اللي معاه أرض منكم يحافظ عليها، وبنى جمعيات أراضي زراعية، وبنوك زراعية علشان تسلف الفلاحين الفلوس ووزع الأسمدة عليهم».

◄ «العجوز المثقف» في بني سويف: السيسي أنقذ البلد من جماعة الإخوان الإرهابية

وصمت صاحب الـ100عامًا قليلاً للحظات؛ ليلتقط أنفاسه، ثم قال: الإخوان سبب خراب مصر، ونفسى ربنا يهلكهم علشان اللي عملوه فينا، مضيفًا «الإرهاب ما لوش دين ولا عقل، وهما اللي بيقتلوا في الجيش والشرطة، والإخوان كانوا متجمعين في رابعة ومتصلين بناس في الخارج علشان يولعوا البلد من الداخل، والناس اللي من برة يدخلوا يولعوها، والرئيس السيسى اتدخل علشان ينقذ مصر وأهلها من الإرهاب».

وأوضح محمد محمد إبراهيم أنه يتابع أخبار الرئيس عبد الفتاح السيسي وجولاته الخارجية وزيارته للمحافظات وزيارات الرؤساء له، عن طريق شاشات التليفزيون، وأكد «وكل يوم بادعي له إن ربنا يوفقه، وأكيد هانزل أنتخبه لآخر نفس في حياتي لأني باحبه، ونفسى أقبِّله وأسلم عليه، فكفاية إن الفلاحين خدوا نفسهم في عهده، وباقبض 700 جنيه معاش في عهده أحسن من عهد الرئيس حسنى مبارك.. كنت باقبض100 جنيه»، مشيرًا إلى أن الرئيس السيسى ليس له دخل في زيادة الأسعار، فالعيب في التجار اللي عايشين معانا، مختتمًا «كفاية إنه بيحمى الشعب بجهوده».

◄ قصة كفاح «نادية» بالمنوفية: «الدنيا زي المرجيحة وباصوم اتنين وخميس من 81 سنة»

«ربنا يدينا طولة العمر وراحة البال والتقرب إليه».. كلِماتٌ ترددها فادية إبراهيم علي، معمرة بمحافظة المنوفية، والتي تبلغ من العمر 101 عام، فهي مواليد 1918، عاشت قرنًا من الزمان في خدمة أبنائها وتربيتهم على الخلق المستحبة، لم تترك أبناءها قط لمهب الريح، ساهمت بشكل كبير في تربيتهم وتعليمهم الخلق الحسن. أنجبت 7 أبناء: 5 أولاد وبنتين، تزوجوا وأعطوها 28 حفيدًا، تحكي لهم يوميًّا عن قصص كفاحها لتعلمهم الصبر.

تقول نادية « عانيتُ منذ صغري، فأنا تزوجتُ وأنا في سن 14 عامًا، بعد وفاة والدي بـ 3 سنوات،. وأنا الابنة رقم 8 من أصل 9 لوالدي، وفي هذه الفترة حاولتُ بقدر الإمكان العمل مع والدتي لإطعامنا، فكانت والدتي تنزل للأراضيِ الزراعية للعمل بها حتى استطاعت شراء بقرة من ماهيتها، فلم يقف الأمر عند ذلك، فكان علينا إطعامها، حتى نستخلص منها الألبان لصنع السمن البلدي، وكانت والدتي تحمِّلني دائمًا أنا وشقيقتي حليمة الكيلوات من السمن البلدي لبيعها في السوق، حيث كنا نقوم ببيع الرطل بـ 15 قرشًا.

وتضيف «بعد زواجي عملتُ كثيرًا؛ وذلك لأنني تزوجتُ رجلاً من أسرة شبيهة بأسرتنا، فعملتُ كما كانت تعمل والدتي، نقوم بخَضِّ اللبن داخل "القِربَة" لإنتاج السمن، واستطعنا في البداية العيش بهذه الطريقة، خصوصًا وأن زوجي يعمل فلاحًا بالأراضي الزراعية، فبعد وفاته مباشرةً عانيت كثيرًا، ولكن استطعت ببيع الجبن واللبن والسمن البلدي العيش بصورة سليمة».

وتؤكد فادية «تَخرَّجَ أبنائي، فمنهم الطبيب والمهندس، كما أن منهم الفلاح، حيث إنني حرصت على تعليمهم؛ ليُحيوا اسم والدهم بعد وفاته».

«أيام زمان كان في رخاء، والناس بتحب بعضها».. هكذا تابعت «فادية» حديثها قائلة: «كنت بادِّي لأولادي مصاريفهم في الأسبوع.. اللي ياخد قرش صاغ، واللي ياخد شلن للأسبوع، هذا فضلاً عن مصروف المنزل، فهو مخصص لشراء اللحوم حينها. لا أتذكر الثمن وقتها، ولكنه أقل كثيرًا من الآن»، مُعقِّبة «طبعًا دا لازم يحصل. السنين بتكتر والعمر بيكبر، فلازم السعر يكتر».

وتواصل قائلة «في 25 يناير 2011 ولادي كانوا اتجوزوا، ومقيمين في القاهرة، فجاءوا للإقامة معي حينها، والرجوع بعد أن يصبح الجو هادئًا، وبقيت عمالة أقول لهم: ما تنزلوش التحرير.. خليكو جنبي هنا».

«سنين رخاء، وسنين تقشف».. هكذا عبرت فادية عن مصر خلال الـ 100 عام الماضية، مؤكدة «لازم يكون فيه كدا وكدا، ما هو لو ما فيش حاجة وحشة والحياة كلها حلوة، مش هيبقي ليها طعم، لازم زي ما عملنا مع الرئيس عبد الناصر نعمل مع السيسي، ونفضل جنبه، وما نسيبش نفسنا للهلاك».

◄ الحاجه نادية: باحب أغاني «عبد الحليم وأم كلثوم وعبد الوهاب»

وتضحك خلال حديثها لـ«أهل مصر» قائلة «أنا حاسة إني صغيرة في السن مش كبيرة. كل اللي يشوفني يقول لي إنتي لسه شباب، والحمد لله لسه باصوم الاتنين والخميس زي ما اتعودت من أيام ما كان عندي 20 سنة، بس طبعًا مش باكل أكلهم؛ لأني ما باعرفش آكله رغم إن ولادي ركبوا لي طقم أسنان لي؛ لسهولة مضغ الأكل. كنت باحب أسمع الأغاني زمان في الراديو، خاصة السيد درويش. ولما كبرت بدأت أحب أسمع لعبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب».

وفي النهاية أكدت فادية أن الأعمار بيد الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ودعت أن يحفظ الله مصر من كل سوء.

◄ الحاجة «رودة» بالمنيا: «على زمانَّا العريس كان عليه الحصيرة.. والعيشة بـ4 قروش»

ما بين حلو الحياة ومرها قضت الحاجة «رودة محمود»، معمرة المنيا، سنوات عمرها أكثر من مائة عام مضت، جسدت خلالها ملامحها منذ نعومة أظفارها وحتى الكبر، فما بين شباب وشيب عاشت وتعايشت وسط مراحل عمرية مختلفة في رحلة رحَّالة بمفردها.

أكثر من ٣٦ ألفًا و٥٠٠ يوم شكلت ملامح معمرة المنيا الحاجة «رودة»، بدأت بمولدها بين أربعة أشقاء، احتلت خلاله المرتبة الوسطى بمنزل ريفي في أسرة فقيرة، تعايشت معها. بدأت قصة حياتها بعد أن قررت العمل في الأرض الزراعية وجني محصول القطن، الذى كانت تتحصل منه على خمسة قروش، تمنح الخولي المسؤول عن تجميع الفتيات إلى الأرض قرشًا من يومياتها؛ لتعود إلى المنزل وسط فرحة عارمة لامتلاكها أربعة قروش؛ وذلك من أجل العيش بها وأكل لقمة العيش بعرق جبينها الحلال.

تقول الحاجة «رودة»: «منذ صغري أستيقظ في فجر كل صباح، وأحرص على تناول الشاى، وأستعد لكى أذهب إلى الخولي برفقة صديقاتي؛ للعمل بالأراضي الزراعية؛ لجني محصول القطن، وأحصل على خمسة قروش، من بينها قرش يحصل عليه الخولى، ويتبقى لى أربعة قروش، وأعود مسرعة إلى المنزل في نهاية اليوم».

واستكملت حديثها لـ«أهل مصر»: «تزوجت وعمري 14 عامًا، ولم أنجب، واستمر زواجى نحو10 سنوات، قضيتها في الكفاح مع زوجى، ثم توفاه الله، وبعد وفاته بعام، تزوجت مرة ثانية، وكان زوجى الثاني لديه زوجة وأبناء، قبل أن يتزوجنى، قضيت معه 15 عامًا، بعدها توفاه الله، وبعد أن تُوفِّيَ تبرعت بنصيبى في الإرث منه إلى أبناء زوجي الثاني، ثم واصلت كفاحي، وعملت في البقالة، لكننى فوجئت بطردي من المنزل من قبل أبناء زوجى، الذين منحتهم إرثى من أبيهم».

وأوضحت: «لم يعد لى مكان أعيش فيه، ثم رزقنى الله بنجل أحد أشقائى، تَكفَّلَ برعايتى منذ خروجى من منزل زوجي الثانى، وحتى بلغت المائة عام من عمرى. والحمد لله لم أعانِ من أي أمراض منذ طفولتى وحتى الآن».

ولفتت معمرة المنيا إلى أن «السنوات الحالية في مصر سيطر عليها ارتفاع الأسعار في كل شيء، من بينها تكاليف الزواج، وذلك خلاف زماننا، فقد كانت العروس تتزوج بالحصيرة والمرتبة والصندوق، التي يحضرها العريس إن كان من أسرة فقيرة. أما إن كان من عائلة مقتدرة، فعليه إحضار السرير أبو عمدان المصنوع من النحاس بدلاً من المرتبة فقط».

◄ معمرة المنيا: عاصرت فترة حكم الملك فاروق و٧ رؤساء.. والسيسي أفضلهم

وأردفت الحاجة «رودة» أنها عاصرت فترة حكم الملك فاروق، كما عاصرت جميع رؤساء مصر، بداية من الرئيس محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، ومحمد حسنى مبارك، ومحمد مرسى، وعدلي منصور، والرئيس عبد الفتاح السيسي، ولفتت معمرة المنيا إلى أن من أكثر الفترات التى سادها الأمان فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذي كثيرًا ما أحبت خطاباته للمواطنين، مختتمة «وأحرص على الاستماع إليها، وإن أذيعت عدة مرات على شاشات التليفزيون».

◄ قارئ القليوبية: «زمان الحاجة كانت رخيصة، لكن ما فيش فلوس.. وكنا عايشين على الشعير الأسود»

«حياتي كلها للقرآن وتعليم القراءات، ولا أريد شيئًا من الدنيا سوى حسن الخاتمة».. بهذه الكلمات بدأ الشيخ حسنين جبريل ابن القارئ الشيخ محمد جبريل كلامه، حيث يسكن مع نجله الشيخ هشام، ويقوم أبناؤه بخدمة جدهم الذي يبلغ من العمر 91 عامًا، وهو بصحة جيدة وعقل واعٍ.

يقول الشيخ حسنين: «تزوجت في سن الـ21 عامًا، ووالدتي هى التي اختارتها لي، وكانت نعم الزوجة»، مضيفًا «ساعدتني زوجتي كثيرًا في حياتي، واشترينا بيتًا وبنينا بعده عمارة، وتوفيت منذ 10 سنوات، وأعيش الآن في قرية طحوريا مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية»، مشيرًا إلى أنه كان لديه ولد فى كلية أصول الدين، وتوفاه الله أثناء سفره للعراق.

وأوضح أنه حفظ القرآن وعنده 9 سنوات، ثم توفى والده، واضطر للعمل في زراعة الأرض؛ من أجل أن يتعايش منها، مشيرًا إلى أنه كره العمل في الفلاحة؛ لأنها كانت السبب الرئيسي في بعده عن التعليم، مضيفًا «ومع تصميمى وحبى للعلم، توجهت إلى معهد القرآت بطنطا، وتعلمت به علوم القرآن والقراءاتؤ، لافتًا إلى أنه عاصر الحرب العالمية الثانية، وكان هناك خوف شديد عليه من الحرب، لكن اشتياقه للتعليم شجعه على الاستمرار، وكان الدراسة في المعهد سنة واحدة، وحفط المنهج بالكامل، وبعدها تم اختباره، وحصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية، وكرمته المحافظة، وأخذ مكافأة 200 جنيه، وكان وقتها مبلغًا كبيرًا، وتم تعيينه في معهد بلبيس التابع لمحافظة الشرقية، ثم معهد شبين، وحصل على ليسانس شريعة، ثم نُقِل ليعمل مفتشًا بإدارة بنها بمحافظة القليوبية، وبعدها تم تعيينه شيخ مقرأة بالأحراز حتى عام 2012.

وأكد الشيخ حسنين أن «القرآن هو اللي خلانا بنى آدمين وحمانا، حيث تم تعييني موجهًا عامًّا بالأزهر، وكنت أعلم القراءات بليبيا وأمريكا وإيطاليا، ولديَّ مكتبة بها علوم القراءات والعلوم الدينية، ومقرأة تشريعية للقراءات والأحاديث والتجويد، وأقوم بالتدريس لدكاترة»، قائلا: «شغلي كله في القراءات داخل الدولة وخارجها، وأشغل يومي كله بقراءة القرآن».

◄ «الشيخ حسنين» يكتشف «سر المرأة» بعد 90 عامًا: «زمان كانت بتولد في الغيط.. دلوقتي شايلة محمول»

وقال الشيخ حسنين «إننا نعيش الآن أزهى العصور، كنا نرى أيام زمان المواطنين عرايا، ولا يستر جسدهم سوى ملابس بسيطة، وغالبًا تكون متهالكة، ولم نرَ في الجدود ما نراه ونجده الآن. اللي عنده شغل واللي ما عندوش بيلبس كويس، والسيدات كانت تعمل بالحقول، حاليًّا تحمل الموبايل»، مضيفًا «الأول الناس ما كانتش لاقية لقمة العيش، وكانت المرأة تحمل الخضار على رأسها، وكانت تلد فى السوق، وتحمل الطفل فى المقطف»، مشيرًا إلى أنه «زمان الحاجة كانت رخيصة، لكن ما فيش فلوس، والناس كانت بتاكل عويجة (الشعير الأسود)، والفرد كان بيشتغل بقرشين صاغ. أنا عاصرت العهد ده، وكنت شغال بالطنبور، واشتغلت فيه، وكرهت الفلاحة؛ لأنها كانت حائل بينى وبين التعليم، وحاليًا بقت الفِلاحة سهلة، وكله بالحلال».

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً