اعلان

في ذكرى نزار القباني "شاعر المرأة".. نجاة سبب شهرته بـ"أيظنُ".. فقد حبيبته في تفجيرات العراق ورثاها بقصيدة موجعة

نزار القباني "شاعر المرأة"

شاعر المرأة، الحُب، الرومانسية.. جميعها ألقاب باتت تُعرف بشاعر وحيد فقط وهو نزار قباني، أقوى من كتب للمرأة بشكل خاص، غنّى له كِبار النجوم، لتجد كلماته الصائبة طريقها إلى قلوب جميع النساء بلا استثناء.

في وصفه للفتاة الرقيقة الغالية البعيدة عن متناول أي شخص والتي تسكن أحد القصور ذات الأسوار العالية، لم يكُن لأحد أن يتسلقها ليصل لها، هكذا عبّر عنها في قصيدته الشهيرة "قارئة الفنجان" والتي غنّاها العندليب عبد الحليم حافظ لتكون أخر ما غنّى، ولحّنها الموجي على أوتار عوده.

قبل الحديث عن بدايات نزار قباني، لنتعرّف أولاً عن الشاعر المتميز وبيئته، فهو من مواليد 21 مارس عام 1923، وُلد لعائلة دمشقية عريقة، وظل يدرس في كلية السياسة والإقتصاد حتى تخرج وعمل بالسلك الدوبلوماسي وتنقّل بين عواصم العالم المختلفة حتى قدم استقالته.

أسهم في الكثير من الأعمال الشعرية التي خلدها كبار النجوم، وخلال نصف قرن نشر أكثر من 36 ديوان شعر أبرزها طفولة نهد، والرسم بالكلمات، وتنويعات نزارية على مقام العشق، قاموس العاشقين، وسيبقى الحُب سيّدي.

كانت أول قصيدة لنزار قباني سنة 1944 بعنوان "قالت لي السمراء"، وحين تأليفه قصيدته غير المعروفة وقتها "أيظن" كانت نجاة الصغيرة سببًا في شهرتها وشهرة الشاعر نفسه على مستوى العالم العربي، وبكلمات صادقة، وصت نجاة الدافىء جعلت الشرق يرقص طربًا بلحن الموسيقار محمد عبدالوهاب لهذه القصيدة، وفجأة بات شعر نزار ضرورة لازمة، يقبل الصبايا والشبان على شراء دواوينه، ويمضون الساعات الطويلة فى قراءتها.

من أكثر الأحداث التي أثرت على نزار وتجلت في كلماته الموجعة التي رثى بها حبيبته بلقيس، التي توفت إثر إنفجار قوي بالسفارة العراقية في بيروت، ليرثيها في قصيدة "بلقيس" وهي من أقوى قصائد قباني.

علاقته بنجاة الصغيرة

وفي أحد المقابلات القديمة التي أجرتها نجاة الصغيرة مع مجلة الكواكب، قالت الفنانة عن علاقتها بالشاعر الكبير:

"تلقيت رسالة من الشاعر نزار قباني، الذى كانت تربطه علاقة صداقة بين عائلتي وعائلته، لكنها ربما لم تكن علاقة قوية بسبب بعد المكان، وجدت في ظرف الرسالة ورقة جميلة مكتوبًا عليها قصيدة شعرية باللغة العربية الفصحي مطلعها يقول: "أيظن أني لعبة بيديه.. أنا لا أفكر فى الرجوع إليه"، أحسست بعد قراءة الكلمات كاملة، أن هناك كنزًا بين كلمات هذه القصيدة، لكن العثور عليه كان يتطلب صعوبة كبيرة، لكني حقيقة لم أتلق القصيدة بارتياح كبير، لأن مفرداتها صعبة ولم يسبق لي أن غنيت فى تلك الفترة بتلك اللغة، فقدمتها للموسيقار كمال الطويل كي أسأله عنها وعن إمكانية تلحينها، فأجاب مستغرباً: إيه ده.. ومثله فعل الملحن محمد الموجي.

وتضيف نجاة:

"وبالتالي شعرت بأن الموضوع لن يتم، وقررت أن أرسل القصيدة لصديقي الشاعر إسماعيل الحبروك رئيس تحرير جريدة الجمهورية، وصديق نزار لنشرها في جريدة الجمهورية، تكريما لصاحبها الذي أرسلها لي وخصني بها، وبعد نشرها فوجئت بعبد الوهاب يتصل بي ويقرأ لي القصيدة من الصحيفة ويسألني هل هذه القصيدة لك؟ فقلت له نعم، وكان يريد الاستفسار ما إذا كانت القصيـدة قد مرت على أو قرأتها، وسردت له ما جرى، وبعد شهر من هذه المكالمة، نسيت القصيدة وتحرجت من سؤال الأستاذ عنها، وفي أحد الأيام فوجئت بعبدالوهاب يدعوني لزيارته ليسمعني لحن البيت الأول فقط من القصيدة، وخلال أسبوع كان قد انتهى من تلحين الأبيات التسعة الأولى

ثم أمضى فى تلحين البيتين الأخيرين أسبوعين كاملين، ودعاني بعد ذلك لأسمع منه اللحن كاملاً، وسلمني شريطا مسجلا بصوته لأحفظ منه، وأثناء تلحينه للقصيدة فكر في تغيير أكثر من كلمة غير مألوفة فى القصيدة، مثل "زنديه"، و"دربه".

" أيظن أني لعبة بيديه .. أنا لا أفكر فى الرجوع إليه"

تستعيد نجاة أنفاسها الهاربة، وتعيد أول بيت بصوت أوضح ثم تغمض عينيها وتستكمل بقية الأبيات، وتنتهي من المقطع الأول فتبقى عينيها مغمضتين للحظة، ولا تفتحهما إلا على صوت التصفيق الجبار الذى يؤكد لها أن الأغنية ستنجح، فيذهب عنها الخوف، وتعيش الكلمات بكل انفعالاتها، تعاتب، وترجو وتشتاق، ترتعش وتضيئ، والنشوة تهز كل خلية في جسدها، ثم يرقص صوتها فرحا وهى تغني "حتى فساتيني التى أهملتها فرحت به، رقصت على قدميه"، وعند البيت الذى يقول " وبكيت ساعات على كتفيه" تبتل عيونها فعلا بالدموع

وأثناء إذاعة الأغنية أتي نزار براديو ومضى يقلب بالمؤشر علي كل المحطات عله يفلح في العثور علي إذاعة القاهرة، لكنه لم يعثرعليها.

في نفس اللحظة لكن في القاهرة يتصل بعبدالوهاب أحد أصدقائه يقول له:"افتح الراديو يا مجنون، اسمع مجدك بأذنيك"، لكن عبدالوهاب أصر على ألا يسمع إلا في اليوم التالي، وظل طوال الليل إلى جوار التليفون يتلقى تهاني أصدقائه ومعجبيه حتى السادسة صباحًا.

أثناء ذلك كان نزار في بكين يعاني الغربة والحيرة، ويكتب إلى إسماعيل الحبروك خطابا يسأله: " ماذا فعلت نجاة بأغنيتي؟ مزقتها؟ ضيعتها؟ أحرقتها؟ لا أعرف! اسألها واكتب لي، لعلها لم تجد الجرأة لتقدمها إلى الناس، أو لعلها لم تجد الملحن الذى يجرؤ على نظم كلماتها"، يرد عليه إسماعيل يبشره بأن نجاة ستغني قصيدته أخيرًا فى حفلة العيد، وقتها اطمأن قلب نزار، أما عبدالوهاب فقد وضع يده على قلبه!، وقد نصحه بعض أصدقائه، بأن يطلب من نجاة ألا تغني القصيدة فى حفلة عامة فيها ألوان من الغناء الخفيف، لأن الجمهور قد لا يتابعها بالحماسة أو الرضا، ولما حدثها عن مخاوفه، وكانت خائفة أكثر منه، قررت أن تغلب بالاجتهاد خوفه وخوفها

فى ليلة العيد الأحد 27 مارس عام 1960 كان مؤشر الراديو في بيوت الملايين مثبتا على صوت العرب، وقد انتقل الميكرفون إلى إذاعة خارجية من مسرح سينما "ريفولي" حيث قدم عبدالحليم حافظ مجموعة من أغنياته القديمة، وأغنيته الجديدة "جواب"، ثم تقدم صباح مجموعة من أغنياتها المعروفة وتختم فقرتها بأغنيتها الجديدة أيضا "الحلو ليه تقلان قوي".

بينما نجاة فى الكواليس ترتدي فراء أبيض، يرتجف تحته جسدها تنتظر دورها بصبر مع الإذاعي جلال معوض، وفى الصالة ينتظرها أكثر من ألفين وخمسمائة مستمع، بينهم السيدة نهلة القدسي زوجة عبدالوهاب، تجلس في الصف الأول وإلى جوارها مقعد واحد خال، فعبد الوهاب لم يحضر إذًا فهو يخشى سماع ألحانه عند إذاعتها لأول مرة.

أثناء إذاعة الحفل وفى الساعة الثانية عشرة كان عبدالوهاب في بيته يروح ويجيئ، وزوجته فى صالة سينما ريفولي، وأمامها نجاة على المسرح تخطو بحذر وسط التصفيق والهتاف، والجمهور يطالبها بغناء بعض أغنياتها المعروفة، وبعد المقدمة الموسيقية التى بدت لها طويلة يخرج صوتها كتنهيدات خفيفة مترددة

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً