اعلان

مفتي الجمهورية يكشف لـ "أهل مصر" كواليس الحرب على تيارات الدم.. "علام": الخوف من الإسلام تزايد بسبب اليمين المتطرف في الغرب والربيع العربي أحد دوافعه (حوار)

حوار أهل مصر مع مفتي الجمهورية

الرد على الفكر بالفكر، ومحاربة التطرف والتشدد بنشر قيم التسامح بأفكار خارج الصندوق للتعريف بالاتجاهات الصحيحة للدين الإسلامي.. دور أخذته دار الإفتاء على عاتقها في معاركها ضد الإرهاب الأسود والجماعات الدينية المُسيسة، ومع التطور التكنولوجي الكبير الذي نشهده في عصرنا الحالي، كان لزامًا عليها تحديث أسلحتها وآلياتها في هذه الحرب الضروس ضد مليشيات التكفير والتطرف.

فبدأت دار الإفتاء في استحداث وحدات جديدة لم تعهدها المؤسسة من قبل مثل تدشين وحدة للرسوم المتحركة وإطلاق المؤشر العالمي للفتوى، أسرار وتفاصيل عن الدور المحوري لدار الإفتاء في مبادرة تجديد الخطاب كشف عنها الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية في حواره مع «أهل مصر».. وإلى نص الحوار:

حدثنا عن دور دار الإفتاء في تجديد الخطاب الديني ؟

تجديد الخطاب يحتاج إلى تكاتف الجميع على حد سواء، وقضية التجديد ترتبط ارتباط وثيق الصله بتفكيك الفكر المتطرف وكشف ضلاله وفساده لتحصين شبابنا ومجتمعاتنا من شر هؤلاء جميعا، ومن اجل هذا نعمل في دار الإفتاء على عدد من المحاور لاعادة تصحيح المفاهيم، كان اخرها افتتاح وحدة للرسوم المتحركة لاستخدامها في الرد على المتطرفين وتصحيح الأفكار الشاذة، إضافة الى اطلاق المؤشر العالمى للفتوى وهو اول مؤشر من نوعه معنى بتبيان حالة الفتوى في كل دائرة جغرافية وفق أهم وأحدث وسائل التحليل الاستراتيجي والإحصائي؛ للمساهمة في تجديد الفتوى من خلال الوصول إلى مجموعة من الآليات الضابطة للعملية الإفتائية، إلى جانب اطلاق منصة هداية، وتواصل برنامج تدريب الائمة، وجميعها وسائل لتجديد الخطاب الديني.

- تجديد الخطاب الديني أصبح مدخلاً لهدم الدين والتجني علي ثوابت الدين بأنها تحتاج لتنقية.. نريد من فضيلتكم توضيح المعني المنوط به للتجديد؟

هناك بلا شك أناس اختطفوا الخطاب الدين، ورسخوا مفاهيم خاصة بهم لتحقيق أغراض سياسية بدعم جهات خفية وعلنية، وتجديد الخطاب الدينى يعنى أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامى ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الأربعة «الزمان والمكان والأشخاص والأحوال»، بما يحقق مصلحة الإنسان فى زمانه، وفى إطار من منظومة القيم والأخلاق التى دعا إليها ورسخها الإسلام، ومنذ أن أعلنت دار الإفتاء المصرية تبنيها دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للمؤسسات الدينية بتجديد الخطاب الدينى، ومعالجة فوضى الفتاوى الضاربة فى أرجاء العالم الإسلامى، وهى تضع نصب أعينها تنفيذ استراتيجيتها التى حددتها كاستجابة لدعوة الرئيس، وتنفيذ الخطوة تلو الخطوة، وعلى المسارات المتنوعة فى الداخل والخارج، حيث انصرفت أذهان الكثيرين إلى أن التجديد قاصر على الخطاب الديني الدعوي، متجاهلين ضرورةَ أن يكون التجديد في الفتوى هو رأس الحربة التي تنطلق منها دعاوى التجديد، خاصة بعدما أصبحت الفتاوى سلاحًا تستخدمه تيارات الدم والتخريب لشرعنة ممارساتها التي تخدم بها الأجندات الخارجية الممولة.

- هل ترى أن المؤسسات الدينية في مصر نجحت في تكليف الرئيس السيسي في تجديد الخطاب الديني؟

تجديد الخطاب الدينى يحتاج الى تكاتف جميع المؤسسات، والمؤسسات الدينية في الدولة تعمل في تكامل وتناغم مع بعضها البعض في نشر صحيح الدين، وجميعنا نعمل وفق منهج واحد ورسالتنا واحدة هي القضاء على فوضى الفتاوى، وتوصيل رسالة الأزهر الشريف للجميع في الوطن وفي كل بقاع الأرض، والجميع بلا شك يحمل على عاتقة دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى والتفاعل مع قضايا الأمة، بما يعود عليها بالنفع، ويناسب العصر، ويسد الباب أمام الفتاوى المتطرفة والشاذة.

- هل يوجد مشروع قانون تقدمت به دار الإفتاء لمواجهة فوضى الفتاوى.. وكيف واجهت الفوضى في الفترة الأخيرة ؟

دار الإفتاء ليست جهة تشريعية، ولكنها مع كافة الاجراءات والتشريعات التي تقنن الفتوى وتحصرها في أهل التخصص، وبالفعل هناك مشروع قانون تنظيم الفتوى، والقانون سينظم الفتوى في مصر، وعندما يصدر سيتم حل العديد من المشكلات التى تطرأ على الساحة ومن ضمنها تنظيم الفتوى ومن يتصدر للفتوى لمصر كما سيتصدى للمفتين المجهولين، وللمتحدثين غير المعتمدين، وسيشرف الأزهر ودار الإفتاء بشكل مباشر على تنظيم أمور الفتوى بمصر.

هذا فضلا عن اعتمادنا مع الأزهر الشريف لقائمة المفتين الخمسين والتي حدت بشكل كبير من فوضى الفتاوى.

- كيف واجهت الدار الكيانات الإرهابية والفتاوى التكفيرية وأصحاب الآراء المتشددة ؟

الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وفى سبيل ذلك فقد انتهجت دار الإفتاء استراتيجية لتفكيك الفكر المتطرف، اتبعت خلالها عدد من الآليات الحديثة والوسائط المتعددة لإيصال رسالة الدار لكافة الفئات والأعمار في الداخل والخارج كان على رأسها مراكز الدار البحثية، واستحداث وحدة الدراسات الإستراتيجية، التي تنتهج في عملها مجموعة من الأدوات الرصدية، كذلك دشنت الدار مؤخرا مجموعة مشروعات تصب جميعها في صالح تفكيك الفكر المتطرف ورصد الجماعات المتطرفة ومعاقلها وأفكارها.

وكذلك انتهجت الدار بناء شراكات علمية لدعم المنهج الوسطي باعتباره خطَّ الدفاع الأول عن الإسلام الصحيح، هذا فضلا عن الجهد المتعاظم لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، والذي يقوم بمتابعة مقولات التكفير في جميع وسائط التواصل المقروءة والمسموعة والمرئية وعلي شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إيمانا منا بأنه من خلال امتلاك منظومة متكاملة للرصد والمتابعة نستطيع أن نتواصل وتتفاعل ونتعاطى مع الحدث بشكل أفضل وأسرع وأكثر إيجابية، وتتنوع الموضوعات التي تدخل داخل دائرة اهتمام المرصد الإعلامي، وبشكل عام فإن عملية الرصد تتسم بالشمولية والاتساع بشكل مباشر أو غير مباشر، بأمور الفتاوى والآراء الدينية المرتبطة بها في كافة المجالات والموضوعات.

كما يقوم المرصد برصد الظواهر والأسباب المؤدية لنشوء مثل تلك الآراء والفتاوى المتشددة، والسياق الذي يأتي في إطاره، وعلاقته بالأطراف المختلفة في المجتمع. لذا يهتم المرصد بكافة الفتاوى الصادرة عن المؤسسة الدينية المصرية، والحركات والتيارات والفرق الإسلامية المختلفة، كما يقوم المرصد بمتابعة الفتاوى الصادرة عن رجال الدين والأفراد من كافة الاتجاهات والتيارات المختلفة.

- معارك طاحنة خاضتها دار الإفتاء مع جماعة الإخوان الإرهابية الفترة الأخيرة.. حدثنا عن كواليس تلك المعارك؟

قامت اللجان الإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية وأنصارها، بـهجمات إلكترونية ضد صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لدار الإفتاء المصرية، وذلك بعد عدة تدوينات نشرتها الدار عن الجماعة الإرهابية وفضح تطرفها، حيث دعا عبدالرحمن عز القيادي في تنظيم الإخوان الإرهابي، للهجوم على حسابات الدار على "تويتر"، والذي تمثل في كتابة تعليقات مسيئة والسب والقذف للدار والعاملين بها، وإرسال بلاغات لإغلاق صفحات الدار على وسائل التواصل الاجتماعي.

إلا أن أتباع الجماعة الإرهابية لا يستطيعون سوى انتهاج الأساليب القذرة التي لا تغنى ولا تسمن من جوع، وفى سبيل ذلك تحاول الجماعة القضاء على الخصوم والرموز الوطنية الذين يتصدون لمخططاتهم ضد الوطن، وتحاول التدليس في عرض الحقائق.

- لفظ «خوارج» الذي يطلق على جماعة الإخوان.. ما المقصود به؟

"الخوارج" هم أول من استخدم الإرهاب الفكري في وجه مخالفيهم ثم قتالهم ثانية، وتشبههم في الوقت الحالي كثير من الجماعات الدينية المتشددة المعاصرة وعلى رأسها الإخوان، والخوارج قديما هم الذين خرجوا على سيدنا عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ونتج عن خروجهم مقتل سيدنا عثمان، ثم في خلافة على بن أبى طالب، رضي الله عنه، زاد شرهم وانشقوا عليه وكفروه وكفروا الصحابة، لأنهم لم يوافقوهم على مذهبهم، وهم يحكمون على من خالفهم في مذهبهم أنه كافر، فكفّروا صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يوافقوهم على ضلالهم.

أما عن أوجه التشابه بين تلك الجماعات، فهذه الجماعات الإرهابية تتفق فيما بينها على اجتماع الجهل بدين الله، والجرأة على تكفير المسلمين واستباحة دمائهم، وظلم عباد الله، في حين أنها لا ترفع سيفًا ولا تطلق رصاصة في وجه أعداء الأمة الحقيقيين، ما يدعو إلى القول بأن تلك الجماعات ما هي إلا أداة في يد أعداء الأمة يستخدمونها في توجيه سهامهم إلى قلب الأمة.

وجميع هذه الجماعات الإرهابية تنهل من معين واحد وهو فكر الخوارج التكفيري، الذي يعتبر النواة الأولى لجميع الفرق والجماعات الإرهابية التي اتخذت العنف سبيلا للتغيير.

- إنشاء وحدة الرسوم المتحركة.. من صاحب فكرتها وهل حققت مردودها؟

يرجع الفضل في فكرة إنشاء وحدة الرسوم المتحركة للدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، والأمين العالم للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والوحدة جاءت استمرارًا لمجهودات دار الإفتاء المصرية في حربها ضد الفكر المتطرف بكافة الوسائل الحديثة.

وأشادت صحف ومواقع محلية وعربية ووكالات أنباء عالمية بإطلاق الدار لأول وحده للفتاوى الصوتية باستخدام الرسوم المتحركة ووصفها البعض بالخطوة الفريدة، كما ثمن المتابعون لأنشطة الدار، خروج تلك الوحدة للنور في هذا التوقيت الحرج الذي تشهده مصر وعددا من الدول العربية للرد على دعاة الغلو والتطرف بأساليب تقنية تجذب المتابعين لمشاهدتها.

- أشاد الجميع بدور دار الإفتاء المصرية في حادث الدرب الأحمر الإرهابي.. بينما تم انتقاد مؤسسات دينية آخري بم تفسر ذلك؟

لا اعلم لماذا النقد وجميعنا يعمل وفق منظومه وهدف واحد، ودار الإفتاء لم تؤدى سوى واجبها الدينى والوطنى، وواجب الوقت يقتضى منا جميعا التكاتف في مواجهة جماعات الظلام والإرهاب.

كيف ترد على من يقولن أن حملة دار الإفتاء لفضح إرهاب الإخوان "مسيسة"؟

يقول ابن القيم: "لا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتحيز وموافقة الغرض، فيُطيل القول الذي يوافق غرضه وغرض من يُحابيه؛ فيعمل به، ويفتى به، ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر"، وأخطر ما يواجه استقرار المجتمعات اليوم أن تصبح الأفكار والاتجاهات هي التي تقود الفتوى أو تصب في مصالح سياسية، ومن ثم فلا صحة لهذا الزعم المغرض، فعمل دار الإفتاء خالص لوجه الله، وكافة ردود أفعالنا نابعة من منطلق واجبنا الديني والوطني فحسب.

- دار الإفتاء أصدرت فتوى مؤخرا فتوى بشأن تحريم ختان الإناث إلا أنها قوبلت بهجوم شديد من المجتمع .. هل ترى أن هناك أزمة ثقة بين الشعب ودار الإفتاء؟

المسألة لا تمس الثقة من قريب أو بعيد، فالمصريين يقدرون قيمة دار الإفتاء كونها رمزا دينيا معنيا بكافة شؤون المسلمين الدينية والدنيوية، وقضية ختان الإناث ليست قضية دينية تعبدية في أصلها، ولكنها قضية ترجع إلى العادات والتقاليد والموروثات الشعبية، خاصة وأن موضوع الختان قد تغير وأصبحت له مضار كثيرة جسدية ونفسية؛ مما يستوجب معه القول بحرمته والاتفاق على ذلك، دون تفرق للكلمة واختلافٍ لا مبرر له، والدليل على أن الختان ليس أمرًا مفروضًا على المرأة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يختن بناته رضي الله عنهن.

- وعن تعدد الزوجات بدون ضوابط.. كيف تري ذلك.. وما هي ضوابط تعدد الزوجات وفق الشريعة الإسلامية؟

تعدُّد الزوجات كان شائعًا بين العرب قبل الإسلام، وكذلك بين اليهود والفرس، ولا يزال اليهود يبيحونه إلى يومنا هذا، وكان هذا التعدد غير محدود بعدد، والظلم فيه شائعًا، حتى جاء الإسلام بالحدِّ منه، ولم يأتِ بالتعدد ابتداءً كما يظن بعض الناس؛ من ذلك أن غيلان بن سلمة الثقفي رضي الله عنه أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» فتعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية ليس مقصودًا لذاته وليس هو الأصل، وإنما هو مباح بشروطه المسطورة في كتب الفقه، والإسلام جاء ليحد من تعدد الزوجات بالطريقة التي كانت سائدة في هذا العصر عند العرب والفرس والروم، وأن الإسلام لم يوجب على المسلم الزواج من أربع.

- بعد انتشارها في المجتمع.. كيف واجهت "الإفتاء" ظاهرة العنف الأسرى وزيادة نسب الطلاق؟

- قضية الطلاق لا تعد مشكلة اجتماعية وحسب بل هي بمثابة قضية أمن قومي؛ ذلك أن تفكك الأسر المصرية بالطلاق يعني ضخ المزيد من المدمنين والمتطرفين والمتحرشين والفاشلين دراسيا إلى جسد المجتمع لينخر فيه، ومن هذا المنطلق دشنت دار الإفتاء وحدة الإرشاد الأسرى التي تهدف إلى خفض نسب الطلاق في المجتمع، والمحافظة على ترابط الأسر المصرية، وحمايتها من خطر التفكك، وتقديم الدعم لمنخفضي التوافق الزواجي.

- الإحصائيات الرسمية تؤكد أن لدينا 5 مليون ملحد في مصر.. ما هي جهود دار الإفتاء في مواجهة هذه الظاهرة؟

ظاهرة الإلحاد تحتاج إلى علاج، عن طريق مواجهة الفكر بمثله لإزالة الشبهات، ولدينا داخل دار الإفتاء إدارة خاصة للرد على قضايا الإلحاد من خلال باحثين متخصصين للنقاش مع الملحدين بأساليب علمية وعقلية تتناسب مع طريقة تفكيرهم.

كما أننا نعمل من خلال مجموعة آليات لحصار الظاهرة منها ضرورة أن يكون خطابنا الديني أكثر اعتدالا، والعناية بالرسوخ العلمي الذي يناقش تفاصيل القضايا العقدية والفكرية القديمة والمعاصرة، وعدم الانسياق وراء القضايا الهامشية وغير المجدية، فتح المراكز المتخصصة في رصد الأفكار والآراء الفقهية والفتاوى المتشددة والشاذة التي تبث على الانترنت وغيرها من النوافذ الإعلامية، ومعالجتها من خلال اجتماع المتخصصين في المجالات الشرعية والفكرية والعلمية، التشديد على عدم فتح الباب لغير المؤهلين وغير المتخصصين في البرامج الدينية التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، حيث يتعمد غالبيتهم الإساءة في توصيل المعلومة الدينية الصحيحة، وكذلك ضرورة ابتعاد العلماء عن الانخراط في العمل السياسي وخلط الدين بالسياسة، وترسيخ المنهج الوسطى لمواجهة التشدد، وإعادة الملحدين إلى المنظومة مرة ثانية يحتاج إلى جهد كبير وهو ما تقوم به دار الإفتاء الآن من أجل معالجة التشوهات الفكرية التي طالت الشباب المصري عقب حكم جماعة الإخوان، وقد قمنا بمعالجة الكثير من حالات الإلحاد خلال الفترة الماضية.

- ما حكم الدين في المرتد؟

تمثل قضية "قتل المرتد" في الفكر الغربي إشكالية كبيرة، فيظنون أن الإسلام يُكْرِه الناس حتى يتبعوه، ويغفلون عن دستور المسلمين في قضية حرية الاعتقاد التي يمثلها قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾.

ويمكن النظر إلى قضية "قتل المرتد" من زاويتين: الزاوية الأولى: هي النص الشرعي النظري الذي يبيح دم المسلم إذا ترك دينه وفارق الجماعة، والثانية: هي التطبيق التشريعي ومنهج التعامل في قضية المرتد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك خلفائه رضوان الله عليهم.

فأما في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتل عبد الله بن أبي، وقد قال: "لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ"، ولم يقتل ذا الخويصرة التميمي وقد قال له: "اعْدِلْ"، ولم يقتل من قال له: "يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْغَيِّ وَتَسْتَخْلِي بِهِ"، ولم يقتل القائل له: "إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ"، ولم يقتل من قال له -لما حكم للزبير بتقديمه في السقي: "أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ"، وغير هؤلاء ممن كان يبلغه عنهم أذًى له وَتَنَقُّص، وهي ألفاظ يرتد بها قائلها قطعًا؛ لأنها اتهام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بما في ذلك من تكذيب له بأمانته وعدله.

وقد كان في ترك قتل من ذكرت وغيرهم مصالح عظيمة في حياته، وما زالت بعد موته من تأليف الناس وعدم تنفيرهم عنه؛ فإنه لو بلغهم أنه يقتل أصحابه لنفروا، وقد أشار إلى هذا بعينه، وقال لعمر رضي الله عنه لما أشار عليه بقتل عبد الله بن أبي: "لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ".

تعليق فضيلتكم على حادث نيوزلندا وأسباب تضاعف موجات الإسلاموفوبيا في الفترة الأخيرة؟

تضاعفت موجات الإسلاموفوبيا خلال الفترة الأخيرة بشكل مبالغ فيه نظرًا للصورة الإعلامية الغربية المشوهة التي يتم تصديرها عن المسلمين منذ الثمانينيات والتسعينيات، إضافة إلى تنامي تأثير الإسلام السياسي في الفترة نفسها، كما أن الربيع العربي كان علامة فارقة في انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، حيث تم رصد أعمالا معادية للإسلام في أستراليا، وهولندا وبريطانيا، وعند تدفق المهاجرين إلى نيوزلندا، وزادت حدتها في 2018، أما عن حادث نيوزلندا فهذه دولة مثالية مقارنة بأوروبا الغربية المعروفة بمعقل اليمين المتطرف.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً