اعلان
اعلان

رمضان في إيطاليا.. استقدام العلماء تعطشا لمعرفة أمور الدين.. وأداء الشعائر يحتاج إلى تضحيات

اكتظاظ مساجد إيطاليا بالمصلين أثنا رمضان

إيطاليا، دولة تقع جزئيًا في جنوب أوروبا في شبه الجزيرة الإيطالية وأيضًا على أكبر جزيرتين في البحر الأبيض المتوسط: صقلية وسردينيا، وتشترك إيطاليا في الحدود الشمالية الألبية مع فرنسا وسويسرا والنمسا وسلوفينيا، وتغطي الأراضي الإيطالية مساحة 301 ألف و338 كم2، ويسكن البلاد 60 مليون و483 ألف نسمة، وهي سادس دولة من حيث عدد السكان في أوروبا، وتحل في المرتبة 23 بين الدول الأكثر سكانًا في العالم.

رمضان في إيطاليا.. مليون ونصف مسلم يعانون في الشهر الكريم.. وهذه تضحياتهم

اقرأ أيضاً: رمضان في إسبانيا.. محاولات لهز ثقة الصائم في دينه.. واستحضار أمجاد الأندلس

مليون ونصف مسلم

ويقدر عدد المسلمين في إيطاليا بحوالي مليون ونصف أتوا من مناطق مختلفة، أكثرهم من الألبان والمغرب العربي وشرق آسيا وشمال إفريقيا، ويمثل المسلمون نسبة 4% من سكان إيطاليا، وهناك ما يقارب 60 ألف مسلم إيطالي، و450 مسجدًا ما بين الصغير والكبير، أشهرهم مسجد ميلانو الرحمن، ومسجد روما الكبير.

اندماج سلبي مع المجتمع

وعرفت إيطاليا الإسلام من خلال البعثات الدراسية في أوائل الستينيات، وتأسس أول اتحاد طلابي إسلامي في مدينة بيروجا عام 1971م؛ لذا يعتبر الإسلام حديثًا في إيطاليا، وهذا انعكس على أوضاع المسلمين في إيطاليا، فهي غير مستقرة، وتعاني من مشاكل في التربية وخاصة الجيل الثاني والثالث، ودخولهم في ثقافات مختلفة، واندماجهم السلبي مع المجتمع الذي يعيشون فيه؛ مما دفع الهيئات الإسلامية لإنشاء وتأسيس جمعيات الشباب المسلم والكشافة الإسلامية لإخراج جيل قادر على الاندماج الإيجابي والتفاعل مع المجتمع، ويكون قادرًا على تحمُّل المسؤولية.

اقرأ أيضاً: رمضان في المكسيك.. الأجواء الرمضانية تغيب في بلد الجريمة.. ومشقة في حضور الأنشطة الإسلامية

تصادم حضاري

ولذلك، وفي خضم التيار الجارف نحو الحياة المادية الأوروبية، يخشى كثير من المسلمين، أن تؤثر سمات الحياة هناك على معتقدات ومبادئ فلذات أكبادهم، وتمثل مشاعر الآباء هذه هاجس يومي، ينمو بين الحين والآخر، حين تتعرض الأسرة المسلمة لموقف تصادمي بين حضارتين مختلفتين .

مخزون عقائدي

ولكن خطط أولياء الأمور الدائمة، التي تدور حول تذكير أطفالهم، بكونهم يعيشون في بلد ليس إسلامي، وأن ذلك لا يعني مطلقا التخلى عن إسلامهم، أو تبديل عاداتهم وتقاليدهم بعادات وتقاليد الشعوب الغربية، تتوج بالنجاح في شهر رمضان المبارك، حيث يمثل هدفا استراتيجيا لأرباب الأسر، الذين يحرصون على اصطحاب أولادهم معهم الى دور العبادة، في درس حي أمام عيني الطفل، الأوروبي المولد، الإسلامي الدين، فيشاهد الصغير، الأخوة المسلمين يتصافحون ويتعانقون، والبسمة لا تغادر محياهم، والجو التسامحي والتكاتفي الذي يسود تلك المراكز الإسلامية، حيث يتعاون الجميع في إقامة شعائر الله، وهذا في مجمله يمثل مخزونا عقائديا هاما في ذاكرة الطفل.

رمضان بين إيطاليا والعالم العربي

ورغم الانفتاح اللامحدود في الحضارة الغربية الحديثة، إلا أنه قوبل بردة فعل عكسية من جانب الجاليات الإسلامية في أوروبا، التي واجهت الانفتاح بالتزامها في تطبيق الدين، وعلي العكس من ذلك نجد الدول العربية التي تحاول تقليد هذا الانفتاح حتى في شهر رمضان المبارك.

حيث أنه في الوقت الذي تنتشر في بعض بلدان العالم العربي مظاهر الخيم الرمضانية، ومايصاحب ذلك من موائد بذخ وغناء حتى ساعات الفجر، نجد المسلمين في إيطاليا، ملتزمون بالفرائض والسنن في هذا الشهر الفضيل.

على صعيد آخر، يتميز شهر رمضان بطقوسه وعاداته وتقاليده التي تتباين من مجتمع مسلم لآخر، مع الاحتفاظ بعامل مشترك بين كل المسلمين في شتى البقاع، وهو الجانب الروحي والإيماني، وصلاة الجماعة والتراويح.

دعوة العلماء من البلاد العربية

والمسلمون في إيطاليا في شهر رمضان يستعدون لهذا الضيف الكريم قبل قدومه بفترة، حيث تقوم بعض الهيئات والمراكز والجمعيات الإسلامية بدعوة علماء وشيوخ من مختلف البلدان العربية لإحياء هذا الشهر الكريم، وتوجيه النصح والإرشاد لأبناء الجالية، الذين ينتظرون قدوم هذا الشهر، وقدوم الأئمة؛ لتعطشهم لمعرفة أمور دينهم.

ويكون ذلك تحديدا في المدن التي يتجمع فيها أعداد كبيرة من المسلمين، من مثل روما، ميلانو، باليرمو، انكونا، بيرجمو، بريشه، تورينو وجنوه، حيث تحرص المراكز الإسلامية على إقامة شعائر رمضان كاملة، فنجد المحاضرات الدينية، من بعد صلاة العصر، والإفطار الجماعي، ودروس تجويد القرآن الكريم، بالإضافة إلى دروس لغة عربية، مخصصة لأبناء الجيل الثاني من المهاجرين، وهناك بعض المساجد التي تقوم باحتضان عائلي للأسر المسلمة يومي السبت والأحد، حيث تكون العطلة الأسبوعية، فيلتقون الأطفال، ويتدارسون القرآن، فنجد الأفريقي بجوار الأسيوي وبجانبهم العربي والغربي المسلم، و تتنوع أطباق الطعام من القارات الست مجتمعة داخل حلقات الإفطار.

كلفة استقدام العلماء

وهنا يجدر التذكير بأن دعوة علماء المسلمين تفوق ميزانية الجالية التي تعتمد مصروفاتها من صدقات أفراد الجالية وزكاة أموالهم، وهي بسيطة نسبيا نظرا لأن معظم الأفراد هم عمال محدودي الدخل، ولكن هناك دول كالمغرب ومصر تتكفل بإرسال بعض شيوخها خلال هذا الشهر، غير أن الحاجة لعلماء المسلمين أكثر بكثير مما يقدم، ففي حين تتجاوز عدد مراكز العبادة بين مصلى ومسجد وجمعية إسلامية السبعمائة، لا يتوفر أكثر من مائة شخصية دينية من قراء ودعاة، يسعى اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا إلى استضافتهم في أماكن عبادة مختلفة، حيث تلتزم الجهة المضيفة التكفل بنفقات إقامته كل على حسب إمكانياته.

برامج خاصة برمضان

وتقوم أيضًا الهيئات الإسلامية بالتجهيز لمتطلبات موائد الإفطار وإعداد البرامج الدينية الخاصة بهذا الشهر، وطبع إمساكية شهر رمضان قبل قدوم الشهر وتوزيعها.

كذلك تستعد المحلات التجارية ومحلات الجزارة لهذا الشهر الكريم بجلب الحلوى والبلح لبيعها للصائمين في شهر رمضان، وتجد بعض المحلات تتزين بفوانيس رمضان وتبيعها؛ مما يدخل البهجة والسرور على الأطفال والكبار.

تأجير أماكن للصلاة

وشهر رمضان في إيطاليا مثله مثل بقية الدول الإسلامية فيه نفحات وروحانيات وإقبال على صلاة التراويح، وفيه يزداد عدد المصلين عن أي شهر آخر؛ مما يدفع كثيرًا من المساجد إلى تأجير أماكن تتسع لهذه الأعداد الكبيرة.

كما تحرص كل جالية من الجاليات الإسلامية هناك على صنع ما اعتادته من الطعام في بلادها؛ إحياء لذكرى تلك البلاد، وتذكيرًا بالأهل والأحباب، يضاف إلى ما تقدم صنع بعض أنواع الحلوى التي يرغب الناس في تناولها في أيام الصيام؛ كالقطايف والكنافة ونحوهما من أنواع الحلوى التي تعرفها وتشتهر بها بلاد المسلمين.

إفطار جماعي

ويُعد الإفطار الجماعي بين الجاليات الإسلامية في بلاد الغربة ملمحًا بارزًا في هذا الشهر الكريم؛ إذ يحرص المسلمون هناك في هذه المناسبة على الالتقاء والتعارف لتوطيد العلاقات الأخوية بينهم، واستماع بعضهم لهموم بعض ومشكلاته، ومد يد المساعدة لمن يحتاجها.

حرص على التبرع

وفي هذا الشهر الكريم نجد مسلمي إيطاليا أكثر حرصًا على التبرع من أي شهر آخر، وخاصة عندما يعرفون أن هذه التبرعات تذهب إلى إخوانهم في بلاد أخرى عن طريق المؤسسات الخيرية الموجودة في إيطاليا، وهما الإغاثة الإسلامية وجمعية مناصرة فلسطين، حيث تجمع زكاة الفطر وزكاة المال وتبرعات أخرى.

استعداد خاص لـ ليلة القدر

وتحتفل المراكز الإسلامية والمساجد بليلة القدر، وتستعد لها استعدادًا خاصًّا بها، حيث تقوم بدعوة مَن هم ذو صوت حسن في هذه الليلة التي يكثر عدد المصلين فيها عن باقي أيام الشهر، وأغلب المسلمين هنا في هذه الليلة يفطرون معًا، ويتسحرون ويقيمون الليل ويصلون الفجر، ويعتبرون هذا اليوم عطلة.

الدعوة إلى الإفطار

إن ليالي شهر رمضان مهما نحكي عنها أو نصفها في إيطاليا هي تختلف عن بلادنا، لكن السمة والميزة التي نحس بها ونجدها قليلة في بلادنا، هو أنك تجد أن أغلب الأسر المسلمة هناك يوميًّا، إما داعية إلى إفطار أو مدعوة.

تعاون حكومي

وفي هذا الشهر الكريم تجد تعاونًا من الجهات الحكومية في كل مقاطعة، فهناك من يقدمون خيامًا لإقامة صلاة التراويح، وهناك من يساعد في تقديم بعض ما يختص بالإفطار، وأغلبهم يأتون ليقضوا يومًا مع أبناء الجالية ويشاركونهم الإفطار.

"الباب المفتوح"

وهناك بعض المراكز الإسلامية تخصص يومًا يستقبلون فيه الإيطاليين من كل الطبقات والفئات، ودعوتهم للإفطار، والتحدث معهم، ويجيبون على أسئلتهم، وذلك فيما يُسمى بالباب المفتوح.

إغلاق الشوارع أثناء التراويح

وفي بعض مناطق إيطاليا تغلق الشوارع طوال شهر رمضان؛ حتى يتمكن المسلمون من أداء صلوات التراويح، وتنقل بعض الصحف والقنوات فعاليات صلاة التراويح في بعض الأماكن، مما يجعلها فرصة لإطلاع الشعب الإيطالي على هذا الجزء من شعائر المسلمين وحياتهم والسماح لهم أكثر بالتعرف على الدين الإسلامي والمسلمين من قرب.

التزام مزدوج 

وعلى غرار مسلمي العالم الذين يقيمون خارج الدائرة الإسلامية، يجد مسلمو إيطاليا من أصل أجنبي أنفسهم خلال شهر رمضان الفضيل أمام التزام مزدوج يتمثل في تدبير الإكراهات التي يمليها عليها مقامهم في بلد الاستقبال، وفي طموحهم المشروع في ممارسة شعائرهم الدينية خلال شهر الرحمة والغفران، ويجد المسلمون بإيطاليا أنفسهم مجبرين أحيانا على تقديم تضحيات إضافية من أجل أداء شعائرهم الدينية مع الالتزام بالقواعد التي يضعها مشغلوهم والحفاظ على المستوى المعهود ذاته من الحذر والإنتاجية في العمل.

ويضطر البعض إلى تناول وجبة الإفطار في مكان العمل إذا كان يسمح لهم بذلك، أو الانتظار إلى حين مغادرة العمل من أجل الإفطار.

يومية لأوقات الصلاة والصوم

ولا يمكن لمسلمي إيطاليا، الذين يقدر عددهم بـ 1.5 مليون نسمة، الاعتماد على الأذان لأداء الصلوات الخمس، فبدون الإقامة على مقربة من أحد المساجد لا توجد إلا ثلاثة مساجد كبرى على التراب الإيطالي في كل من روما وميلانو وكاتانيا "صقلية" أو بأحد المقار العديدة التي جهزت من أجل أداء الصلاة يسعى المسلم غالبا إلى التزود بيومية لأوقات الصلاة تطبعها المساجد الكبرى أو الاعتماد على الإنترنت في معرفة أوقات الصلاة وبدء واختتام ساعات الصوم.

وفي روما، المدينة الكوسموبوليتية، حيث يقيم حوالي 400 ألف مسلم، لا يطرح المشكل بهذه الحدة، فيومية الصلوات الخمس التي يطبعها المركز الثقافي الإسلامي متوفرة نسبيا.

وعلاوة على توزيع هذه اليوميات بالمركز، فإنها متوفرة بالمراكز التجارية التي يسيرها مسلمون خاصة محال الجزارة "حلال" التي يسيرها، في الغالب، مصريون والمحال التي يتاجر فيها مسلمون من الجالية الأسيوية، كثيرة العدد، في اللباس والسلع الأخرى.

ومهما يكن من أمر، فإن المسلم بإيطاليا، المتشبث بدينه من جهة وبالتزاماته إزاء بلد الاستقبال من جهة أخرى، يستقبل بخشوع شهر رمضان الكريم، شهر التوبة والغفران ولكن أيضا شهر الجد والعمل.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً