اعلان

عندما فكر إبراهيم عليه السلام

هل خلق الله الإنسان تابعًا أم مفكرًا؟ لماذا كان أول تكليف إلهى للبشرية فى كتاب الله «اقرأ» إذا كان العلم والمعرفة والتحليل مقصورًا على أفراد بأعينهم؟

كيف تقدس أمة «اقرأ» الأشخاص أكثر من تقديسها للأديان السماوية؟ فما إن يُفتَح نقاش فى موضوع فقهى، حتى نجد الأبصار شاخصة والعقول متحجرة، ويلطمنا رد «هذا ما وجدنا عليه آباءنا».. رغم أن القرآن عاب على أهل الشرك بأنهم كانوا يرددون مثل هذه المقولة، وأمرنا بالتفكر والتدبر؟

وهو ما فعله علماء الأمة وفقهاؤها فى سالف العهد، فلم يُقصِّر فى الدراسة والجمع والتحليل والتفكير، حتى أخرجوا إلينا مكتبة هائلة في التراث الإسلامى فيها الجيد وفيها ما يجب أن يعاد النظر فيما جاء به.

لماذا ينكر علينا البعض فى زماننا التدبر والتفكر وإعادة الفهم والتحليل؟ كيف نكون فى عصر وصل العلم وفق المنهج البحثى فيه إلى منتهاه، ونرفض إعمال العقل وإعادة دراسة وفهم ما قدمه لنا من سبقونا من علماء؟

علماء اجتهدوا، رغم صعوبة التواصل بينهم ومشقة السفر والتلاقي، ومع ذلك أنتجوا لنا نتاجًا ضخمًا من العلم والاجتهاد، فلماذا نغلق الآن باب الاجتهاد والمفاضلة مع سهولة ويسر الوسائل التى جعلت كل شيء في ملتقى أيدينا بسرعة رهيبة؟

ومع ذلك هم بشر أخطؤوا وأصابوا، وليسوا منزلين، وليسوا أنبياء يوحى إليهم. فما العيب فى إعادة النظر فيما فسروا؟

النصوص القرآنية مقدسة، إنما لا يجب مطلقًا تقديس المفسرين لها.. شتان ما بين كتاب الله وكتاب بشرى، أيًّا كان من قام عليه.. شتان ما بين عمل إلهي وعمل بشرى. النصوص ثابتة لا جدال فيها، ولكن ما يجب أن يعاد فيه النظر تفسيرات تلك النصوص؛ لأنها تفسيرات بشرية، فلا يوجد أى نوع من التعدى على ثبات النصوص وقدسيتها.

وحيث زاد البعد عن صحيح الدين وما أنزله الله لينظم به حياة البشرية، وأصبح التحايل على الأحكام الشرعية التى تنظم العلاقة الأسرية -من المجتمع - نذير خطر؛ ظهرت حاجة ملحة لتنظيم الكثير من الفتاوى المشبوهة التى ساهمت فى تفكك الأسرة والمجتمع، والفهم الخاطئ لأمور وتفسيرات القرآن الكريم، الذى هو من المستحيل أن يكون جاء إلا لخير البشرية.

ونقف هنا عند عدد من القضايا التى باتت تعصف بالمجتمع، مثل قضايا الطلاق المعلق، وقضايا النفقة، وقضايا إثبات الطلاق، وقضايا ضرب الزوجات.. مثل تلك الأمور تمثل خطرًا استشرى فى المجتمع؛ لتحايل ضعاف النفوس على الشرع وقوانينه التى تنظم طبيعة تلك العلاقات.

فأبدًا لم يقر الشرع أن تكون المرأة معلقة، لا تدرى هل هى مطلقة أو متزوجة؛ لعدم موافقة الزوج على استخراج قسيمة الطلاق، والتى قد يستغرق إثباتها أمام المحاكم أعوامًا كثيرة، فهل يفطن المشرع هنا كيف تقضى المرأة تلك السنين بدون عائل لها يكفلها؟ والكثير من القضايا الأخرى التى تحتاج لمجلدات لا مقالات لمناقشتها.

ومن الخطر أن نترك تلك الأمور تعبث فى المجتمع بدون علاج صارم. فكما اجتهد علماؤنا الأفاضل فى سابق زمانهم لحل قضايا أمتهم وقتها، أصبح لزامًا على علمائنا اليوم أن يجتهدوا ويجدوا لنا من صحيح ديننا ما نحل به أمور دنيانا، وأن يراجعوا الكثير من التفسيرات، ويتقبلوا اجتهاد المجتهدين، ولا يغلقوا الأبواب على الفكر والتجديد، فيفتحوا باب الإلحاد على مصراعيه؛ فالإنسان إذا لم يجد فى دينه ما يقيم حياته، ويجعلها سوية وكريمة، فسوف ينكر كل شيء.

وعلى مؤسسات الدولة أن تتكاتف وتتلاقى على ضرورة التغيير، التغيير العاقل المستنير، المبنى على أساليب علمية وفقهية.

التغيير قادم لا محالة، ومن يقف أمامه كأنما يقف أمام سنة الكون؛ فهى تصرع بقوة كل من ينازعها.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً