اعلان

أمريكا تنهي معاهدة صواريخ الحرب الباردة وسط مخاوف من اندلاع سباق تسلح جديد.. واشنطن تواجه خطرا أكثر فتكا من روسيا

يقول مسؤولو إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى قيدت أيديهم في تعاملهم مع الصين وأن روسيا لم تمتثل لها.

وذلك تعليقا على قرار الولايات المتحدة اليوم الجمعة الخروج من معاهدة رئيسية من المعاهدات التي أنذرت بنهاية الحرب الباردة بين القوتين العظمتين، وهي اتفاقية الحد من الصواريخ النووية متوسطة المدى، وتخطط أمريكا بالفعل للبدء في اختبار فئة جديدة من الصواريخ في وقت لاحق من هذا الصيف.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز الأمريكية على موقعها الإلكتروني، فإن انهيار هذه الاتفاقية أثار مخاوف من حدوث سباق تسلح جديد.

وذكر التقرير أنه ومع ذلك فمن غير المحتمل أن يكون الغرض من نشر الصواريخ الجديدة هو لمواجهة روسيا، القوة النووية الأخرى للمعاهدة، التي قالت الولايات المتحدة منذ سنوات إنها تنتهك الاتفاقية. ولكن من المحتمل أن يكون الهدف من عمليات النشر الأولى هو مواجهة الصين، التي جمّعت ترسانة صاروخية صارمة، وهي تعتبر الآن منافسًا استراتيجيًا طويل المدى لأمريكا أكثر خطورة من روسيا.

أثارت تحركات واشنطن قلقًا من أن أمريكا ربما تكون على حافة سباق تسلح جديد، خاصة وأن المعاهدة الرئيسية الوحيدة المتبقية للحد من الأسلحة مع روسيا، والتي هي أكثر أهمية بكثير من معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة المدى، وتسمى "ستارت الجديدة"، من غير المرجح أن يتم تجديدها عندما تنتهي صلاحيتها خلال أقل من عامين.

وفي وقت تتزايد فيه احتمالية حدوث مواجهات نووية مع كوريا الشمالية وإيران، أثار القرار الأمريكي بالتخلي عن المعاهدة، التي استمرت 32 عامًا، مخاوف جديدة في أوروبا وآسيا، وتحذيرات من شأنها أن تعكس حقبة بدت في يوم من الأيام مبعثرة في كتب التاريخ. وكان تجدد الجغرافيا السياسية النووية واضحًا في النقاش الديمقراطي الأمريكي مساء الثلاثاء الماضي، عندما تصارع المرشحون للرئاسة الأمريكية حول ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تتخلى عن المبادرة باستخدام الأسلحة النووية في أي صراع في المستقبل.

كتب "إرنست مونيز"، وزير الطاقة الأمريكي السابق، و"سام نون"، السناتور السابق في ولاية جورجيا الأمريكية، الذي ساعد في صياغة التشريعات التي ساهمت في التخفيض الهائل في القوات النووية السوفيتية السابقة، في مقال نشر في مجلة "فورين أفيرز" بعنوان "العودة إلى يوم القيامة": "إن الولايات المتحدة وروسيا الآن في حالة من عدم الاستقرار الاستراتيجي"، مضيفاً "لم يكن خطر المواجهة الأمريكية الروسية التي تنطوي على استخدام الأسلحة النووية مرتفعًا خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، كما هو عليه اليوم. لكن على عكس الحرب الباردة، يبدو أن عيون الطرفين عمياء عن الخطر".

ووفقاً للتقرير، فإن البعض الآخر أقل قلقًا بشأن الآثار المترتبة على روسيا، مشيرين إلى أن المعاهدة محدودة، ولا تغطي سوى فئة ضيقة من الصواريخ.

كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما نظر في إنهاء المعاهدة عندما اتهم موسكو لأول مرة بانتهاك شروطها. وأمس الخميس، وبينما كان مساعدوه يؤكدون الانسحاب الأمريكي ويلومون روسيا على انهيار المعاهدة، أخبر الرئيس ترامب المراسلين أن روسيا "ترغب في القيام بشيء ما بشأن معاهدة نووية"، وأضاف لاحقًا "لذلك أود أنا الآخر فعل شيئ".

لكن يبدو أن ترامب سيتفاوض بشأن معاهدة أوسع تشمل الصين - التي قالت إنها ليست لديها نية للتفاوض على الحد من ترسانتها، وفقاً لتقرير الصحيفة الأمريكية.

في الواقع، قالت الإدارة الأمريكية إن الصين هي أحد الأسباب وراء قرار تراب الخروج من اتفاقية الصواريخ. حيث يقدر معظم الخبراء الآن أن الصين لديها أكثر ترسانة صواريخ تقليدية تطوراً في العالم، ومقرها في جميع أنحاء البر الرئيسي للصين. وعندما دخلت معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة المدى حيز التنفيذ في عام 1987، كان ينظر إلى أسطول الصواريخ الصيني على أنه بدائي، لدرجة أنه لم يكن حتى يؤخذ بعين الاعتبار. وذلك حسبما ورد في تقرير "نيويورك تايمز".

وبحسب التقرير، توجد اليوم مئات الصواريخ في جنوب شرق الصين ضمن دولة تايوان، تلك الجزيرة الديمقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي والتي تدعمها الولايات المتحدة. ويمكن للصواريخ في مواقع أخرى أن تضرب اليابان والهند، وهناك صواريخ صينية يمكنها ضرب أراضي الولايات المتحدة، على سبيل المثال جزيرة "جوام" الأمريكية الواقعة غرب المحيط الهادئ، والتي يوجد بها قاعدة جوية وبحرية حيوية، وغيرها من الأهداف المحتملة فيما يسميه الاستراتيجيون الأمريكيون سلسلة الجزر الثانية.

قال أندرو إريكسون، أستاذ استراتيجية الحرب في كلية الحرب البحرية بالولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لـ"نيويورك تايمز": "إن التقييد أحادي الجانب الذي فرض على أمريكا فقط كان اقتراحًا خاسرًا، حيث طورت الصين أكبر قوة صواريخ في العالم، على وجه التحديد داخل النطاقات التي حددتها اتفاقية الحد من الصواريخ، لذا، فإن هذه المعاهدة التي أصبحت قديمة العهد بشكل متزايد ليس لها مستقبل".

ووفقاً لتقرير الصحيفة الأمريكية، فإنه حتى الآن، توقفت إدارة ترامب عن اختبار صواريخ جديدة تنتهك المعاهدة؛ وذلك بموجب شروطها، فحتى الاختبار محظور. لكن هذه القيود تم رفعها اليوم الجمعة، ومن المرجح أن يبدأ أول اختبار للصواريخ الأمريكية متوسطة المدى الجديدة في غضون أسابيع، وذلك وفقًا لمسؤولين أمريكيين مطلعين على خطط وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون".

الاختبار الأول، ربما في وقت مبكر من هذا الشهر، من المتوقع أن يكون بمثابة اختبار لنسخة من صاروخ كروز مشترك يتم إطلاقه من البحر، وهو طراز "توماهوك". وسيتم تعديله ليتم إطلاقه من الأرض. (كانت المعاهدة تحظر الصواريخ المتوسطة المدى التي تطلق من الأرض، بخلاف الصواريخ التي تطلق من السفن أو الطائرات). يقول المسؤولون الأمريكيون إنه إذا نجح هذا الاختبار، يمكن نشر أول صاروخ كروز يطلق من الأرض في غضون 18 شهرًا أو نحو ذلك - وذلك حال تمكنت الولايات المتحدة من العثور على دولة مستعدة لإيوائهم. بحسب التقرير.

وسيتبع ذلك اختبار لصاروخ باليستي جديد يطلق من الأرض يتراوح مداه بين 1800 و2500 ميل، قبل نهاية العام. لكن هذا سيكون صاروخًا جديدًا تمامًا، ومن غير المحتمل أن يتم نشره لمدة خمس سنوات أخرى أو نحو ذلك - فهذا يعني أنه سيستمر حتى نهاية فترة رئاسة ترامب، إذا تم إعادة انتخابه.

وتساءل تقرير الصحيفة الأمريكية بشأن مكان نشر هذه الصواريخ. قال "جاري سامور"، مدير مركز "كراون" لدراسات الشرق الأوسط بجامعة برانديز الأمريكية وكبير الخبراء النوويين الاستراتيجيين في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما: "لا أعتقد أن الأوروبيين يريدون استضافتهم". وفي آسيا، أشار إلى أن الدولتين اللتين سيكون من المنطقي نشر هذه الصواريخ فيهما هما اليابان وكوريا الجنوبية، على الرغم من أن أي تحرك لوضع الصواريخ هناك قد يثير غضب الصين.

وقالت "بوني جلاسر"، كبيرة المستشارين بشأن قارة آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي: "السؤال الحقيقي هو أين، وما إذا كان هناك رد فعل أم لا"، مضيفةً "المكان الأكثر وضوحًا هو مكان ما في اليابان".

وأشار "سامور" إلى أن مصير معاهدة "نيو ستارت"، التي تحكم الأسلحة الاستراتيجية التي نشرتها الولايات المتحدة وروسيا، "أهم بكثير من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى"، وقد وافقه كبار المسؤولين العسكريين، لكنهم أضافوا أنه بمجرد انهيار معاهدة الصواريخ متوسطة المدى، فمن الصعب تخيل مفاوضات لتجديد معاهدة "ستارت الجديدة"، والتي تنتهي في فبراير 2021، مباشرة بعد تنصيب الرئيس الأمريكي المقبل.

ولكن "سامور" أشار إلى أنه حتى إذا تم تجديدها، ففي السنوات المقبلة، قد لا تكون الأسلحة النووية هي مصدر عدم الاستقرار الاستراتيجي فحسب، بل أيضًا "الأسلحة الفضائية والذكاء الاصطناعي والفضاء الإلكتروني - والتي ليس لدينا أي قيود بشأنها".

ووفقا لـ"نيويورك تايمز"، فإن القوى الصاروخية الصينية هي التي أثارت انتباه البنتاجون وإدارة ترامب. ففي عام 2017، قال الأدميرال "هاري هاريس جونيور"، قائد قيادة الولايات المتحدة في المحيط الهادئ، في شهادة أمام الكونجرس إن قوة الصواريخ لجيش التحرير الشعبي الصيني تتحكم في "أكبر قوة صاروخية وأكثرها تنوعًا في العالم، مشيراً إلى أن قدرة الولايات المتحدة تخلفت بسبب انضمامها إلى المعاهدة مع روسيا، وأنه إذا كانت الصين من الدول الموقعة، فإن 95 في المئة من صواريخها ستكون منتهكة لبنود الاتفاقية.

ويقول المسؤولون الأمريكيون إن نشر قوة مضادة في تايوان سيكون استفزازياً للغاية، وربما يكون لدى اليابان ترددات، حيث سيتعين على رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" التفكير في الضربة التي ستنجم عن العلاقات بين بكين وطوكيو، تلك العلاقات التي تحسنت في الآونة الأخيرة.

وأشار التقرير إلى أنه من المحتمل أن يكون غضب الصين من نشر صواريخ أرضية أمريكية في دولة آسيوية أكبر من رد فعلها في عامي 2016 و 2017 على خلفية خطط أمريكية لتثبيت نظام مضاد للصواريخ في كوريا الجنوبية.

ولأكثر من عام بعد إعلان نشر هذه الصواريخ، شجبت بكين هذه الخطوة ودعت إلى مقاطعة واسعة لمنتجات كوريا الجنوبية، التي عانت شركاتها بعد ذلك. ومع ذلك بدأ الأمريكيون في نشر النظام الصاروخي، المعروف باسم THAAD، في مارس 2017، ولم تتساهل بكين في إجراءاتها ضد كوريا الجنوبية حتى شهر أكتوبر. حيث انتاب قادة الحزب الشيوعي الصيني الخوف من أن الولايات المتحدة تضع الأسس لنظام مضاد للصواريخ واسع الانتشار عبر آسيا.

كما رفض المسؤولون الصينيون أي محاولة للحد من صواريخهم بمعاهدة جديدة، بحجة أن الترسانات النووية للولايات المتحدة وروسيا أكبر حجماً وأكثر فتكاً.

واختتم "سامور": "إن فكرة ترامب بشأن اتفاق ثلاثي للحد من الأسلحة ليست واقعية، فالصينيون لن يقوموا بتدوين عدد أقل من الأسلحة مقارنة بالولايات المتحدة وروسيا. وفي نفس الوقت فإن روسيا والولايات المتحدة لن تمنح الصين مكانة متساوية".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً