اعلان

الحرب التجارية بين أمريكا والصين.. التأثير التخريبي ينتقل بها إلى مرحلة "صراع الخنادق"

عندما وافق الرئيسان، الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينج، في اجتماعهما بمدينة أوساكا اليابانية على هامش قمة مجموعة العشرين، على استئناف المحادثات التجارية، أدرك المراقبون المخضرمون أن ذلك لا يعدو أن يكون بمثابة هدنة هشة في أحسن أحواله. لكن حتى هؤلاء المراقبون كانوا غاضبين من تغريدة الرئيس الأمريكي في الأول من أغسطس الجاري، والتي أعلن خلالها عن فرض تعريفات جمركية جديدة على كل المنتجات الصينية الواردة إلى الولايات المتحدة، وذلك بعد إحاطة من فريقه التفاوضي، وكان ذلك بشكل مباشر من طائرته التي أقلعت من مدينة شنجهاي الصينية.

ونفى تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية على موقعها الإلكتروني، أن يشهد شهر أغسطس الجاري دفئاً في العلاقات بين البلدين، حيث توقع التقرير أن تسود مرة أخرى درجة عالية من عدم اليقين بشأن اتجاه المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك الشعور العميق بالتشاؤم بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق ونبرة المواجهة المتزايدة للعلاقات الأمريكية الصينية بشكل عام.

اقرأ أيضاً: برنت يهبط 1% مع تصاعد التوترات التجارية بين أمريكا والصين

وذكر تقرير الصحيفة البريطانية أنه يمكن للمرء أن يقدر شعور الرئيس ترامب بالإحباط. فبكل المقاييس، حقق تجمع شنجهاي القليل. حيث أن المحادثات لم تستمر طويلا. كان هناك عشاء عمل واجتماع لمدة نصف يوم في اليوم التالي. سلطت وسائل الإعلام الصينية الضوء على أن المحادثات انتهت قبل 30 دقيقة، معتبرة ذلك مؤشر سيئ. فيما أصدرت حكومتي كلا البلدين بيانات رديئة، حتى بشأن الإعلان عن الاجتماع التالي، والذي من المقرر عقده بعد شهر من لقاء الأول من أغسطس، أي في الأول من سبتمبر المقبل، حيث اقترحا عدم وجود حاجة ملحة لمثل هذا اللقاء. 

ووفقاً للتقرير، فإنه على الرغم من الشعور بالارتياح لاستئناف المفاوضات، كانت التوقعات بشأن التوصل إلى اتفاق خلال هذه الجولة من المحادثات منخفضة. فعلى ما يبدو، كان تقرير الوفد الأمريكي إلى ترامب أكثر صراحة من البيان الرسمي المهذب، الذي وصف المحادثات بأنها "بناءة". ووفقًا للحسابات المتداولة على منصة التواصل الاجتماعي الصينية WeChat، قرر الرئيس الغاضب ترامب على الفور المضي قدمًا في فرض التعريفات الجديدة - والتي ستدخل حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر المقبل- على جميع الواردات المتبقية من الصين. اللافت للنظر أن تلك التغريدات خرجت حتى قبل انتهاء اجتماع استخلاص المعلومات. 

اقرأ أيضاً: أسعار النفط تصل إلى 60 دولارا بفعل الحرب التجارية بين أمريكا والصين

وتقول تقارير وسائل الإعلام إن الرئيس نقض مستشاريه بشأن التعريفات الجديدة. تكشف التغريدة عن شكاوى ترامب الأولى من الصين كشريك تفاوضي، مع تأكيدات بأن الصين أبدت سوء نية في الوعود للسيطرة على صادرات دواء "الفنتانيل" وزيادة المشتريات الزراعية. بالإضافة إلى ذلك، انتقد الرئيس الصين لمحاولتها "إعادة التفاوض على الصفقة قبل التوقيع"، في إشارة إلى قرار الصين في مايو الماضي بالسعي إلى إدخال تغييرات كبيرة في مسودة الاتفاقية.

رجل التعريفات يجدد ضرباته كانت فكرة إعادة فرض تعريفات مرة أخرى هي السلاح المفضل لترامب. يبدو أن الرئيس الأمريكي مقتنع بأن التعريفة الجمركية ستجعل الصين في نهاية المطاف تركع أمام قدميه، ويعتقد في الوقت نفسه إن الصين تدفع الفاتورة.

اقرأ أيضاً: رئيس شعبة الذهب: الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين وراء ارتفاع أسعار المعدن النفيس

ووفقاً لتقرير "الجارديان"، فإن تاريخ 1 سبتمبر يعني أنه لا يزال من الممكن إلغاء التعريفات التي فرضها ترامب مؤخراً، ويترك معدل زيادة التعريفات الجمركية بنسبة 10 ٪ إما مجالًا للنمو أو يمثل اعترافًا غير مباشر بأن هذه التعريفات الأخيرة قد تكون مؤلمة للمستهلكين الأمريكيين؛ لأنها تشمل العديد من السلع الاستهلاكية الشائعة. إن فرض الرسوم الجمركية بنسبة 25 ٪ من شأنه أن يضخم التأثير على دفاتر الجيب ويضر بآفاق إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي في انتخابات عام 2020 المقبلة. أما عند فرض تعريفات بنسبة 10٪، فقد تستوعب الشركات معظم التكاليف، وسيشعر المستهلكون - أو إذا قلنا الناخبين - بألم أقل.

هددت الصين بالانتقام، لكن هناك تعريفات صينية بالفعل تغطي 110 مليارات دولار من الواردات الأمريكية، وهو كل شيء تقريبًا. وبحسب "الجارديان"، فبما أن واردات الصين أقل بكثير، فإنها لا تستطيع أن تطابق التعريفات الأمريكية بالدولار مقابل الدولار. لهذا السبب قالت الصين إنها ستستخدم التدابير "النوعية"، في إشارة غامضة إلى وكالات تنظيم الأسلحة لجعل الحياة صعبة بالنسبة للشركات الأمريكية، حيث إجراء المزيد من عمليات التفتيش، وتأخر الموافقة على التراخيص، والتخليص الجمركي البطيء، وعمليات التدقيق المتكررة وما شابه ذلك. فلدى الصين الكثير من الخيارات، بما في ذلك تحديد "قائمة الكيانات غير الموثوقة" المهددة. ومقاطعة المستهلكين هي أيضًا احتمال متزايد، لكن ذلك سيمثل تصعيدًا كبيرًا في التوترات ويصعب التحكم فيه بمجرد إطلاقه.

حيلة تكتيكية أم استراتيجية كبرى؟يبقى من المستحيل تمييز ما إذا كانت تصرفات الرئيس الأمريكي هي ببساطة تكتيكية أو مدفوعة برؤية استراتيجية أكبر لكيفية تسيير العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. معظم المراقبين يعتقدون بصحة التكهن الأول. وإذا كان الأمر كذلك، فلن يعزز كتاب قواعد اللعب للرئيس ترامب احتمالات التوصل إلى اتفاق. وبدلاً من ذلك، تستمر تصرفاته في تفريق الجانبين وتجعل من الصعب على الرئيس الصيني شي جين بينج الاستجابة بشكل إيجابي للمطالب الأمريكية. ومن الناحية الأسلوبية، لا يفعل ترامب سوى القليل لإعطاء شي جين بينج وجهًا، مفضلًا بدلا من ذلك أن يكون في مواجهته.

اقرأ أيضاً: أول تعليق من المصرف المركزي الصيني على قرار أمريكا باعتبار الصين دولة تتلاعب بالعملة

ونفى تقرير الصحيفة البريطانية أن تقف الصين مكتوفة الأيدي ولا تتعامل بالمثل، حيث أن وسائل الإعلام الصينية تواصل، بالطبع، ضرب الولايات المتحدة بسبب تصرفاتها ضد الشركة الصينية لتصنيع الإلكترونيات Huawe، وفرض التعريفات على منتجاتها أيضاً، وتطالب الصين بتعديل قوانينها كجزء من أي اتفاق نهائي. بالإضافة إلى ذلك، دخلت القضايا الحساسة الأخرى على خط هذه الخلافات مؤخرًا. حيث تلقي الصين باللوم على الولايات المتحدة بشأن الاضطرابات في إقليم هونج كونج، وتبدي غضباً أيضاً من الجولة الأخيرة من مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان. إن مزج هذه القضايا السياسية الحساسة مع المسائل التجارية أمر يحتمل الاحتراق ويستحق المتابعة بعناية لأنه سيحد من خيارات بكين. 

وداخل أمريكا، لا تكاد توصف الصين بصورة جيدة. فوفقاً لـ"الجارديان"، يتم تصوير الصين، سواء في وسائل الإعلام أو بيانات الإدارة الأمريكية أو تعليقات أعضاء الكونجرس، بشكل روتيني على أنها مخادع أو لص أو نظام استبدادي يسعى لأن يحل محل الولايات المتحدة كقوة عالمية بارزة. وبالنسبة للأمريكيين الذين لا يسيرون في نفس اتجاه إدارة ترامب، فإن الصين هي كبش فداء مناسب. أما بالنسبة للسياسيين الأمريكيين، فإن الصرامة مع الصين هي إحدى السياسات التي يتفق عليها الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء.

باختصار، يواجه عامة الناس في كل بلد تعريضًا منتظمًا لكاريكاتير الجانب الآخر وينظرون إلى الطرف الآخر على أنه ممثل سيء. وهذا فقط هو ما يمثل العائق للوصول إلى صفقة. أولاً، يجب شرح أي صفقة للجمهور المتشكك. ثانياً، تثير الشكوك العامة التكلفة السياسية لتقديم تنازلات حقيقية. وهذا صحيح لكل من بكين وواشنطن. بحسب الجارديان.

مسألة حسن النيةمن يعيش في الصين، يمكنه التعرّف بانتظام على النظرة الصينية للمحادثات التجارية والعلاقات الأمريكية الصينية عمومًا. فلا يمكن للمرء أن يفلت من تركيز الصين المتزايد على "موقف" الحكومة الأمريكية. ونعلم أن إحدى ميزات أسلوب التفاوض الصيني هي التركيز أولاً على المبادئ العامة، انطلاقاً من الاعتقاد بأنه إذا تمكن الطرفان من الاتفاق على مبادئ وأهداف شاملة، فكل شيء آخر هو قطعة من الكعكة. في المقابل، يميل الأمريكيون إلى الخوض في التفاصيل وعدم القلق بشأن الاختلافات الفلسفية.

هذا الانفصال واضح بشكل متزايد في المحادثات الحالية. ففي كل مرة تتخذ فيها الولايات المتحدة خطوة لزيادة نفوذها، تدين الصين لا محالة هذه الخطوة بأنها تظهر نقصًا في "حسن النية"، مما يؤكد تفوقها الأخلاقي. وبالنسبة لكثير من الأمريكيين، فإنه من الصعب تصديق ذلك. فمن وجهة نظرهم، فإن الصين مسؤولة عن الحرب التجارية؛ وذلك بسبب فشلها في الوفاء بالتزامات منظمة التجارة العالمية، وحماية الملكية الفكرية، وتوفير معاملة عادلة للشركات الأمريكية. إذا كان هناك نقص في حسن النية، فهو من جانب الصين. قد تقوي الاتهامات من جانب الصين بعدم حسن نية الجانب الأمريكي يد "شي" في الداخل، لكن التأثير في الولايات المتحدة هو تفاقم انعدام الثقة المتبادل. وهذا أيضا، وفقا لـ"الجارديان"، يجعل التوصل إلى صفقة أمراً أكثر صرامة.

ماذا بعد؟على هذه الخلفية، تستنتج "الجارديان"، بحسب ما أوردت في تقريرها، صعوبة تخيل صفقة تجارية في أي وقت قريب. حيث يعتقد الرئيس ترامب أن له اليد العليا مع مرور الوقت. وبناءً على منطقه هذا، فإن أي تأخير يعني أن الصين يجب أن تقدم المزيد عندما تكون مستعدة أخيرًا للتفاوض. وبالمثل، يعتقد الرئيس شي أنه لا جدوى من التفاوض مع نظيره "المتقلب" الذي لا يوجد لديه الأساس الذي قد يكون هدفه الحقيقي إحباط التنمية الاقتصادية للصين أو قوتها السياسية المتنامية. وقد لا يواجه "شي" حملة إعادة انتخاب ترامب، لكن لا يزال لديه سياسات محلية خاصة به.

ووفقاً للصحيفة البريطانية، فإن الشركات الأمريكية هي الضحايا التعساء في هذه الدراما الجيوستراتيجية. ففي هذه المرحلة، تفترض معظم الشركات أن التعريفات الجمركية ستظل قائمة على المدى الطويل وأن التوترات بين الولايات المتحدة والصين ستستمر. وبشأن استجابة الشركات لذلك، فإن بعض الشركات المصنعة تدرس خيارات النقل لبعض العمليات. ومن الناحية النسبية، تعد منطقة جنوب شرق آسيا - وخاصة فيتنام - الرابح الأكبر حتى الآن، فضلاً عن إمكانية نقل بعض العمليات إلى الهند وتايوان أيضاً. هناك القليل جداً من الشركات الراغبة في العودة إلى الولايات المتحدة. حيث تم الإبلاغ عن مثل هذه التحولات من قبل حوالي 40 ٪ من شركات التصنيع الأمريكية في الصين، وفقا لمسح أجرته شركة شنجهاي للصناعات المعدنية في مايو الماضي. وفي الوقت نفسه، تؤخر العديد من الشركات اتخاذ القرارات بشأن الاستثمارات الجديدة، أو تخفيض حجم الاستثمار، مع العلم أنه كان هناك انخفاض حاد في الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة. باختصار، التوترات التجارية لها تأثير تخريبي. وإذا كان الهدف الحقيقي لإدارة ترامب هو "الانفصال" الاقتصادي عن الصين، فإنهم يمضون في هذا الطريق. وذلك حسبما ذكرت "الجارديان" في تقريرها.

وتوقع التقرير أن هذا الوضع يمكن أن يستمر حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجرائها في نوفمبر من عام 2020. يمكن للصين أن تواصل الضغط من أجل مطالبها الرئيسية، التي تتلخص في إلغاء تعريفات، وأن تنهي العقوبات الأمريكية على شركة Huawei، وأن تشتري المنتجات الأمريكية فقط حسب الحاجة وأن تتخلى أمريكا عن مطالبة الصين بتعديل قوانينها - لكن من غير المرجح أن تقبل الولايات المتحدة ذلك. وهذا يترك مجالاً كبيراً للرئيس "شي" للمراوغة. وبالمثل، فإن ترامب ليس لديه سبب يذكر لتخفيف مطالبه. حيث أن تصرفه القوي مع الصين يمكن أن يساعده في الانتخابات المقبلة ولا يحتاج إلى تغيير المسار إلا إذا أخذ الاقتصاد في الاعتبار. باختصار، لدينا مأزق. هذا هو الاعتراف المؤلم الذي توصلت إليه تدريجياً معظم الشركات الأمريكية. ولكن بالنسبة للشركات الأمريكية العاملة في الصين، فإن ذلك يعني "وضعًا طبيعيًا جديدًا".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
بث مباشر مباراة الهلال والفتح في الدوري السعودي (لحظة بلحظة) | التشكيل