اعلان

"ورشة البرنس".. حكاية أقدم صنايعي موازين بالفيوم.. يحيى البرنس:"تعلمت المهنة وأنا عندي 12 سنة" (صور)

صباح كل يوم، يقطع يحيى البرنس، أقدم صنايعي موازين بالفيوم، طريقه من درب حرازة بوسط الفيوم، ليستقل ميكروباص خط "٧" قاصدا ورشته الواقعة بالمدينة الصناعية خلف الحديقة الدولية بمنطقة كيمان فارس، ليبدأ يوما جديدا للعمل، في الورشة التي ورثها عن أبيه الراحل.

في خطواته القليلة التي يقطعها حتى الورشة، يلقي السلام على كل من بالمنطقة، يعرفهم جميعا، يستعين بما تبقى من شباب ليرفع باب ورشته الحديدي الذي يصدر أزيزا عاليا، ليدخل هواء الصباح البارد طاردا الهواء المكتوم المنبعث من الورشة لليلة ماضية.

قال "البرنس" لـ"أهل مصر" أنه تعلم هذه المهنة مذ كان صبيا لم يبرح بعد عامه الثاني عشر، حيث ألحقه والده بإحدى الورش التي تقوم بتصنيع الموازين الحديدية القديمة، حتى صار مساعدا لمعَلمه الذي بعد فترة أتاح المجال أمام البرنس ليكون أسطى الورشة الجديد ويلقن سر المهنة لمن تلاه من الصبية حديثي العهد بالورشة.

اعتاد "البرنس" أن يبدأ يومه بكوب من الشاي الساخن، هي عادة احتفظ بها لأكثر من ثلاثين عام مضت، وضع فيها جل طاقته في مهنة عمره، ولم يزل بعد على ذات الحال من النشاط حتى بعد أن جاوز الـ55 عاما دون أن يصيبه الفتور مما استهلك فيه نصف عمر مضى.

يبدأ عمل الصنايعي الأقدم للموازين بالفيوم، برسم الشكل المطلوب للميزان على الورق، أوراقه البيضاء تلك هي سجل لأعماله خلال تلك الفترة الطويلة، ثم يقوم برفع المقاسات الخاصة بالميزان المطلوب، بعد ذلك يباشر تحضيراته لاختيار المعدن المطلوب ومدى نقائه ومن ثم صهره وحتى خروجه إلى الشكل المطلوب.

"في الظروف العادية لا يحتاج الزبون لتصميمات جديدة للموازين، معظمها تقليدي، لكني عملت على إخراج شكل للميزان خاص بي، أكون من صممه، عرفت صغيرا الميزان المصري الفرنساوي، كان شهيرا بين زبائن الورشة، لكن وبحلول عام ٢٠٠٠ قمت بإجراء تغييرات في شكله، اعتدت على البحث خلف كل جديد في المجال وتنمية مهارات الرسم والتنفيذ وحتى عرض المنتج للزبون" يقول يحيى البرنس.

لم تتوقف إبداعات "البرنس" عند هذا فقط بل إنه استطاع أن يضيف إلى الشكل الجمالي لميزان "النسر" الشهير، الذي أنتجه بحلول العام ٢٠٠٠ عن طريق إضافة بيضة في عش، وجناح طائر يحاول التشبث بالعش، بشكل على درجة عالية من الدقة والتنفيذ ما قال عنه الصنايعي الأقدم أنه لاقى إعجاب جل زبائن الورشة ما زاد الطلب عليه.

اقرأ أيضا.. الوحدة الصحية "بمنشأة محمد فهمي" في الفيوم بلا أطباء.. والأهالي: تعبنا من كتر الشكاوى

لا تنفك الحركة دائبة في الورشة خلال ساعات العمل التي تبدأ صباحا، ترتفع فيها أصوات مطارق ثقيلة يحملها ٣ من الصنايعية يعاونهم اثنين من صغار الصبيان، ينفذون فيها طلبيات التجار وتجهيزها وتسليمها في الموعد المحدد قبل أن تنتهي مواعيد العمل بالورشة في العاشرة مساءً.

تفاعل "البرنس" مع الأحداث الهامة في مصر، لم يدع مجالا للشك في تصميمه لميزان جديد أطلق عليه مصر المحروسة زنة ٢٥ / ٤٠ كيلو على هيئة مسجد، وبكفة واحدة بجانب أنه رقمي بشاشة ديجتال فيما أعده "البرنس" خروجا على التقاليد القديمة للصنعة وانصهارا في التقنيات الحديثة.

"لما ظهرت الموازين الرقمية -الديجتال- وقفت تصنيع الموازين القديمة لقلة الطلب عليها، اتجهت لتصنيع الموازين الديجتال وبدأت أتطور من صنعتي بما يتماشى مع حاجة الزبون وحتى لا تتأخر طلبيات التجار على الموازين وتغطية نفقات الورشة ويوميات الصنايعية والصبية الصغار" البرنس وهو يباشر تسوية قطع من الحديد بمطرقته.

لا تقتصر ورشة البرنس الأقدم في الفيوم على زبائن محليين فقط، بل تأتي الطلبيات على الورشة من معظم محافظات مصر، ما عده البرنس نجاحا منقطع النظير وبخاصة مع الظروف السيئة التي تحيط بالسوق، وندرة العاملين بمجال صناعة الموازين وورشها داخل الفيوم بشكل خاص، وبقية المحافظات بشكل عام، لما يتطلبه هذا العمل من جهد، قد لا يتحمله كثيرين.

تبدأ أسعار الموازين بورشة البرنس من ٣٥٠ جنيها، وتنتهي عند رغبة الزبون وشكل الميزان الذي يحتاج إليه، وزنته، على الرغم من ارتياد زبائن ميزان الكفة القديم للورشة مرات كثيرة لضبط كفة الميزان أو صيانة أي عيب يعترض إتمام عمليات البيع والشراء في الأسواق المحلية داخل المحافظة.

في منتصف يوم العمل، قد يمنح البرنس من يعملون لديه ساعة لتناول غداء أو للانصراف لأداء الصلاة في المسجد المجاور للورشة، وربما يعود هو أدراجه بدرب حرازة حيث يعيش مع زوجته وصبي جاء أخيرا بعد ثلاثة من البنات، أنفق على تعليمهن وتنشئتهن حتى ذهبت كل منهن إلى بيت العدل، حسب تعبيره.

ولم تمنع علامات الشيخوخة التي أخذت طريقها في وجه الأسطى يحيى البرنس من ارتياد ورشته كل صباح جنبا إلى جنب مع الصنايعية وصبيان المهنة الجدد ليباشر تجارته بنفسه وربما يمنح نصيحة لصغار صبية الورشة، أو يقوم بإصلاح ما وقع فيه الصنايعية من أخطاء حتى يتلافى إرجاع ما تم بيعه تلك الثقة التي امتدت بينه وبين عملائه لأكثر من ثلاثين عاما مضت استطاع فيها أن يكون حرفي الموازين الأول بالفيوم.

بعد أن أنفق البرنس على زواج بناته الثلاث، لم يعد يحمل هما تجاه ما هو قادم، يشعر بأنه فعل ما توجب عليه تجاه أبناءه وتجاه مهنته وهو ممتن لما وصل إليه، حتى أنه بعد انتهاء يوم العمل يغلق ورشته مودعا كل جيرانه من أصحاب الورش والمتاجر ويقفل عائدا إلى دياره لقضاء ما تبقى له من وقت مع أسرته ثم يخلد إلى نوم يقطعه يوم جديد من العمل في ورشته "ورشة البرنس لتصنيع الموازين".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
وزير الخارجية: التوترات الإيرانية الإسرائيلية حولت أنظار العالم عن معاناة غزة