اعلان

للمرة الثانية بعد ثورة 2011.. تونس تتوجه إلى صناديق الاقتراع وسط خيبة أمل كبيرة.. و"الجارديان": الأزمة الاقتصادية والمخاوف الأمنية يوجهان دفة الاستحقاق الرئاسي

الانتخابات الرئاسية في تونس

توجه سبعة ملايين تونسي إلى صناديق الاقتراع، اليوم الأحد، في ثاني انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ ثورة 2011، حيث يواجهون قائمة مزدحمة بالمرشحين فضلاً عن حالة من عدم اليقين وخيبة الأمل الكبيرة بشأن التقدم الذي أحرزته البلاد في الأعوام الثمانية الماضية.

ويتنافس ستة وعشرون مرشحًا في الجولة الأولى التي لا يمكن التنبؤ بها، من بينهم الإعلامي نبيل قروي، الذي هو في السجن حاليا بتهم الفساد التي ينفي ارتكابها، بالإضافة إلى رئيس الوزراء، يوسف الشاهد، وعبد الفتاح مورو، الذي يرأس محاولة لأول مرة نيابة عن حزب النهضة الإسلامي.

وعلى الصعيد الأمني، تم نشر سبعين ألفاً من أفراد الشرطة في جميع أنحاء البلاد التي كانت شاهدة على هجمات إرهابية متفرقة، والتي كانت خطيرة في بعض الأحيان في السنوات الأخيرة.

اقرأ أيضاً: انتخابات تونس.. مراكز الاقتراع تغلق أبوابها

وفي المرسى، وهي تلك المدينة الساحلية الغنية في تونس، كانت أجواء التصويت في وقت مبكر صباح اليوم الأحد مختلفة نوعا ما، حيث خرج رئيس الوزراء يوسف الشاهد من مركز اقتراع محاط بمجموعة كبيرة من المصورين، تبعه لوفتي جالاسي، 52 عامًا، يرافقه ابنه. ومثل العديد من التونسيين خلال الحملة الانتخابية، اشتكى "الشاهد" من مسار البلاد منذ ثورة 2011 التي أشعلت ما عرف فيما بعد بالربيع العربي.

وقال: "لقد أكدت السنوات الثماني الماضية على أن الأحزاب السياسية تعمل فقط للحفاظ على مقاعدها وسلطتها، لقد كانوا يطاردون الفساد في حين أن الجريمة والبطالة في ارتفاع متزايد مع انخفاض القيم والآداب العامة".

ولكن مها دخلاوي، وهي قاضية تبلغ من العمر 25 عامًا، كانت أكثر تفاؤلاً، مشيرةً إلى حرية التعبير، وهي خطوات هائلة إلى الأمام من أجل حقوق المرأة واختيار المرشحين.

وقالت لصحيفة "الجارديان" البريطانية: "إنه اختيار غير عادي لهؤلاء المرشحين، نعم، لقد كانت السنوات الثماني الماضية أسوأ مما توقعه الناس، لكن ليست بنفس السوء الذي كانت عليه من قبل (خلال ديكتاتورية زين العابدين بن علي).

اقرأ أيضاً: انتخابات تونس.. الشباب يعزفون عن المشاركة.. ودعوات للنزول

وأضافت: "في النهاية، فكرت لفترة طويلة حول أهم القضايا التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وكانت بالنسبة لي هي النزاهة، لذا صوتت لـ"محمد عبو"، وهو محام قاتل ضد الفساد".

ووفقا لـ"الجارديان"، فإن الكثيرين يستشهدون بقضية الأمن، إلى جانب مشاكل تونس الاقتصادية المستمرة، خلال الأيام الأخيرة كمصدر للسخط، فعلى الشاطئ في منتجع سوسة التونسي الأسبوع الماضي، استذكر محمد بن سعد، 46 عاماً، مدير تأجير الرياضات المائية، الهجوم الإرهابي الذي أصاب هذا الشاطئ عام 2015 وقتل فيه العشرات من السياح الأجانب، مما أدى إلى انهيار صناعة السياحة التونسية في أزمة اقتصادية لم تسترد عافيتها بعد.

وقال: "أتذكر كل شيء، إطلاق النار، أتذكر الناس الذين يحاولون الهرب، أتذكر الموتى والجثث، لقد تغير كل شيء بالنسبة لنا، لقد اعتدنا العمل في السابق لمدة ستة أشهر في السنة، والآن فقط لمدة شهرين".

بالنسبة لـ"بن سعد"، فإن تأثير الهجوم، وهو أحد الهجومين اللذين استهدفا السياح في تونس في ذاك العام، هو جزء من أزمة أكبر في البلاد، أزمة اقتصادية وسياسية التي من غير المؤكد أن يتم حلها، لا عن طريق التصويت اليوم في الانتخابات الرئاسية أو من خلال الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تعقبها.

اقرأ أيضاً: كبار السن يتصدرن المشهد الانتخابي في تونس وسط تراجع للشباب

وأضاف: "لاشيء جيد، نحن لا نحب الوضع السياسي والاقتصادي، وكل شيء يصبح أكثر تكلفة".

ولفت بن سعد إلى أنه، ومثل بقية الشعب، كان مليئًا بالأمل قبل ثماني سنوات عندما حدثت ثورة تونس، واندلعت أحداث الربيع العربي وسقوط "بن علي".

وقال: "كنت متفائلاً، مثل أي شخص آخر عام 2011، ولكن بعد ذلك جاء حزب النهضة لحكم البلاد، وأخذوا الكثير من المال، وسمحوا بالكثير من السجناء وأغلقت أعينهم أمام الهجرة غير الشرعية، حيث أن أربعة أشخاص اعتادوا العمل معي، هم في إيطاليا الآن"، واختتم بقوله: "وبالنظر إلى الوضع الحالي، أفكر أنا الآخر في مغادرة البلاد".

ووراء سوسة، في قرى وبلدات المناطق النائية الساحلية، فإن الجو العام أكثر كآبة، ففي بلدة سيدي الهاني الصاخبة الصغيرة يشرب سفيان بن يوسف، عاطل عن العمل، وصديقه أحمد بن موسى، 26 عاماً، الذي يدير شركته الخاصة الصغيرة للتصدير والاستيراد، القهوة في مقهى بينما يلعب آخرون ألعاباً صاخبة أخرى.

يقول بن يوسف: "لن أصوت، فبالكاد يتم تسجيل أي من الشباب هنا للتصويت، الناس لا يهتمون والبطالة والأزمة الاقتصادية هي الأسباب الرئيسية.

ولكن "بن موسى" قاطعه وقال يجب أن يكون لدينا أمل ونريد تحسين الوضع، نحن بحاجة إلى العثور على الشخص المناسب لإصلاح هذا الوضع.

اقرأ أيضاً: هيئة الانتخابات التونسية: لم نسجل أي حالة لشراء أصوات الناخبين

ويتفق كلا الرجلين على أن الطبقة الجديدة من السياسيين الذين ظهروا بعد عهد "بن علي" الطويل قد خذلوا التونسيين. يقول بن موسى: "لم يدركوا أي من الوعود التي قطعوها لنا، فلقد ازدادت البطالة والأزمة الاقتصادية سوءًا، وكل وعودهم كانت مجرد أكاذيب!".

وذكرت "الجارديان" أن ذلك هو الشعور بخيبة الأمل التي أثارت شيئًا لا يمكن تصوره حتى قبل أربع سنوات، وهو الشعور المتزايد بالحنين إلى أيام رجل تونس القوي السابق إن لم يكن إلى أيام "بن علي" نفسه.

يعتقد المحلل السياسي "أسامة هليل" أن الجولة الحالية من الانتخابات تمثل لحظة مهمة لتونس. يقول: "نحن على مفترق طرق ويطلب منا أن نختار بين مسارين: ما إذا كنا نريد مواصلة العملية التي أطلقتها الثورة أو ما إذا كنا نريد تغيير ترتيباتنا الدستورية التي يتحدث عنها بعض المرشحين أو تغييرها".

ووفقا لـ"الجارديان"، فإن "هليل" يشير إلى موجة جديدة من الشعوبية التي تعد استجابة لخيبة أمل متزايدة من العديد من الأحزاب التي ظهرت منذ ثورة 2011.

كان هذا بدوره مدفوعًا بخيبة أمل واسعة النطاق من قبل الحكومة الائتلافية الأخيرة التي وحدت الفصائل المختلفة من الحزبين الفائزين في انتخابات عام 2014: حزب نداء تونس العلماني وحزب النهضة الإسلامي المتفكك.

لكن خيبة الأمل بين الناخبين لم تؤد إلى فض الاشتباك، وقال "ليس كامبل"، أحد الرؤساء المشتركين لمهمة مراقبة الانتخابات الأمريكية/ المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي: "بناءً على ما أظهرناه من بحث للرأي العام، وجدنا أن التونسيين مصممون على التصويت أكثر من أي وقت مضى".

اقرأ أيضاً: في انتخابات مبكرة غير مسبوقة.. مراكز الإقتراع بتونس تبدأ في استقبال الناخبين

في شارع الحبيب بورقيبة في تونس، وفي الساحة العريضة التي كانت شاهدة على المظاهرات الجماهيرية لعام 2011 التي أطاحت بنظام "بن علي"، كانت "عفيفة أورغي"، 53 عامًا، تتناقش مع شقيقتها "سمية" حول المسار السياسي للبلاد.

وقالت عفيفة، التي هي مدرسة للغة الإنجليزية في إحدى الضواحي الشمالية للمدينة، والتي تعكس حالة عدم اليقين نفسها في الريف: "بالطبع سأصوت، لكن البلاد غير مستقرة ومستقبلها غير واضح".

وبالإشارة إلى الحنين المتزايد لعصر "بن علي"، فهي أقل حرصًا على المقارنة رغم أنها ترغب في رؤية قادة أقوى إما في قصر الرئيس أو في رئاسة الوزراء.

واختتمت: "هناك بعض من الحنين إلى الماضي لكنني لا أشعر به، فلقد تخلصنا من نوع من الفساد لمواجهة نوع آخر".

إقبال ضعيف

وأغلقت مراكز الاقتراع في الساعة السادسة مساء، بالتوقيت المحلي، في استحقاق يشهد منافسة غير مسبوقة وحيرة إزاء ضعف الإقبال خصوصا لدى الشباب. وكانت مراكز الاقتراع قد فتحت أبوابها صباح اليوم عند الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي.

وقبيل إغلاق مراكز الاقتراع بساعة حض رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخاب نبيل بفون الشباب إلى الذهاب والاقتراع بكثافة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية. وقال بفون في مؤتمر صحفي: "اخرجوا واذهبوا للتصويت (...) هذا حق قامت من أجله ثورة عام 2011". وتابع "شباب تونس، أمامكم ساعة قبل إغلاق مراكز الاقتراع".

نسبة المشاركة

وأكد بفون أن نسبة المشاركة وصلت إلى 27.8% إلى حدود الساعة 15.00 (14.00 ت ج) قبل ثلاث ساعات من إغلاق المراكز. وذكر بفون بأن نسبة المشاركة في عام 2014 في نهاية اليوم بلغت 64%. ووفقا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات فإن نسبة النساء والشباب تمثل 63 في المئة من الجسم الانتخابي.

واصطف العشرات من الناخبين أمام مراكز الاقتراع قبل أن تفتح أبوابها وفقاً لمراسل وكالة "فرانس برس"، لاختيار رئيس من بين الـ 26 مرشحا.

أبرز المرشحين

وأبرز المرشحين رئيس الحكومة الليبرالي يوسف الشاهد وقطب الإعلام الموقوف بتُهم تبييض أموال نبيل القروي الذي أثار جدلاً واسعاً في البلاد، إضافةً إلى عبد الفتّاح مورو مرشّح حزب "حركة النهضة" ذي المرجعيّة الإسلاميّة. 

وقال يوسف الشاهد إثر خروجه من مركز الاقتراع للصحفيين: "اليوم التونسيون يعيشون يوماً كبيراً...أدعو كل التونسيين للانتخاب لكي لا يقرر أحد مصيرهم".

انتخابات لا يمكن التنبؤ بها

وتبدو الانتخابات مفتوحةً على كلّ الاحتمالات، الأمر الذي زاد من ضبابيّة المشهد بين ناخبين لم يكن جزء كبير منهم حسم أمره مع حلول صباح الأحد، وبين مراقبين اختلفت توقّعاتهم للنتائج، علماً أنّ القانون كان يحظر نشر نتائج استطلاعات الرأي خلال الحملة الانتخابيّة.

ووفقاً لموقع "DW" الألماني، فقد طرح الصراع الانتخابي في 2019 معادلة جديدة تقوم على معطى جديد إثر ظهور مرشّحين مناهضين للنظام الحالي، ما أفرز وجوهاً جديدة استفادت من التجاذبات السياسيّة، على غرار الأستاذ الجامعي المحافظ قيس سعيّد.

ويشرف على الانتخابات آلاف المراقبين، بمن فيهم مكلفون من قبل هيئة الانتخابات بالإضافة إلى منظمات غير حكومية ونقابية تونسية وأجنبية، منها الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والاتحاد الأوروبي ومركز "كارتر".

واشتدّ التنافس بين المرشّحين، خصوصاً الذين يتحدّرون من العائلة السياسيّة الوسطيّة والليبراليّة. ورأت مجموعة الأزمات الدوليّة في تقرير لها الخميس الماضي أنّ "حدّة الصراع الانتخابي تكشف حيويّة ديموقراطيّة". لكن أشارت في المقابل إلى "خطر الانحراف عن المسار" بسبب "أزمة الثقة" لدى التونسيين تجاه المؤسّسات وشراسة التنافس.

ويشار إلى أن الدستور التونسي يمنح صلاحيات تتعلق بالأمن الوطني والدفاع والسياسة الخارجية للرئيس.

وتشهد تونس انتخابات تشريعيّة في السادس من أكتوبر المقبل، ويُرجّح أن تكون قبل الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسيّة في حال عدم فوز مرشّح من الدورة الأولى. وبالتالي ستتأثر النتائج النهائيّة للانتخابات الرئاسيّة حتماً بنتائج التشريعية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً