اعلان

لأول مرة.. شيعة العراق يتحدون ضد الاحتلال الإيراني.. أحد المتظاهرين يشوه صورة "خامنئي" بساحة الاحتجاج.. وآخر: سرقوا منا كل شيء

في سابقة غير معهودة، شوه متظاهر عراقي يدعى "عيسى"، 23 عامًا، مستخدما الطلاء الأحمر، صورة للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بساحة التحرير بالعاصمة العراقية بغداد، وهو يهتف ويقول: "الحمار خامنئي"، في تصرف كان لا يمكن تصوره قبل أن تجتاح الاحتجاجات المناهضة للحكومة كافة أرجاء البلاد منذ بداية الشهر الماضي، والتي تتهم إيران والسياسيين المدعومين منها بالسيطرة على العراق والإضرار بمصالح البلاد، في الوقت الذي لدى طهران روابط قوية مع قوات الأمن والمخابرات العراقية، الأمر الذي دفعهم إلى إصدار تهديدات ضد المحتجين على خلفية تلك الإهانات.

ومع ذلك، يقول "عيسى" لموقع NPR الأمريكي، إنه لا يخاف، فليس لديه ما يخسره، إنه عامل لكن ليس لديه عمل. ومثل معظم المحتجين، يلقي باللوم من جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة على السياسيين العراقيين الفاسدين الذين يضعون مصالح الدول الأخرى أولاً.

وهزت الاحتجاجات، وهي الأكبر منذ عام 2003، أسس الحكومة العراقية، ولكن قُتل خلالها أكثر من 250 محتجًا وجُرح الآلاف منذ بدء المظاهرات في أوائل أكتوبر الماضي، التي طالبت بوظائف وتحسين الخدمات ومكافحة الفساد.

ومع إغلاق الطرق والمدارس، يخشى الكثير من العراقيين حدوث مواجهة أكبر بين المحتجين وقوات الأمن التي تضم أعضاء ميليشيا سابقين تدعمهم إيران.

بدوره، وعد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بعد سنة من عمله، بالاستقالة بعد تعيين خليفة له. ودعا الرئيس العراقي برهم صالح لإجراء انتخابات مبكرة بعد أن يقر البرلمان قانون انتخابات جديد قد يقلل من عدد أعضاء البرلمان، الذين يُنظر إليهم على أنهم يتقاضون رواتبًا ضخمة، رغم أن العديد منهم نادراً ما يحضرون للجلسات.

لكن الغضب أعمق بكثير بين المحتجين أكثر من ازدراء البرلمان العراقي؛ يقول محمود، الذي حضر إلى مظاهرة الأسبوع الماضي مع مجموعة من الأصدقاء من مدينة شمال بغداد: "لقد جئنا إلى هنا استعدادًا للموت؛ لأنه بعد سقوط نظام صدام حسين، لم نر أي شيء جيد"، مضيفاً، في إشارة إلى السياسيين الذين عادوا إلى حكم العراق عندما تم الإطاحة بصدام حسين بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، "البرلمان مجرد مافيا وأحزاب فاسدة، كلهم ​​جاءوا لتدمير هذا البلد".

وعلل موقع NPR استخدامه للأسماء الأولى للمتظاهرين كون المئات قد تم اعتقالهم بسبب مشاركتهم في المظاهرات السلمية التي بدأت الشهر الماضي، ونقل الموقع عن متظاهر يدعى "ياسر"، وهو جندي من الجيش العراقي خارج الخدمة انضم إلى الاحتجاجات، وكان جرح عام 2013، في بداية معركة العراق ضد داعش، قوله إنه دفع تكلفة جميع عملياته الطبية بنفسه.

ورغم أن العراق أحد أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أن عشرات الملايين يعيشون في فقر؛ ففي جميع أنحاء البلاد، يؤدي فشل الخدمات العامة والفساد المتفشي إلى ترك المواطنين يدفعون رشاوى مقابل كل شيء، من معالجة الأوراق في الوزارات الحكومية إلى الحصول على وظيفة.

يقول "بارق"، طالب جامعي كان يلف علم العراق حول كتفيه ويحمل وردة بلاستيكية بيضاء يقول إنها رمز للاحتجاج السلمي: "لقد سرقوا كل شيء منا، لقد سرقوا حتى أحلامنا".

بدأت الاحتجاجات بالشباب ثم اتسعت لتشمل النساء والأسر بكاملها، وتحولت ساحة التحرير إلى حفلة في الشارع. لكن الأغلبية الساحقة للمتظاهرين تظل من الذكور وفي سن العشرينات أو في سن المراهقة المتأخرة، وهم الجيل الأول الذي نشأ على الإنترنت وبدون صدام حسين.

إن الاحتجاجات السابقة التي شهدها العراق عام 2011 كانت بقيادة سنية، ضد السياسات الطائفية من قبل الحكومة التي يقودها الشيعة. لكن في الاحتجاجات الحالية في بغداد والجنوب، كان المتظاهرون من الشيعة إلى حد كبير- ومعظمهم يرفضون الانقسامات الطائفية، قائلين إن الشيء المهم هو أن العراق يحكمه العراقيون ومن أجلهم. وحتى الجنود أو المقاتلين في الخدمة الفعلية ضمن القوات شبه العسكرية المدعومة من إيران يشاركون المتظاهرين احتجاجاتهم، التي تشمل أيضا صغار السن من المراهقين.

يقول "ليث كبة"، كبير مستشاري رئيس الحكومة العراقية، ولذي كان جزءًا من المعارضة لصدام حسين، "هؤلاء الشباب ينظرون فقط إلى المستقبل ويقولون: "لا يوجد مستقبل معكم"، إنها بسيطة للغاية، وبغض النظر عما تفعله الحكومة معهم، ستصبح هذه الرسالة أقوى وأعلى صوتًا".

وخارج ساحة التحرير، احتل المتظاهرون مبنى شاهق مكون من 13 طابقًا يُعرف باسم "المطعم التركي" لمحاولة منع قوات الأمن من إطلاق النار على المحتجين على جسر الجمهورية المجاور له.

وفي التسعينيات- العقد الذي ولد فيه معظم المحتجين اليوم- كان يضم هذا المبنى مطعمًا تركيًا أنيقًا في الطابق العلوي، ولكنه تضرر خلال الغزو الأمريكي عام 2003 وظل مهجور منذ ذلك الحين.

يحتوي المبنى، المفتقر للكهرباء، أو المصاعد أو المياه، على ثقوب كبيرة مستديرة تم حفرها في الجدران الخرسانية، ويُعتقد أنها استخدمت كفتحات لبنادق القنص التي استخدمها القناصين في بداية الاحتجاجات.

يقول تقرير حكومي إن 149 محتجًا قُتلوا في أوائل أكتوبر، وأُطلق الرصاص على العديد منهم في الرأس أو الصدر.

ويؤدي الجسر الجمهوري، المغلق بالحواجز الخرسانية وشرطة مكافحة الشغب، إلى المنطقة الخضراء، مقر السفارات والحكومة والبرلمان العراقي. ويؤدي شارع يقع قبل المنطقة الخضراء إلى السفارة الإيرانية، التي تم إجلاؤها الآن من الدبلوماسيين، ولكن من المؤكد بأن القوات العراقية لن تسمح باختراقه؛ ففي نهاية الأسبوع الماضي، أضرم المتظاهرون النار في القنصلية الإيرانية في كربلاء.

ويخشى المحتجون من أن تهاجم القوات الحكومية مبنى المطعم التركي لإخراجهم منه، ولكنهم مصممين على السيطرة عليه.

وعلى سطح المبنى، يقوم المتطوعون الطبيون بربط أذرع وأرجل المتظاهرين الذين أصيبوا بشظايا، قبل أن يتم نقل المصابين الأكثر خطورة إلى سيارات الإسعاف التي تنتظر في ساحة الاحتجاجات.

يقول غزوان، المحتج الذي قضى عاماً ونصف العام كعضو غير مدفوع الأجر في ميليشيا تدعمها إيران تقاتل داعش، إنه ينام في الشوارع لمدة أسبوع؛ ويقول: "إذا لم يكن من أجلي، فمن أجل أبنائي، كي يمكنهم الحصول على وظائف"، مضيفا أنه "لا يوجد مستقبل هنا في العراق".

وفي خطاب ألقاه ممثله بعد صلاة الجمعة الأسبوع الماضي، قال آية الله علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى بالعراق، إنه يؤيد الاحتجاجات السلمية. وأمر الحكومة العراقية بعدم الرد بالأسلحة والقوة المفرطة، اعتقادا منه أن توجيهه هذا سيقيد قوات الأمن التي لا تخضع بالكامل لسيطرة رئيس الوزراء العراقي.

اقرأ أيضاً: إيران في مرمى الغضب العربي.. المتظاهرون بالعراق ولبنان يحمّلون طهران وحلفاءها المحليين مسؤولية سوء أوضاعهم.. نظام الملالي استغل اضطرابات المنطقة لتوسيع نفوذه فطالته نيران الاحتجاجات

كانت الاحتجاجات في بداية الأمر بلا قيادة، ولكنها سرعان ما أفرزت قيادييها؛ حيث انبرى نشطاء حقوق الإنسان الذين شاهدوا الاحتجاجات السابقة تسحقها الحكومات العراقية المتعاقبة.

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة ترصد انتهاكات لحقوق الإنسان خلال احتجاجات العراق

ويقول الناشط منذ فترة طويلة كمال جبار، خلال تواجده بالجزء العلوي من المبنى الذي يحتله المحتجون: "أقول للحكومة إنها لا يمكنها الاستمرار، وآمل أن نتمكن من تعبئة هذه الطاقة وتحويل هذا الغضب إلى حل سلمي لإقناع المجتمع الدولي بالاستماع إلينا".

اقرأ أيضاً: المتظاهرون في العراق يسيطرون على ميناء أم قصر بالبصرة (فيديو)

وبالنسبة للشباب الذين يتوقون إلى مواجهة قوات الأمن، فإن رسالته لهم كانت: "أريد أن أراك في حلة لطيفة، وليس في نعش".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً