اعلان

ملاعب الموت في قطر.. الجانب المظلم للصروح المتلألئة المستضيفة مباريات كأس العالم 2020.. مئات الوفيات وبدون تعويض

يتدفق مشجعو 7 أندية عالمية إلى دولة قطر لحضور مباريات فرقهم ضمن منافسات كأس العالم للأندية فيفا الأسبوع المقبل، في وقت سيكون من السهل أن ننسى آلاف العمال من أفقر دول المنطقة الذين كدّوا طوال سنوات في تشييد مبانيها المتلألئة، وعندما يشغل هؤلاء المشجعون مقاعدهم في استاد خليفة الدولي بالعاصمة الدوحة، حيث سيلعب نادي ليفربول الانجليزي مباراته في الدور نصف النهائي، قد لا يدركون أن العشرات من العمال الذين رمموا الاستاد عاشوا في مساكن قذرة مكتظة برائحة كريهة من مياه الصرف الصحي، كذلك لن يكون هناك من يبلغهم بأن هؤلاء الرجال كانوا يتلقون أجوراً أقل من تلك التي تم الاتفاق معهم عليها، وتمت مصادرة جوازات سفرهم وأنهم لم يتمكنوا من تغيير وظائفهم أو ترك البلاد، مما جعل بعضهم عرضة للعمل القسري، وهو شكل من أشكال الرق الحديثة، وفقاً لمنظمة العفو الدولية.

 استاد خليفة الدولي 

السبت الماضي، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، عدم جاهزية ملعب المدينة التعليمية الجديد، وهو الاستاد الذي كان مقررا أن يستضيف هذه المباراة التي ستقام في 18 ديسمبر الجاري، ليتم نقلها إلى ملعب خليفة الدولي، الذي شهد قصصا من الموت واللامبالاة على أعلى المستويات.

وفي عام 2017، تم وصف الممارسات في هذا الاستاد بأنها "خطيرة جدا" من قِبل قاضي التحقيق البريطاني الذي تولى التحقيق في حادثة وفاة عامل بناء بريطاني يدعى "زاك كوكس" الذي سقط ميتًا هناك عام 2017.

 سكن العمال الذي توفي فيه روبشاندرا رومبا

وفي يونيو الماضي، توفي عامل من دولة نيبال الآسيوية، 24 عامًا، يدعى "روبتشاندرا رومبا"، بأحد معسكرات العمالة في ضواحي العاصمة الدوحة، والذي كان يعمل في استاد المدينة التعليمية.

وبعد ستة أشهر تقريبًا من وفاته، وأكثر من شهرين منذ أن كشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية عن محنتها، لم تتلق زوجة "رومبا"، نيرمالا باكرين، أي تعويض من السلطات القطرية.

وتقول "باكرين"، وهي جالسة في غرفتها الصغيرة في ضواحي العاصمة النيبالية كاتماندو، وصور زوجها على جدران الغرفة، إن ابنهما "نراج" البالغ من العمر ست سنوات يعاني من أجل قبول أن والده لن يعود إلى المنزل؛ حيث أنه "ما زال يسأل: أين والدي؟ لماذا لا يهاتفني؟، "متى سيأتي؟".

وأضافت "باكرين" أن مديرة الشركة التي كان يعمل من خلالها "رومبا" كانت تضغط عليها لقبول دفع 7000 ريال قطري، خلال الأسابيع الأخيرة. وعبرت عن شعورها بالخوف، قائلة: "أنا قلقة على سلامتي، لأن الشركة تستخدم لغة التهديد".

 نيرمالا باكرين مع زوجها وابنها نراج

ورفض شقيقها "براديب باكرين" العرض قائلًا: "علينا الكفاح من أجل ما هو صحيح؛ فإذا قبلنا هذا، فإن الأسر الأخرى ستعاني".

من جهته، يقول "نيك ماك جيهان"، مدير شركة (Fair / Square Projects) والخبير في مجال العمال المهاجرين في الخليج: "يبدو أننا نواجه هذا الوضع المروع؛ حيث تحصل أسر العمال الذين ماتوا على تعويضات ساخرة أو لا شيء على الإطلاق من قطر، مضيفا أن اللجنة العليا، وهي الهيئة المنظمة لكأس العالم للأندية، الذي يبدأ الأربعاء المقبل، يجب أن تتحمل مسؤولية الوفيات غير المبررة للعمال الذين يقومون ببناء ملاعبها وتعويض عائلاتهم.

وقد دعم "بيتر مور"، الرئيس التنفيذي لفريق ليفربول، "ماك جيهان" في خطابه اليوم الثلاثاء قائلاً: "نحن نؤيد تأكيدك على وجوب التحقيق في أي وفيات غير مبررة بشكل شامل وأن الأسر الثكلى يجب أن تحصل على العدالة التي تستحقها".

وبحسب "الجارديان"، فإن قضية "رومبا" ليست هي الوحيدة؛ فقد توفي ما مجموعه 11 عاملا في ذات الاستاد خلال عام 2018، وفقا للجنة العليا. ومن بين هذه الوفيات، تم وصف 10 حالات بأنها "لا علاقة لها بالعمل"، ويعزى معظمها إلى فشل القلب أو الجهاز التنفسي المفاجئ وغير المبرر. ولم يتم نشر بيانات عن عدد وفيات عمال هذا الملعب خلال العام الجاري 2019.

وفي العام الماضي، تحدثت "الجارديان" إلى أسر خمسة من عمال الاستاد المتوفين، بمن فيهم "رومبا". يقول اثنان إنهم لم يتلقوا أي تعويض من قطر. الثلاثة الآخرون حصلوا على تعويضات فقط بعد أن كشفت الصحيفة البريطانية عن حالاتهم المأساوية العام الماضي.

يقول جوهور إسلام، الذي توفي صهره، "مونجورول إسلام"، 28 عاماً، وهو عامل استاد من دولة بنجلاديش، في أغسطس 2018: "الناس مثلنا لا يمكنهم أن يأملوا في الحصول على تعويض".

بدوره، قال متحدث باسم اللجنة العليا في بيان أنه في معظم الحالات، يتم دفع التعويض فقط عندما يموت العامل في حادث مرتبط بالعمل. وفي حالة الوفيات غير المرتبطة بالعمل، "تضمن اللجنة العليا لمقاولينا دفع الرواتب النهائية، ومكافأة نهاية الخدمة".

وتابعت جماعات حقوق الإنسان مشاركة ليفربول في هذه البطولة؛ ويعتقد "مينكي ووردن"، مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، أنه يتعين على لاعبي ليفربول وإدارتها رفع هذه الانتهاكات والمطالبة بالإصلاحات، قائلا: "على ليفربول والفرق الأخرى التي تلعب في قطر أن تدرك أن العمال المهاجرين قد ماتوا لبناء هذه الملاعب التي يلعبون بها، ويجب التحدث في كل مناسبة للإصرار على أن هؤلاء الضحايا محميون".

وفي الشهر الماضي، خلال مقابلة مع القناة التلفزيونية للنادي، قال "مور" إن النادي "بذل قصارى جهده" لفهم القضايا في قطر"، مضيفا "نحن لسنا منظمة سياسية وليس مكاننا ولا طموحنا الذهاب من بلد إلى آخر لفرض قيمنا ومعتقداتنا على الآخرين".

 عمال باستاد خليفة الدولي في الدوحة

وعلقت "الجارديان" على ذلك قائلة، قد يكون ذلك بمثابة أخبار سيئة لعائلة "منجرول إسلام"؛ حيث يقول "جوهور إسلام" إن صهره دفع لموظف توظيف ما يقرب من 500 ألف تاكا بنجلاديشي لتأمين وظيفته في قطر، وهي رسوم لا يستطيع تحملها إلا عن طريق بيع أرضه والحصول على قروض.

وعده الموظف براتب مربح، لكن راتبه الأساسي لم يكن سوى 600 ريال قطري في الشهر، كما يقول "جوهورول"، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور، والذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه غير كاف.

ويضيف "جوهورول" أن صاحب العمل المباشر بالشركة التي كان يعمل من خلالها "منجرول"، وهي إحدى أكبر شركات المقاولات في قطر، لم يقدم أي تعويض، و"لم يدفعوا حتى كل الراتب والبدلات المستحقة له".

وتابع "جوهورول" خلال حديثه عن "منجرول": " كنت قريبًا جدًا منه، لم يكن لديه مرض، تقول شهادة الوفاة إنه توفي بنوبة قلبية، لكنني ما زلت لا أصدق ذلك".

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنه لديه سبب وجيه للشك؛ ففي أكتوبر الماضي، كشفت "الجارديان" أنه في الغالبية العظمى من الحالات، لا تجري السلطات القطرية فحوصات بعد الوفاة، مما يجعل من المستحيل تحديد سبب الوفاة بدقة. وتشير شهادات الوفاة بشكل روتيني إلى أن العمال يموتون بسبب فشل الجهاز التنفسي أو القلب- أي أسباب طبيعية-، ولكن مثل هذه التفسيرات لا معنى لها، وفقًا لعالم الأمراض الشرعي البريطاني، "ستيوارت هاميلتون" الذي يقول: "إذا قدم لي أخصائي علم أمراض متدرب هذه الاستنتاجات، فسأخبره بالرحيل والقيام ببعض الأعمال الإضافية".

ووجدت "الجارديان" أن العديد من وفيات العمال المهاجرين في قطر من المرجح أن تكون مرتبطة بحرارة الصيف القاسية، حيث ترى العمال يكدحون في درجات حرارة تصل إلى 45 درجة مئوية بانتظام.

يمثل عدد العمال الذين يموتون كل عام خلال تشييد ملاعب كأس العالم 2022 مجرد جزء بسيط من إجمالي عدد وفيات العمال المهاجرين في قطر؛ حيث يعمل أقل من 2٪ فقط من القوى العاملة المهاجرة في قطر في ملاعب كأس العالم، لكن عشرات الآلاف يعملون في البنية التحتية في إطار الاستعدادات لهذه البطولة، بما في ذلك بناء الفنادق والسكك الحديدية والطرق.

اقرأ أيضاً: الفيفا يعلق على توقيف "بلاتيني" للتحقيق في حصول قطر على مونديال 2022

وتكشف البيانات الحكومية من الهند ونيبال وبنجلاديش عن الحجم الحقيقي لعدد القتلى في قطر؛ فقد مات ما لا يقل عن 1025 عاملاً من نيبال بين عامي 2012 و 2017، 676 منهم لأسباب تعتبر "طبيعية". وفي عام 2018، توفي 149 عاملاً من بنجلاديش، مع وجود 107 حالة وفاة تم تصنيفها على أنها "طبيعية". وبين عامي 2012 و أغسطس 2018، توفي 1678 عاملاً هنديًا. ومن هذه الوفيات، تم وصف 1345 حالة على أنها "طبيعية"- بمعدل أربعة في الأسبوع.

بدوره، قال متحدث باسم اللجنة العليا إن صحة وسلامة جميع عمالها لها "أهمية قصوى"؛ فتقوم اللجنة العليا "بالتحقيق في جميع الوفيات غير المرتبطة بالعمل والوفيات المرتبطة بالعمل على حد سواء، لتحديد العوامل المساهمة وإثبات كيفية الوقاية منها. وتتضمن هذه العملية جمع الأدلة وتحليلها وإجراء مقابلات مع الشهود لتحديد وقائع الحادث، وتقع مسؤولية التحقيق في الأسباب الكامنة وراء الوفيات غير المرتبطة بالعمل على عاتق السلطات المحلية ذات الصلة".

اقرأ أيضاً: الرئيس الباكستاني يعرض على قطر تأمين إسلام أباد لبطولة كأس العالم 2022

وفي بيان، قال متحدث باسم "الفيفا" إن الاتحاد، جنبًا إلى جنب مع شركائه المحليين، "ملتزمون تمامًا بحماية حقوق العمال" المساهمة في بناء ملاعب كأس العالم للأندية وكأس العالم 2022، مضيفا أنه "تم اتخاذ تدابير مهمة تركز على الصحة والسلامة وحماية العمال في مواقع بناء الملاعب".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً