اعلان

روسيا الماكرة.. موسكو تستغل غياب قوى "الناتو" وتسعى لإعادة مجد "السوفييت" في ليبيا.. "بوتين" يلعب على أوتار معركة طرابلس لتحقيق حلمه؟

بوتين
بوتين

استعرض الكاتب، جورجيو كافييرو، المدير التنفيذي لمعهد دراسات دول الخليج في واشنطن، في مقال له بعنوان "تأثير روسيا على الصراع الليبي المتصاعد"، دور موسكو في ليبيا وموقف أمريكا وتركيا من ذلك، متطرقا إلى نشاط مجموعة "فاجنر" الروسية شبه العسكرية هناك، متحدثا أيضا عن نفوذ روسي متنامي في هذا البلد العربي والمدفوع برغبة موسكو في إعادة مجد الأسلاف إبان عصر الاتحاد السوفيتي، كذلك تناول قرار المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، الزحف بقواته إلى قلب العاصمة وبدء حسم معركة طرابلس، موضحا تبعات ذلك ومدى فعاليته في تغيير ديناميات مناطق السيطرة في هذه المنطقة، وتناول كذلك كيف أن روسيا استفادت من الأخطاء الاستراتيجية للحكومات الغربية في ليبيا لزيادة نفوذها في الدولة الغنية بالنفط.

واستهل الكاتب مقاله بقوله "إن استغلال قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، للخصومات الجيوسياسية منح روسيا نفوذاً كبيراً في النزاع القائم في هذا البلد".

وقال: "بثت قناة "العربية" السعودية مؤخرًا خطاب الجنرال "حفتر" الذي أعلن فيه بداية "المعركة الحاسمة والتقدم نحو قلب طرابلس لتحريرها". وبعد أن أمر "حفتر" الجيش الوطني الليبي بالتقدم إلى قلب العاصمة لـ "حسم المعركة" التي استمرت ثمانية أشهر ونصف الشهر بعد إطلاق "عملية تحرير طرابلس"، لم يعد من الواضح كيف ستستمر الأحداث على الأرض. كانت هناك تقارير عن مغادرة الدبلوماسيين لطرابلس، مما قد يكون مؤشرا على أن القتال سيكون أكثر حدة".

وأضاف الكاتب: "ومع ذلك، فإن "حفتر" كان أصدر من قبل إعلانات مماثلة لم يتبعها أي نصر حاسم للجيش الليبي. وهذه المرة من غير الواضح أيضاً كيف أو إذا كانت ديناميات السلطة ستتغير نتيجة لتقدم قوات حفتر إلى قلب العاصم".

وتابع مدير معهد دراسات الخليج: "واستعدادًا لتصعيد كبير للعنف في الحرب الأهلية الليبية، التقى وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، الشهر الماضي، مع مسؤولين إماراتيين لمناقشة الأزمة. وعلى الرغم من محاولة "بومبيو" إقناع حلفاء الأمريكان الداعمين للجيش الليبي للضغط على "حفتر" للتخلي عن خطط الاستيلاء بقوة على طرابلس، يبدو من غير الواقعي أن تتخيل أن هذه الإدارة لديها القدرة على معالجة الملف الليبي دبلوماسيا بنجاح".

وأوضح الكاتب: "فمنذ أن بدأت رئاسة ترامب- بعد فترة وجيزة من إطاحة الجيش الأمريكي وشركائه المحليين بما يسمى "داعش" بمدينة سرت في نهاية رئاسة "أوباما"- لم تكن واشنطن لاعباً كبيراً في ليبيا. وطوال فترة ترامب في المكتب البيضاوي، لم تتلق ليبيا الكثير من اهتمامه".

وتابع: "علاوة على ذلك، فإن التناقضات والارتباك في سياسة واشنطن الخارجية تجاه ليبيا أضرت بمصداقية الولايات المتحدة. ومع اتخاذ حلفاء الولايات المتحدة - في كل من الناتو والمنطقة العربية- أطرافًا مختلفة في النزاع وحتى التدخل عسكريًا، قامت إدارة "ترامب" بالاستعانة بمصادر خارجية لتحديد سياسة أمريكا تجاه ليبيا وتجاه أبوظبي وباريس وروما والرياض".

ولفت الكاتب إلى أنه: "ومع ذلك، فإن المسؤولين في واشنطن يشعرون بالقلق بشكل متزايد إزاء التطورات الأخيرة في ليبيا التي تركت بعض الخبراء يخلصون إلى أن حفتر قد ينجح قريبًا في السيطرة على طرابلس خلال حملته العسكرية المستمرة. وربما يعود السبب الرئيسي إلى روسيا، التي دعمت "حفتر" بطرق مختلفة خلال الحرب الأهلية في ليبيا".

دور موسكو

واستعرض "كافييرو" النشاط الروسي في ليبيا وقال: "لروسيا مصالح عميقة في ليبيا تتصل بمجموعة من المجالات مثل الطاقة والاستثمار والأمن. وفي الوقت الذي يسعى الرئيس "فلاديمير بوتين" إلى مواصلة استعادة النفوذ في البلدان التي كان للاتحاد السوفييتي فيها نفوذاً كبيراً، فإن ليبيا واحدة منها دون شك".

وأضاف: "وعلى غرار استراتيجيات روسيا في العراق وسوريا واليمن، فإن موسكو مصممة على الاستفادة من الأخطاء الاستراتيجية للحكومات الغربية في ليبيا لزيادة القوة الروسية في الدولة الغنية بالنفط".

وتابع الكاتب في مقاله: "تلقى حفتر- الذي يعتقد الكرملين أنه كان حصنا ضد التطرف في ليبيا ما بعد القذافي- الدعم الروسي منذ أن تم تقسيم البلاد قبل خمس سنوات ونصف. ومع ذلك، فإن سياسة موسكو الخارجية تجاه ليبيا كانت دقيقة".

وأشار إلى أنه "في السنوات الأخيرة، وفي الوقت الذي عززت فيه حكومة "بوتين" قنوات الاتصال مع الجيش الوطني، حافظت حكومته أيضا على قنوات دبلوماسية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس. لكن موسكو انضمت مؤخراً بشكل أوثق إلى حفتر، على الأقل حتى الآن".

واعتبر الكاتب أنه "على الرغم من أن الدعم الروسي لحفتر قد يكون بشكل أساسي دعم تبادلي وربما مؤقتًا، إلا أنه أحدث فرقًا كبيرًا على مدار الأسابيع الأخيرة. وفي الواقع، ساهمت الأسلحة والمرتزقة من روسيا في مكاسب حفتر الأخيرة وزادت من احتمالات نجاح الجيش الوطني الليبي في السيطرة على طرابلس".

ولفت إلى تصريح كاتب آخر في هذا الشأن قائلا: "وكما كتب "فريدريك وهري" من مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" الأمريكية مؤخرًا، في إشارة إلى المعارك المستمرة في ليبيا: "صواريخ روسية مضادة للدبابات، صاروخ الكورنيت اللعين، ثعبان بين سواتر رملية لحرق هدفه بدقة مدمرة".

حفتر يستغل المنافسة الجيوسياسية

وأشار الكاتب إلى القلق الأمريكي من التواجد الروسي في ليبيا قائلا: "بعد أن لاحظوا الإنجازات العسكرية الروسية في سوريا والشراكات المتنامية لموسكو مع الدول العربية المتحالفة تقليديًا مع الغرب، ينظر الدبلوماسيون الأمريكيون و المشرعون الأمريكيون إلى استعراض روسيا عضلاتها في ليبيا بقلق بالغ".

وأوضح :"ففي الشهر الماضي، أدانت وزارة الخارجية الأمريكية بشدة هجوم "حفتر" غربًا على طرابلس، وطالبت الجيش الليبي بالتوقف واتهمت "حفتر" بالتنسيق مع مجموعة "فاجنر" الروسية واعتبرت ذلك انتهاكًا لسيادة ليبيا".

ورأى الكاتب أنه "وحتى كتابة هذا المقال، يحث المشرعون من الحزبين في واشنطن على إصدار تشريع لمعاقبة مرتزقة روسيا المتورطين في النزاع الليبي". إن "حفتر" يدرك تمامًا مخاوف واشنطن من الدور الروسي المتزايد في ليبيا. ويفهم أيضا كيف توفق ليبيا في علاقاتها بالغرب وبروسيا التي تتنافس من أجل النفوذ في شمال إفريقيا".

وقال: "طوال هذا الصراع، لعب حفتر- على غرار الحرب الباردة التقليدية- مع واشنطن في جانب واحد، ضد موسكو وبكين من الجهة الأخرى لكسب النفوذ. وفي وقت سابق من الحرب الأهلية في ليبيا، عندما سأل "وهري" حفتر عن المدة التي سيستمر فيها قتال الجيش الليبي ضد قوات الوفاق، أجاب الجنرال (وهو مواطن مزدوج الجنسية، يحمل الجنسيتين الليبية والأمريكية): "هذا يعتمد على مقدار المساعدة التي نحصل عليها، فقد عرض الروس والصينيون مساعدتنا، لكننا ننتظر أمريكا".

وأضاف: "بغض النظر عن كيفية تطور الحرب الأهلية في شمال أفريقيا خلال الفترة المتبقية من هذا العام وحتى عام 2020، فإن الرهان الآمن هو أن هذا الصراع سوف يصبح نقطة تحول متنامية في المنافسة بين أمريكا وروسيا على النفوذ والقوة الجيوسياسية والثروة في أفريقيا و العالم العربي".

وأوضح: "فبعد أن تركت العديد من زعماء العرب مقتنعين بأن روسيا "أنقذت" بشار الأسد ونظامه في دمشق، فمن المحتمل أن تلعب موسكو دورًا في تغيير اللعبة في ليبيا أيضًا أو على الأقل ستكتسب هذا التصور في المنطقة. ومن خلال مساعدة "حفتر" في تحقيق أهدافه في ميدان المعركة، تظهر موسكو بذلك المزيد من النوايا الحسنة مع بعض حلفاء واشنطن العرب المقربين الذين يعتقدون بأن الجيش الليبي هو الممثل الليبي الذي يستحق الدعم الخارجي. ويمثل هذا استمرارًا لاستراتيجية روسيا المتمثلة في الاستفادة من دق أسافين بين أمريكا وبعض شركائها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

اقرأ أيضاً: بومبيو: أمريكا تريد التعاون مع روسيا لإنهاء الصراع في ليبيا

واعتبر الكاتب في مقاله أنه "في الواقع، تريد موسكو من الدول العربية أن تنظر إلى روسيا باعتبارها وسيط قوي وتاجر السلاح لأولئك المتورطين في أشد الصراعات سخونة في المنطقة. وعلى نفس المنوال، ستحتاج موسكو إلى النظر في الدور الذي تلعبه تركيا في ليبيا كداعم لحكومة طرابلس المعترف بها في الأمم المتحدة. وإذا قوبل الدعم الروسي المتزايد لحفتر بدعم تركي أقوى للوفاق، فقد يجد الكرملين نفسه متورطًا في صراع يضع موسكو وأنقرة ضد بعضهما البعض".

اقرأ أيضاً: المبعوث التركي إلى ليبيا: تركيا مستعدة لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا

ورأى الكاتب أنه "على الأرجح أن تركيا- وليست أمريكا- ستكون العضو في حلف الناتو الذي يبذل قصارى جهده للضغط على روسيا وأجندة الكرملين في ليبيا، على افتراض أن موسكو تواصل تزويد حفتر بمثل هذا الدعم".

اقرأ أيضاً: سراج التاروغي: تركيا تعرف أن مصر لن تسمح لها بالتدخل العسكري في ليبيا

واختتم الكاتب مقاله بقوله: "في حالة قيام تركيا بنشر قوات عسكرية في ليبيا، ستحتاج روسيا إلى اتخاذ قرارات صعبة ولكنها أساسية حول الطريقة التي تريد موسكو من خلالها التعامل مع حفتر".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً