اعلان

سبوبة المقابر.. «5 نجوم» للبهوات.. و«الصدقة» للفقراء (صور)

تحت الأرض تتساوى الرؤوس، الملك يحاسب وكذلك الصعلوك، حيث لا فرق بين غنى وفقير، وصاحب منصب وجاه وبين بائس ضعيف، فقط تفرق الأعمال فى النتيجة النهائية، هنا تكمن «قدسية الموت»، لكن فى الآونة الأخيرة اعتبر البعض الموت وسيلة للتفاخر والتباهى بالثراء والحسب والنسب، فراح البعض يشيد قبور موتاه بكل أنواع الترف والزخارف المخالفة حتى للشرع ، فى الوقت الذى يدفن فيه الفقراء فى قبور الصدقة ويهال عليهم التراب فى قبر غير متكلف وفقاً للسنة النبوية.

«أهل مصر» رصدت ظاهرة الغلو فى بناء المقابر وتزيينها "سوبر لوكس"، وما تسبب فى ارتفاع أسعار المقابر لأرقام فلكية، ظاهرة أصبحت سبوبة وبيزنس يحقق الأرباح السريعة، كما أخذت رأى الشرع فى تلك الظاهرة.. التفاصيل فى الملف التالي...

ـــــ أثرياء المنيا يدفنون موتاهم فى «فيلات»القباب التى تحمى عظام الموتى تنتشر بشكل كبير بمختلف قرى ومراكز محافظة المنيا، نظراً لكونها غير مكلفة وفى متناول جميع البسطاء وسريعة الإنشاء قد يستغرق 24 ساعة فقط، ويلجأ الفقراء بالمناطق الريفية إلى دفن موتاهم داخل المدافن المعدة سلفاً من قبل الآباء والأجداد، المشيدة من الطوب اللبن.على العكس تماماً يلجأ عدد من الفقراء ممن يقطنون بالقرب من المناطق الجبلية بالظهيرين الصحراوى الشرقى والغربى إلى الاعتماد على بناء مدافن موتاهم باستخدام الطوب الحجرى "الطوب الأبيض" و الذى يعد من أسهل الخامات الحجرية وأرخصها بمحيط معيشتهم، لكون طبيعة البيئة الصحراوية تحيطهم من كل جانب . الصيحة الجديدة التى ظهرت بمحافظة المنيا هى تصميم منازل مشيدة تشبه فى صنعها الفيلات التى تصنع للأحياء على وجه الأرض، لكنها صنعت هذه المرة لمدافن الأغنياء بمختلف القرى والمراكز بالمحافظة ، وتحولت المدافن إلى قسمين أحدهما للفقراء، مشيداً من الطوب اللبن و قسم آخر للأغنياء "5 نجوم"، بنيت خصيصاً ليرقد بها جسد من يملكون المال فى الدنيا.

لم تقتصر المقابر الفخمة على الأغنياء فقط بل ظهرت فى السابق حينما دفنت السيدة "هدى شعراوى" زوجة "على باشا شعراوى" أحد مفجرى ثورة 1919 وهى ابنة محافظة المنيا، والتى دفنت بمقابر والدها بالدور الثانى فى مدفن مشيد و مزخرف يكاد الناظر إلى تلك المدافن يصفها بالقصور الفريدة المزخرفة .انتشرت مدافن الصفوة بين عامة الأغنياء واحتلت أضرحة أولياء الله ومقامات من ينتمون للطرق الصوفية المرتبة الثانية التى تنتهج نهج الأغنياء فى دفن موتاهم داخل منازل مزخرفة، الأمر الذى يعمل على الحفاظ على تلك الأضرحة من الإنهيار كسابق عهدها حينما انتشرت المدافن المصنوعة من الطوب اللبن.من جهته يقول الشيخ محمد محمود أبو حطب، وكيل وزارة الأوقاف، تعليقاً على الظاهرة إنه لا يجوز دفن الموتى فى الأدوار العلوية مثلما ظهر حديثاً والتى يلجأ إليها البعض فى دفن موتاهم، لافتاً إلى أن دفن الموتى بالأدوار العلوية يعد مخالفة للشريعة .وأضاف وكيل وزارة الأوقاف أنه يجب دفن الموتى بالأرض من أجل تحلل الجثة، وليس دفن الموتى بأدوارعلوية بالمخالفة للشرع.

ـــ رحلة البحث عن «قبر» في القليوبيةفى الوقت الذى يعانى فيه المواطن المصرى من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، حتى أكل بعضهم من فتات القمامة، يوجد أشخاص آخرون يصرفون ببذخ على تشييد المقابر وتزيينها، مخالفين تعاليم السنة النبوية، فقد روى مسلم رحمه الله من حديث جابر رضى الله عنه قال : "نهى رسول الله أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه" ولأن ذلك نوع من أنواع الغلو فوجب منعه.وتعد أسعار مقابر الأثرياء بالقليوبية أغلى من بيوت الفقراء، حيث تشطب مقابر الأغنياء "سوبر لوكس" وتكون واجهتها من السيراميك، بينما بسطاء المحافظة يعيشون فى عشش وعلب من الصفيح.وتزيد وتنقص أسعار أرض المقابر، حسب المساحة وشكل التشطيب الخارجى وإطلالتها على الشوارع الرئيسية والجانبية، حتى بلغ ثمن الحوش أكثر من 300 ألف جنيه فى بعض المناطق المختلفة.

يقول باسم "الصياد"، «الناس مش لاقية تاكل وفى ناس غلابة كتير وأكثر حاجة تستفز مشاعر المواطنين الغلابة هى التكلفة الباهظة على بناء وتشطيب المقابر، والتى تصل120 ألف جنيه للمقبرة الواحدة، فى الوقت الذى يوجد أناس أحوج ما يكونون لربع هذه المبلغ».واستنكر "محمود على"، موظف، إنفاق آلاف الجنيهات لتشطيب مقابر ،على الرغم من أن الدفن الشرعى يكون أسفل التراب، فيما نهت الشريعة عن تعلية القبور، ناهيك عن المقابر العالية، مشيراً إلى أن ذلك قد يجلب السخط حتى على الميت نفسه.وتسائل "على" أين يدفن الفقراء موتاهم بعد ارتفاع أسعار القبور؟ مجيباً نفسه هل يحرقونم كما تفعل بلاد أخرى؟ .

ومن جانبه قال الشيخ محمود أبو حسبة وكيل وزارة الأوقاف بالقليوبية "تعلية القبور فى البناء وزخرفتها من أشد ما نهى عنه النبى صلى الله عليه وسلم، مضيفاً أن تشييد المقابر بتلك الصورة المستفزة بدعة مكروهة ومخالفة للسنة، مشيراً إلى أن قبور الصحابة رضى الله عنهم كانت تحت الأرض دون زخرفة أو مغالاة.ــــ لا كرامة لميت فى الدقهليةفى الدقهلية توجد أماكن بنيت كالقصور، يعتقد مالكوها أنهم يجلسون بداخلها ويترفهون بعد موتهم، مبانِ تشع منها الفخامة ومظاهر الثراء ، تسمى بالمقابر، فيما يعجز الفقيرعن شراء أمتار قليلة ليوارى موتاه.يتباهى الأغنياء فى مدن وقرى محافظة الدقهلية ببناء مقابرهم بأسعار باهظة ويتم إنشائها على هيئة قصور، وتسبب تكلفة بناء مقابر الأغنياء فى ارتفاع أسعار الأراضى المخصصة لبناء المقابر.

ففى مدينة المنصورة أتجه الأغنياء إلى بناء المقابر والتى يقوموا بتشطيبها بالسيراميك والرخام والجرانيت أحياناً، يتم تعيين عامل مخصص للمقبرة الذى يقوم بتنظيفها يومياً وقص الأشجارالمتواجدة بداخل وخارج المقبرة وريها بالماء.أما الفقراء فقد وصل بهم الحال إلى شراء مدافنهم بالتقسيط ، ومنهم من يوصى بدفنه فى مقابر الصدقات من أجل ان يضمن له مكان يدفن بداخله. يقول حمزة خالد، أحد أبناء مدينة المنصورة إنه يواجه هو وأولاده غلاء المعيشة بالكاد، بينما يشاهد قصور من رخام عندما يقصد قبر أبيه، مؤكداً أن الدين نهى عن التفاخر بالقبور. وأضاف خالد " تسبب تكالب الأغنياء على تشييد المقابر فى غلاء أسعار القبور، والتى وصل سعر القبر مساحة 3 أمتار إلى 20 ألف جنيه ويزيد عن ذلك بكثير، ولم يتمكن أحد من شراء له مقبرة بعد موته". 

وتابع :" لقد أوصيت بدفنى فى مقابر الصدقة أو فى أى مكان تحت الأرض، لأننى لم اتمكن من شراء مقبرة أو بناء المقبرة الخاصه بنا".أما حمدى على، فكان له رأى آخر فى بناء المقابر وأكد أنه من المقتدرين وقام ببناء المقابر الخاصة بعائلته بتكاليف تصل إلى 120 ألف جنيه، مؤكداً أن المقابر هى الحياة الخالدة فيجب أن يعيش الأموات الميسرين الحال فى أماكن تليق بهم، مؤكداً أن بناء المقابر بهذا الشكل لا يعتبر تباهياً لكنه فى رأيه تكريماً للأموات.

ــــ القبور.. تشعل «فتنة طبقية» بين الدمايطةلم يعد ارتفاع أسعار المقابر بدمياط هو الأمر الوحيد الذى يشغل بال المواطنين، بل أصبحت ظاهرة التباهى بالقبور هى الطاغية على عقول بعض الأهالى بالمحافظة، إلى جانب منافسة الجمعيات الخيرية على مستوى وتشطيب المقبرة بغرض جذب أكبر قدر ممكن من "الزبائن" .«أهل مصر» تجولت بين قبور الدمايطة لرصد تلك الظاهرة، وبالتحديد فى مقابر وسط المدينة، وفى الطريق استوقفنا محمد العش حارس المقابر، وقال إن المقابر هنا تنقسم إلى نموذجين الأول للتجار، والآخر لـ"الناس العادية"، مؤكداً أن العمل بهذا الأمر كان من قديم الأذل، ولكنه أصبح ظاهراً اليوم بشكل كبير.

وأسرد قائلا: «بشوف قصص كبيرة يعتبر بها»، كانت تلك الجملة تأكيداً على أن ما يراه هذا الحارس أكثر مما نظن ، بالرغم من محاولاتنا أن نعرف ما يدور بداخل منازل الدار الأخرة ، إلا أنه فضل الصمت مكتفياً بالإشارة إلى أن أبناء الأسر العريقة من دمياط باتواً يبحثون عن الوجاهة حتى فى الموت متابهين بمقابرهم كتباهيهم بالسيارات تماماً .تجولنا داخل القبور وكان الملفت أن هناك مقابر تعود ملكيتها لعدد من الجمعيات الخيرية والتى كانت سبباً فى انتشار تلك الظاهرة، فاهتمت تلك الجمعيات بالمظهر الخارجى للقبور دون النظر لنفوس المواطنين ، فقد حولت تلك الجمعيات الأمر إلى تجارة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.بل وتصارعت أيضاً على توفير قطع الأراضى اللازمة لبناء المقابر حتى لو كانت بالمخالفة لأحكام القانون.

"الغلابة بدمياط تعبانين أحياء وأموات» ..بهذه العبارة بدأ عصام عبد الرازق، أحد الأهالى حديثه، مؤكداً أنه لم يعد هناك من يهتم بالغلابة، لافتاً إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة، التى تمر بها البلاد تأتى بشكل كبير على هذه الطائفة، وأضاف قائلاً "لولا أجدادى كانوا شارين مقبرة من زمان ماكنتش عرفت أدفن أمى» ، ليصف بذلك الحالة التى آلت إليها مقابر المحافظة . فيما أوضحت "عطيات فهيد"، مدرسة، أن تلك المظاهر تؤثر سلباً على قيم وأخلاق الأجيال القادمة، قائلة «فقدنا القيمة والعظة من الموت بتلك المشاهد، فانصرف الجميع يسعى إلى شراء مقابر فخمة ، على حساب إهتمامه بما يتركه من إرث ثقافى لأبنائه» . وفى سياق متصل استنكر الشيخ بكرعبد الهادى، وكيل وزارة الأوقاف بدمياط التباهى بالمقابر الفاخرة، دون الاتعاظ بالموت، مؤكداً أن العمل يجب أن يكون خالصاً لله.وأضاف "عبد الهادى" أنه على الجمعيات الخيرية أيضاً الإهتمام أكثر بالأحياء، وأنه وإذا كان لابد من المشاركة ببناء القبور فعليهم مراعاة البعد الاجتماعى بين المواطنين، مؤكداً أن هناك من ينظر إلى المقابر وكأنها منزلاً سيعيش به غير مبالٍ عن ما قد يراه داخل هذا المنزل من حساب، فجاءت المظاهر على حساب الخوف من الآخرة، حسب قوله.نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً