اعلان

تحلم بلقاء وزيرة التضامن.. سيدة "رصيف الجيزة": القرآن ونيسي وظروفي الأسرية دفعتني للشارع

بابتسامة عريضة ووجه بشوش ينم عن رضا نفس رغم الظروف الصعبة التي تعيشها، السيدة التي اتخذت الشارع بيتًا لها ولحفيدها، وأصرت على ضيافتنا، عندما علمت برغبتنا في سماع حكايتها وإيصال صوتها لمن يهمه الأمر، لكن يتملكها اليأس، حيث باتت متأكده أنه لا شيء سيتغير وأنها تظل تقطن هى وحفيدها الشارع.

وغطى وجهها الأسى والرثاء لحالها رغم الارستقراطية التي تقطر من كلامها و'اتيكيت' تصرفها معنا ولم ينطق لسانها بالبوح إلا من باب الفضفضة.

افترشت السيدة وحفيدها مقعد خشبي على رصيف ممتد على الكورنيش المواجه لخلفية مجلس الدولة بالجيزة، الذي لم تجد غيره يأويها بعدما ترصد لها في كل دار مأزق وتراكمت عليها الديون ووقف سبيل كسب الرزق فلم تستطع أن تدفع الإيجار، وعندما سؤالها عما آل إليه، قالت إنها ولدت بشارع شبرا ميدان فيكتوريا لأب أرستقراطي وأم بسيطة لكنها تعرف والدتها جيدًا، لاستنكار أهل أبيها حال والدتها السيدة البسيطة التي لا ترقى لمستواهم الأمر الذي دعاهم يرحموها صغيرتها ويفهمونها أنها ماتت وهى صغيرة.

السيدة وحفيدها السيدة وحفيدها

تربت على يد جدتها صديقة هدى شعراوي و بنت الشاطئ فقد كانت جدتها من أوائل السيدات اللائي شاركن في تحرير المرأة وحضور جلسات الفكر والأدب ومن أوائل من خلعن البرقع مما دعا أهل زوجها الصعيدي 'جد السيدة الأرستقراطية' إلى تحريضه على تركها لخروجها عن طقوس الأدب والاحترام.

وروت أيضا أن من عادات الزمن القديم أن السيدات رغم امتلاكهم للعقارات أو الأعمال التجارية إلا أنها لا تباشرها بنفسها ويرجع الأمر لعائلها أو زوجها، وبانفصال جدتها عن جدها قامت جدتها ببيع أملاكها مترفعة عن إدارة مثل هذة الأعمال متحسرة سيدتي على ذلك بجملة 'مكنتش تعرف إني هنام في الشارع'.

السيدة وحفيدها السيدة وحفيدها

ارتادت هذه السيدة مدارس اللغات ومارست الحرية اللتي طالبت بها جدتها وذلك بممارسة الهوايات التي أحبتها منها الصيد والتصوير السينمائي وتوقفت في سن السابعة عشر بحكم الزواج والبيت، وانجبت فتاة أغدقت عليها حسن التربية والتعليم حتى أوصلتها للتخرج من الجامعة الأمريكية ودراسة الهوايات بأكاديمية الفنون أيضا ثم أحبت الفتاة الصغيرة وهنا كشر الزمن عن أنيابه ولم يرحم.

السيدة وحفيدها السيدة وحفيدها

وقعت السيدة الأرستقراطية وبنتها أسرى خديعة زوج البنت الذي رسم دور الشخص الجان والشيك والراقي وصاحب العلم وشهادات الدكتوراه، حتى حدث ما حدث وتزوجوا.

وما إن تم عقد القران ولم تلعق من شهور الزواج الأولى عسلها حتى تفاجئت الأم وبنتها أن هذا الرجل متعدد الزوجات والأبناء وسئ الخلق والطباع، وقبل أنا تحقق الأم رغبتها في انفصال ابنتها بادرتها الأبنة بحملها ورغم ذلك تم الانفصال لاحقًا وكان هذا الحمل الذي نتج عنه ابن هو سبب كل الأزمات التي حطت على السيدة الأرستقراطية ، فعندما بلغ الابن الرابعة من عمر سافرت أمه إلى أبيها لترعاه في مرضه خارج مصر واستقر الطفل مع جدته السيدة الأرستقراطية ورغم بعدهما عن أهل الطفل هم لم يتركهم لحالهم وحاول زوجات الأب ومازلن مستمرين في محاولات التخلص من الطفل وتضيق الخناق عليه وعلى جدته طمعا في الإرث المستقبلي حتى يحوز عليه أطفالهم فقط وكانت أشكال المضايقات تسليط البلطجية على الطفل والجدة ومتأريقهم في السكن وتهديدهم بالخطر بكهربة حوائط الشقة التي كانت تدفع الجدة أقساطها للإسكان فطلبت تغيير السكن وتم الرفض مما اضطرها ذلك لترك الشقة، وبسبب عدم الاستقرار لم تستطع الجدة العمل فترتب عليه عدم دفع أقساط الشقة.

السيدة وحفيدها السيدة وحفيدها

استدانت سيدتي الارستقراطية لتحصل على بضاعة تنتج منها ما امتهنته يداها من اكسسوارات وحلي وصناعات يدوية وحيك ملابس لكن أيضا لم يتركها زوجات الأب لحالها فيقومون بتسليط الجيران عليها لمضايقتها حتى 'التطفيش' وكل سكن يحمل منهم ذكرى فسبب الأفعال التي تحدث والتي كان ضمنها إلقاء ثعبان كبرى على منزلهم يتركون أشيائهم ورائهم فاريين بحياتهم ولضيق الحال أكثر أضطرت الجدة لأن تسكن بمنطقة أخرى فسلط عليها الجيران وأخذوا بضاعتها وماكينتها غصبا ولطمتها الأيام أكثر فأكثر حتى افترشت الشارع ليأويها عندما سئلتها عن مقومات العيش والغذاء أجابتني بكلمة 'أنا بتصرف' ولما ألحيت على معرفة طريقة التصرف فشرحت لي أنها تهتم جدا بافطار حفيدها وغذاه فتشتري له اللبن كل يوم وعندها البيض والدقيق فتقوم بصنع البان كيك بجانب كوب من اللبن ليكون وجبة الافطار وتقوم بشراء السبرتو واستغلال عبوة صفيح فارغة لمياة غازية لتكون موقدها.

وأشارت السيدة أنه لا أحد من الجيران يساعدها هي وحفيدها الذي يبلغ من العمر 12 عامًا، ويعيشون في ظروف قاسية، ويذهبون لقضاء حاجتهم بدورات المياه بالمساجد القريبة بالمنطقة، وينامون على كراتين، وأحدهم ينام ليلًا ويحرسه الأخر والعكس، فلا ينام الأثنين في وقت واحد خوفًا من أن يتعرضوا للسرقة أو يتعدى عليهم أحد البلطجية.

مكان نوم الست وحفيدها ليلًا مكان نوم الست وحفيدها ليلًا

واكتشفت أن هذا كله أيضا عن طريق الاستدانة فهي تأبى الصدقة وترى أن الصدقة تكون لمن ليس لهم حيلة مع الحياة وعدم القدرة على العمل أما هي وأثناء وقوفها على أعتاب الستين من العمر تتمنى رجوع ماكينتها وبضاعتها ممن أغتصبوها لتعاود نشاطها وعملها وتعول نفسها وحفيدها وعندما سئلتها عن أي قريب أو ونيس أو صديقة تلجأ إليها أو تساعدها فأجابتني أن ونيسها القرآن، فهو ما يفرج همها ويثلج صدرها والصلاة ما تهون عليها حالها، ولما اقترحت عليها أن تسافر لابنتها خارج مصر درءًا لمشاكلها مع زوجات أب الحفيد المترصدين لها.

السيدة وحفيدها السيدة وحفيدها

تصاعدت كلماتها بكل ثقة أن افتراش الرصيف في وطنها وبلدها أفضل عندها من الاغتراب خارج مصر فهمي ابنة هذة البلد ولا تعرف ملجأ سواها وعندما سئلتها عن احتياجاتها قالت أنها تتمنى العودة لشقتها وأن تستجيب وزارة الإسكان لها بتغيير سكنها ولو يكون لها معاش من التضامن يكفل لها حياة كريمة وأن تعود لها حاجاتها حتى تعاود العمل وتسدد ديونها وتعيش هي وحفيدها من كسب يدها كمان أنها ترغب في عودة حفيدها لسلك التعليم لأن ترصد زوجات ابيه له افقده هذا المسار التعليمي عند الصف الثالث الإبتدائي واستمت في إقناعها بكاتبة حكايتها ونشرها حتى تصل مطالبها للمسؤلين وتجد ما يمد يد العون لها ويرحمها من افتراش الرصيف وضياع حفيدها بلا مأوى أو تعليم فوافقت شريطة ألا نذكر اسمها.

السيدة بجوار المقعد الخشبي الذي تفترشه السيدة بجوار المقعد الخشبي الذي تفترشه

المقعد الذي تفترشه السيدة وحفيدها المقعد الذي تفترشه السيدة وحفيدها

مكان نوم الست وحفيدها ليلًا مكان نوم الست وحفيدها ليلًا

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً