اعلان

عبد المنعم عاشور يكتب: أمي.. شمس الدنيا وعافية البدن

عبد المنعم عاشور
عبد المنعم عاشور

يكبر الإنسان ويفهم ما يدور حوله أكثر، يكبر ويعلم أن الحب الباقى هو الحب دون مقابل، وأنه مهما بحث فلن يجد حبا صادقا سوى حب الأم، حب فطرى لا تستطيع رده ما حييت، دين يحاوطك أينما حللت وارتحلت، يكبر الإنسان ويتمنى زوجة وحبيبة مثل أمه، يظل باحثا عنها فلا يجدها، الأم لا تتكرر ولو جلست العمر كله تبحث.

أمي، الإنسانة التى تشرق فى قلبى دون غروب، هذه المرأة المصرية الأصيلة الطيبة التى خرجت من طين الأرض، الأمية التى لا تعرف القراءة والكتابة لكنها أصرت أن تضعنا على خريطة المتعلمين، فلم أر منها يوما إلا أنها كانت تسهر وتدعو الله أن يعوضها خيرا، جُل حلمها كان أن يصبح أبناؤها فى راحة بال وسعادة، كم سلبنا منها لحظات السعادة وكم أثقلنا عليها بحملنا ولم نجد منها سوى الابتسامة والرضا.

أربعة أبناء أكبرهم تخرج فى كلية الإعلام وأصغرهم فى الصف الأول الجامعى، تفخر بنا دوما، والحقيقة أننا من نفخر ولا نخفى فخرنا، نتحدث عن هذا بكل حب وراحة بال، أشهد الله أنها لم تحمل يوما ضغينة أو حقدا لأحد، وجهها البشوش وابتسامتها المعهودة هما كالماء لنا فى هذه الحياة، لم تتعلم ولكنها علمتنا أن الرضا بالقليل قناعة، وأن البركة أهم من الكثرة، تحمد الله على حالها ولا تدعو لنفسها بل دائمة الدعاء لجميع من حولها، وفية لأقرب الأقربين لها، لا تتكلم فيما لا تعرف، ولا تسأل فيما لا يعنيها.

أتذكر جدى وهو على فراش الموت يدعو لها ويقول لها "أنتى بنت حلال.. ربنا يباركلك فى أولادك"، عاشت معه 23 عاما صابرة خادمة له ولجدتى فلم تضجر يوماً، كانت تقول لى أنهما عندى أغلى من أبى وأمى اللذين أنجبانى، وتأثرت بوفاتهما تأثرا شديدا حتى سقطت مغشية عليها أثناء خروج جنازة جدى، أتعجب دائما من صبرها وتحملها، ولكنى أتعلم منهما الثقة فى الله عز وجل.

الابن دائما يرى أمه أجمل نساء الأرض وأنا هكذا أراها نعمة أنعم الله علينا بها، بحنانها، إيمانها، صبرها، ودعواتها، لم تفرق يوما فى المعاملة، حتى عندما كبرنا ما زلنا فى نظرها صغارا، تداعبنا كالأطفال، ضحكتها لا تفارق وجهها، دعواتها سهلة بسيطة "ربنا يحبب فيك خلقه"، "ربنا يوعدك بولاد الحلال"، دعوات بسيطة لا تحمل فلسفة ولا تورية تصعد إلى السماء دون حجاب فتسرى فى أجسادنا دون مجهود منا.

أمى عندما تبتسم تجرى فى عروقى الدماء، أعيش لها ومن أجلها لسعادتها وراحتها، أمى شمس للدنيا وعافية للبدن وراحة للجسد..هى زادى وقت أن أجوع، هى كالماء وقت أن يشتد بى العطش، هى ملاذى وقت الضيق، هى راحتى عندما أفكر فى الابتعاد والعزلة.. أمى ليس لها يوم عيد، لها عمرى كله أهبها له ولا أبالي.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً