اعلان

حياتنا: كيف نبني شخصيتنا؟ وكيف نتعامل مع الآخرين؟

حازم سالم
حازم سالم

’الذات‘ و’الآخر‘ هذه الجدلية التي لا تنتهي أبداً... هي إشكالية كل واحد فينا حين يجد نفسه وسط الآخرين، بدايةً من الأسرة، ووصولاً إلى المدرسة والجامعة والمجتمع الأوسع، ثم مكان العمل، وحتى نصل إلى كل مكانٍ نتواجد فيه، وكل تجمّع به أشخاص من البشر، وكل ممارسة وفعل وحركة وتعامل نقوم به مع الآخرين.

قليلٌ جداً جداً من الناس من يستطيع تعريف ذاته بشكلٍ صحيح والتعامل بها ومن خلالها مع ’الآخرين‘... وقليلٌ من الناس من استطاع تحقيق التجانس بين ’الذات‘ و’الآخر‘، وبين طموحاته وهمومه ومشاغله ومطالبه ورغباته الشخصية وبين ما يتطلّبه التعامل مع الآخرين من كبحٍ لهذه الطموحات وترويضٍ لهذه الرغبات وتجاوزٍ لتلك الهموم.

إن ’الذات‘ الواعية الواثقة من نفسها والعارفة بمهمتها في الحياة ورسالتها بين الناس هي ذاتٌ غير شائعةٍ بين الناس وهي قليلة التواجد ونادرة الحدوث، لأنها حتى إذا وُجدت وتحققت لن تستطيع بالضرورة أن تحافظ على كيانها وقيمها والمثُل التي تعتقدها والغايات النبيلة التي تسعى إليها ولن تستطيع الحفاظ على توهجها ونورها وسط موجات اللامبالاة والعبثية والممل والضجر وكذا المنافسة والكراهية والحقد التي قد تندفع من حولها وتوفرها نفوس ’الآخرين‘ من حولها.

إن ’الذات‘ و’الآخر‘ إشكالية تصير أعمق تأثيراً وأخطر أثراً إذا ما تحدثنا عن ’الذات‘ الجماعية والهوية الجامعة لعدد من التاس ذوي خصائص محددة لا يقبلون بغيرها ولا يقبلون من لا يمتلكها، من حيث أنهم يجدون أنفسهم يعيشون في مجتمع متجانس ومتوافق خاصٌ بهم ومنغلقٌ عليهم؛ مجتمع منغلق على ’ذاته‘ يواجد من ليس عضواً فيه ومن ليس يدين له بالولاء على أنه ’الآخرون‘، وعلى أساس يراوح بين فلسفة ’الجحيم هم الآخرون‘ وامتداداتها المعاصرة القائلة بأن ’العدو هم الآخرون‘.

إن مشكلة ’الذات‘ و’الآخر‘ هي عدم اعتراف هذه ’الذات‘ بذلك ’الآخر‘، وعدم قبول أن ذلك ’الآخر‘ هو أيضاً ’ذات‘ إنسانية لها أفكارها ومشاعرها وانفعالاتها، ولها إيجابياتها وسلبياتها، وبالتالي إدراك أن تلك ’الأنا‘ أو ’الذات‘ التي أنت تراها على أساس أنها هي ’الآخر‘ المختلف عنك هي بالنسبة لكل ’ذات‘ أخرى هي ’الآخر‘ كما أنها هي ’الذات‘ في نفسها. أنا ’الذات‘ بالنسبة لي، وأنت ’الذات‘ بالنسبة لنفسك؛ وأنا هو ’الآخر‘ بالنسبة لك، وأنت تكون ’الآخر‘ بالنسبة لي. إذن أنت ’ذات‘ لنفسك و’آخر‘ لغيرك، كما أن الآخرين ’ذوات‘ لأنفسهم و’آخرون‘ بالنسبة لك.

إن حدوث الاعتراف المتبادل بين ’الذات‘ و’الآخر‘ (اعتراف ذاتي أنا بالذات الأخرى للإنسان الآخر) والاعتراف بإنسانية هذا ’الآخر‘ وحقه في أن تكون له ’الذات‘ الخاصة به الذي يوازي ويساوي حقي في ذلك هو أول السبيل ومسار الطريق وغاية التحرك والحراك من أجل التواصل بين البشر، وكذا التفاعل والتكامل والتعاون، ومن ثم التعارف فيما بينهم (لتعارفوا). إنه بداية الطريق لكي نعرف أنفسنا، ونعرّفها ونعترف بها، ومن خلالها، نعرف الآخرين ونعترف بهم ونتعارف عليهم، وبالتالي نستطلع أول خطوات الطريق نحو حل المعضلة الكبرى: كيف نتعامل مع الآخرين؟

* * * * *

بالقطع هناك سؤال وجيه لابد أن نوجهه لأنفسنا لأن الكثير منا لم يحسم الإجابة عليه بعد، هو: كيف نتعامل مع الآخرين؟ هل نتعامل معهم بحُسن النيبة أم بالاحتياط والحرص والتدقيق والانتباه؟ هل نتعامل معهم بالمبادرة إلى تقديم المعونة والمساعدة، أم ننتظر حتى نرى إذا كانت هذه المعونة وتلك المساعدة سوف يتم مكافأتها بمثلها أو سيتم تجاهلها وإنكار جميلها؟ هل نتحسّب عند التعامل مع الآخربن من أن نكون في غاية الكرم والبذل، ثم نشعر بخيبة الأمل ونردد عبارة "اتق شرّ من أحسنت إليه"؟ أم نعمل الخير ونترك جزاءه على الله (لأننا قطعاً لن نرميه في البحر، بل نضعه بين يدي الله)؟

هل على الرجل/ الرجال أن يثق بالمرأة/النساء أم العكس؟ هل نثق أم لا ونحن نسمع فريقاً مهماً من النساء يحذّر النساء من الرجال، وفريقاً آخر من الرجال يحذّر الرجال من النساء؟ هل نتعامل بالفضل أم بالعدل؟ بالكرم أم بالمنحة المحسوبة؟ هل نكون على طبيعتنا أم نصنع لأنفسنا صورة image نريد أن نظهر بها بين الناس؟

سهلٌ أن تجد هذه الأسئلة من يُجيب عليها بمنطق الحذر والتحوّط وعدم الانصياع وراء حُسن النية، وعدم افتراض الخير الكامل في الآخرين، وافتراض أن كلّ طرف وكل شخص وكل ما هو آخر لديه خطة، واستراتيجية، وأجندة، ومصالح، ووجه آخر غير الذي يُظهره لنا.. وسهلٌ أيضاً – وإن كان ليس بنفس الدرجة - أن تجد هذه الأسئلة من يُجيب عليها بمنطق المبادرة إلى الخير، والتوكّل على الله، وحُسن الظن بالغير؛ لأن بعض الظن إثم، ولأن الحث على المبادرة أفضل من التردد والمراوحة في المكان بسبب الشك والقلق وعدم الثقة في الناس.

إن الحل طبعاً لهذه المعضلة يبدأ بالإقرار بأن الاتجاه إلى هذا الطريق أو ذاك الطريق هو طبعٌ لدى معظم الناس... وأن من أصابه الأذى من حُسن النية، وتقديمها على الشك والحرص والتحسّب والانتباه، سوف يتجه بقوة - في الغالب وليس دائماً - إلى الاتجاه المضاد. وعلينا الإقرار كذلك بأن كل إنسان يعطي للآخرين انطباعاً بأنه من أصحاب هذا الاتجاه أو ذاك، مما يجعل الآخرين – في الغالب وليس بالضرورة الحتمية - يتعاملون معه على هذا الأساس.

ومن المنطقي أن يبحث من يحاول الإجابة على هذا السؤال بشكل نظري عن "الطريق الثالث" وعن "الطريق الوسط"، الذي لا تفريط فيه إلى حدّ السذاجة، ولا إفراط إلى حدّ الشك والاتهام والتوجس والبارانويا. من المنطقي أن يقول أصحاب هذا الاتجاه أنه لابد من "مسار وسط" بين هذا وذاك، بحيث لا يؤدي أحد الطريقين إلى خسائر نلوم أنفسنا عليها، ولا يؤدي الطريق الآخر إلى انعزالنا وتقوقعنا واغترابنا عن الآخرين. وسيقول أصحاب هذا "الاختيار الوسطي" أيضاً أن نقطة الوسط بين هذا وذاك لابد وأنها تتحرك في المنتصف بين الميل إلى هذا الجانب أو ذاك الجانب يميناً ويساراً، وذلك حسب كلِّ حالةٍ، وكل شخصٍ، وكل ظرفٍ نجده أو نتوقعه أو نتعامل معه... وبين هذا وذاك، نجد أننا نكتسب الخبرة في الحياة، ونفرز الأصدقاء والزملاء والجيران والمعارف بين من يستحق منا هذه المعاملة، وبين من يستحق منا المعاملة الأخرى.

{ورجاءً أن تتكرموا علينا بآرائكم وتعليقاتكم حول هذه المسألة}

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً