اعلان

أن نعرف الآخر أولا... ثم نتفق أو نختلف

حازم سالم
حازم سالم

من الذي يخلق الحواجز أو الفجوات أو العوائق بين الإنسان والإنسان، وبين المجتمعات والمجتمعات؟... لعلها التصورات المسبقة والجهل بالآخر والحالة العدائية الموروثة، لعله التاريخ الذي نحمله عبر السنين أو من خلال خبرة التعامل المتراكمة من قبل. إن هذا السؤال، رغم أنه يحمل مضامين بلاغية أو إنشائية تجعلك تقبل هذا أو ترفض هذا، وتجعلك تريد تجاوز هذه الحالة، إلا أنه كذلك يبتغي البحث عن ماهية هذه الحواجز والعوائق، وسبب هذه الفجوات، ومصدر تلك الخبرات المتراكمة.

وبالقطع لا تتحرك المواقف من صيغة إلى أخرى بسهولة، ولا يغير الناس من مواقفهم ومعتقداتهم في حالة العداء بطريقة سلسلة وميسورة، وإن كان العكس هو الصحيح – بمعنى أن الانتقال من التوافق والانسجام والتفاهم والتفاعل إلى الضغينة والتضاد والشراسة والشقاق أسهل في الحدوث وأكثر شيوعاً في علاقات البشر من الانتقال من الحالة الأخرى (من العداء والتضاد والمواجهة إلى ما هو عكس ذلك).

لذلك كان حدث وفاة الملكة إليزابيث مثلاً مدعاة لاستدعاء ميراث الإمبراطورية البريطانية كله، وكان مفتتحاً لفتح حساب موسّع، على الأقل معها هي، حيث أنها حكمت البلاد لفترة حوالي سبعة عقود... وكانت وفاتها مدعاة للتساؤل عن المواقف الحالية الآنية لهذه الإمبراطورية من ماضيها، وأثر ذلك على حاضرها ومستقبلها، على الأقل بالنسبة للدول التي لا تزال – بالمعنى البروتوكولي والدبلوماسي وبصيغة الاستمرار التاريخي – تحت التاج البريطاني.

هناك عوالم كبيرة سيطرت عليها بريطانيا الاستعمارية طوال عقود، بل وأحياناً طوال قرن من الزمان أو بعض قرن... ومنها - إذا ذكرنا الحضارات الأكبر - الهند بمساحتها وتاريخها، وأفريقيا بعمقها واتساعها، والعالم العربي من المحيط إلى الخليج، والعالم الإسلامي في مناطق واسعة من آسيا.

الأسئلة كانت تتراكم وتتجمع وكانت كلها تنتظر لحظة وفاة الملكة التي تشير إلى نهاية حقبة كاملة لهذه المملكة/الإمبراطورية إلي وصلت لمحطات نهايتها في القرن العشرين، وانتهت مرحلة مهمة من تاريخها بوفاة الملكة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. هنا، كان التساؤل، وكانت الإشارات بالأجوبة، والحيرة حول ما هو قائم، وحول ما هو قادم...

جاءت الأخبار عن أن الملك الجديد، تشارلز الثالث، قد عكف بعض الوقت على تعلم اللغة العربية كي يفهم القرآن، ويتفهم مدركات العرب والمسلمين، ولكي يدرك الأبعاد الفكرية والعقائدية التي تصدر عنها مواقف وتصورات وسلوك وممارسات العرب والمسلمين.

ورغم أن هذه الأخبار جاءت على استحياء، ودون التأكيد على إذا ما كان الملك الحالي قد أتقن اللغة العربية أم لا، أو أنه قد تمكن من قراءة القرآن باللغة العربية، أو أنه قد كوّن وجهة نظر شاملة حول الإسلام والمسلمين بناءً على هذا، إلا ن مثل هذه الأخبار إنما جاءت لتشير إلى أبعادٍ معينة يتم طرحها في ملفات الإمبراطورية البريطانية بالتوازي مع وفاة الملكة التي كانت شاهدة على تقلبات العصر وما حلّ ببريطانيا في الحقبة التي حكمتها فيها.

وعلى أي حال، فإن الصيغة التي يمكن استخدامها من هذه المسألة هي أنه إذا كانت المملكة المتحدة ستقوم بمراجعة تاريخها، وإعادة النظر في مواقفها، وإعادة اكتشاف مضامين ودلالات وهوية وثقافة وحضارة من استعمرتهم من شعوب الأرض، فإن مثل هذا يمثل أمرا ربما تكون له دلالته الحاضرة وآثاره المستقبلية في تحسين علاقة هذه الدولة/ الإمبراطورية/ الملكية بباقي العالم وباقي الشعوب التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. وربما كان ذلك إعلاناً بعدم مصداقية ما صنعته آلة هذه الإمبراطورية من تصورات عن شعوب باقي العالم وقت الاستعمار، واتجاهاً نحو بناء معرفة جديدة حول هذا العالم وهؤلاء الآخرين، وربما الانتقال إلى نقطة أخرى بعد ذلك، من حيث الاعتراف بذلك الآخر – ليس باعتباره من رعايا بريطانيا العظمى، بل باعتباره من الأحرار المستقلين الذين ترى الإمبراطورية فيهم أنداداً متساوين في عالم لا فضل فيه لإنسان على آخر بسبب الأصل أو العرق أو اللون... لعل وعسى...

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً