اعلان

طارق متولي يكتب: الحوسبة والآداب

طارق متولي
طارق متولي

منذ فترة قرأت خبر تقدم نائب في البرلمان بطلب أو دعوة لإلغاء كلية الآداب والتجارة هكذا قرأت الخبر ولا أذكر أن النائب ذكر أسباب وجهة نظره هذه ولكن فلنقل أنه يرى أن المجتمع أو سوق العمل ليس بحاجة لمثل هذه النوعية من الدراسة وبالمناسبة هناك فرق بين حاجة المجتمع للعلوم الإنسانية وحاجة سوق العمل فكلية الآداب مثلا تنتمي للعلوم الإنسانية بعكس كلية التجارة التي تنتمي للعلوم التطبيقية.

أذكر عندما أهلني مجموعي فى الثانوية العامة ومكتب التنسيق للإلتحاق بكلية الآثار رغم أنها لم تكن على قائمة اختياراتي المفضلة انني بعد بداية الدراسة بقليل كتبت مقالة في مجلة الكلية عنوانها "خريج كلية الآثار إلى أين" تسألت فيها عن مجال عمل خريج الآثار وأوضحت أنه لا مجال له في سوق العمل سوى هيئة الآثار الحكومية بمرتب بسيط للغاية وهي في نفس الوقت لا تحتاج لموظفين او مفتشين آثار جدد لذا فخريج الكلية لن يجد فرصة عمل في مجال دراسته وتلك كانت الحقيقة التى من أجلها درست بعد إتمام الدراسة بعض اللغات والكمبيوتر حتى استطيع ان اجد فرصة عمل جيدة.

وأذكر أن أحد الاساتذة الكبار في الكلية في أول محاضرة قال لنا أن علم الآثار علم لا ينفع وجهل لا يضر أي أنه علم لمجرد العلم والجهل به لن يضر صاحبه في شيء.

اعتقد أن كليات الآثار والآداب وكثير من الكليات النظرية والعلوم الإنسانية والسينما والمسرح والفن بصفة عامة يحتاجها المجتمع للمعرفة من اجل الإرتقاء الحضاري ولكنها لا تجدي في سوق العمل والإنتاج الإقتصادى الا بصورة فردية، لكن هل هذا يعني التخلي عنها تماما والتركيز على الكليات العملية وما يتطلبه سوق العمل بمتغيراته الكثيرة مثل دخول عصر التكنولوجيا والحواسب الذكية والبرمجة.

تخيل معي مجتمع لا يعرف تاريخ ولا جغرافيا ولا علم اجتماع ولا علم نفس ومنطق وآداب من شعر ورسم وفن مجتمع لا يعرف إلا الأرقام.

اعتقد أنه سيكون مجتمع آلي وليس مجتمع إنساني لا يعرف مشاعر ولا روح ولا خيال ولا تطلعات وأحلام، على الرغم من ان كل التقدم العلمي والتكنولوجي لم يحدث إلا عن طريق التأمل والخيال.

هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالي في خلقه الذي خلقهم مختلفين في كل شىء في الشكل واللون والقدرات والمواهب بطبيعة الخلق هناك أشخاص يبدعون في الرياضيات ولكنهم لا يجيدون التفكر او التخطيط مثلا وهناك أشخاص يبدعون في التفكير ولا يجيدون التعامل مع الأرقام ولهذا قسم العلماء انواع الذكاء الى انواع كثيرة الذكاء الرياضي والذكاء الإجتماعي والذكاء التطبيقي وهذا يخدم احتياجات المجتمع المختلفة والمتنوعة فكما نحتاج في حياتنا إلى العالم التقني الذى يكتشف ويكشف عن خبايا العلم ونحتاج إلى التكنولوجيا والحوسبة لعمل البرامج والإحصاءات وإستنتاج الحلول فإننا نحتاج وبنفس القدر إلى العامل والصانع والمفكر والأديب والفنان الحقيقي.

في المناهج المتقدمة للتعليم يتم عمل اختبارات محددة للنشأ اختبارات للذكاء والمواهب وتحديد القدرات التى يتم على أساسها توجيه الطفل أو الشاب لنوعية التعليم التي تناسب قدراته ومواهبه حتى يبرع فيها لذا ليس من الصحيح أن يتجه الناس لتعليم أولادهم الطب مثلا لانه يدر ربح أو يعني مكانة اجتماعية لانه ببساطة جزء منهم سيفشل تماما في هذا النوع من العلم حتى لو استطاع بعوامل مساعدة أن يحصل على شهادة الطب فإنه سيظل طبيب غير موهوب وغير ناجح وهذا ينطبق على جميع أنواع العلوم.

أخيرًا السؤال الأهم هل يجب أن يتبع التعليم سوق العمل؟ أرى أن العكس هو الصحيح فالتعليم يجب أن يكون القاطرة للمجتمع بصفة عامة ولسوق العمل بصفة خاصة حتى يحدث التوازن الطبيعي بين حاجات المجتمع المتنوعة والعاملين فيه مما يحقق التقدم المطلوب الكامل في جميع نواحي الحياة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً