اعلان

الشعور بالأمان.. ياسر شعبان

ياسر شعبان
كتب :

طبعًا

أنا السمين الشاحب الذي لن يولد مرة أخرى واسألوا ماركيز يخبركم.. لقد رآني وعيناه مفتوحتان على آخرهما وهو ممدد في سرير البحر المعلق في منتصف حجرته ووراءه تمامًا تمثال لزنجية بثديين متدليين تحملهما على كفيها.. وتكلمنا لليالٍ ثلاث وشربنا قهوة مُرة ومضغنا أفيونًا وداعب شاربه الضخم أكثر من ثلاثين مرة وحدثته عن غريزة أمي المتيقظة وأحلامها المرعبة وأن في حياتها سرين – على الأقل – لم تبح بهما وحياتها التي لا أعرف كيف تقضيها وأبي هذا الرجل الذي ضحكت عليه الدنيا وفاجأته بخمسة سنين بعد الخمسين ونقرس في مفاصله فتوقف عن تناول المقويات الجنسية – على الأقل كل يوم – وأصبحت نبرة صوته العالية أقل سطوة وعيناه مزدحمتان بأمنيات كثيرة ضائعة، أبي هذا يا ماركيز شبَّ مع الثورة الاشتراكية مثلك تمامًا وعبد الناصر كعبادتك لـ"بوليفار" – وأحلامه بلا حدود – يُحارب في اليمن لأجل تحرير الناس والقومية العربية ويعود بثلاث عشرة غرزة في جنبه الأيسر ويحكي الكثير كل ليلة.. ويتجشأ بصوت مرتفع ويقسم أن دليلهم اليمني الذي طعنه بخنجر عليه نقوش عربية.. ومازال يحتفظ به حتى الآن.. مات في مكانه على بعد خطوات قليلة لما أفرغ في جسمه خزينة رشاش كاملة، وأن دوره كان فعالًا في تدمير إيلات ولا يذكرون هذا في وسائل الإعلام، وأمي مأخوذة بكلامه العادي جدًا والتافه وتحاول تقلده وأحيانًا لا تطيقه مطلقًا وترى كل تصرفاته عصبية وعاطفية وعبيطة وأحيانًا تقول: أبوكم حنون وطيب وأنتم أولاد ناكرون للجميل سوف تتسببون في موته.. ثلاث ليال متصلة وصوته الخشن يجعلني ارتعش ويقول: نسيت أكتب تحذيرًا في بداية " مئة عام من العزلة " من يقرأ هذه الرواية أكثر من ثلاث مرات ينتهي نهاية مأساوية".. ويضحك ويتجشأ ويداعب شاربه الضخم ويدفعني في صدري ويتمتم: هل جربت جسمك يا ولد؟

جربت جسمي..!!

– آه هكذا الجلد على الجلد واللحم في اللحم.. أم تردد احذروا النساء.. لا تقربوهن.

مطلقًا – أقصد بالطبع – أعني.. جربته..

شئ رائع تكوير صدر بنت في السابعة عشرة ومُخيف انفلات ثدي امرأة أرضعت طفلًا واحدًا – على الأقل – والأسنان مغروسة في كتفك العاري.

لكنني – رغم المرات الكثيرة – لم أقم فأرى فخذين عليهما دم..!!

والله هموم جسمك ثقيلة وطباعك دموية وقاسية – فلماذا سعاد تموت – أوه – أقصد ريميديوس.. وأيضًا الولد الإيطالي الملامح ينتحر ولا شئ يستحق أن يقسو الواحد على نفسه – وأمى لديها على الأقل سران وغالبًا لهما علاقة بوجودي وأصابعها تعرف أماكن الأشياء المخبأة وحلمها لي غامض وثقيل:

شقة واسعة تعنى مستقبلك.. وخالية لأنك في أوله والماء الذي يتدفق من الحنفيات على البلاط رزق وفير..

( وأشعر أن مصيري هو الغرق في هذه الشقة

ولو نجوت أقفز من شباكي الذي لا أغلقه

وإذا استطعت أجرى تصدمني عربة مسرعة.. )

وربما تحفر بأصابعها الجدران بحثًا عن شئ.. تشعر بوجوده – و..

أنت مُر يا رجل ولست متزنًا.. مطلقًا.. وغالبًا أنت أب عادى جدًا وغلبان.. وعلاقتك بامرأتك سطحية جدًا وتافهة.. ونهايتك لا تليق بك – لكنها – نهايتك – فيجدونك في السرير ميتًا – فجأة – ويخطئ الطبيب الشرعي – كالعادة – مات بالسكتة القلبية.. وهذا لا يعنى شيئًا مطلقًا.. فكل الناس لما يموتون تسكن قلوبهم – وأنا أيضًا مُر – والناس الذين لا يشعرون بوطأة وجودي ويحبونني رغم أنوفهم..

وهكذا- أرى أبي بلا حول أو قوة.. ولم يتبق من حماسه الكبير وكتب الاشتراكية غير رغبة تتضاءل – في السلطة – رغبة حتمًا تصل إلى العجز أمام أعضائه التى تضمر وبروستاتا تتضخم وبياض شعره وسقوط أسنانه.. حتى بوله، ويفكر كثيرًا في الموت ويبكي لما تصيبه نزلة برد، ويبحث عن آخرين – أى آخرين – يندهشون لطريقته في الكلام وحركة يديه ولا يسألون – آخرون.. وامرأة لم تحفظ حكاياته بنبرتها وحركات يديه.. امرأة أخرى لا تقول له – ماذا بك..؟ هذه ليست عادتك..! ولما تفاجئه الدنيا بخمس سنين بعد الخمسين وأولاد بغرائز متيقظة وامرأة لا ينفع معها تخبئة الأسرار بعيدًا عن أصابعها – حتى.. يعود إلى حكاياته القديمة.. فتردد نفس التعليقات وتبكي لما يحكي موقفًا للمرة الثلاثين- مثلًا..

وأزعم يوم يفقد عقله لن تربطه في شجرة- وغالبًا تحبسه في غرفته.. تنظفه من البراز والبول وتطعمه وتمسح دموعه التي لا تتوقف.. وتعيد عليه حكاياته القديمة فيضحك من طريقة كلامها ونبرة صوتها وحركات يديها الغريبة.

يعض شاربه ويتجشأ.. ويقول – للأشياء أرواحها – والأطباق في الحوض لم تنكسر لأنها لم ترص بعناية.. ولا لأن الماء المندفع من الصنبور يغلي ولا لأن عيني أم العريس صفراء – حتى.. والبنت التى وضعت كفيها في الفرن حتى احترقا وملأت صدرها بأرواح الأشياء في احتراق الشعر والجلد.. ماتت في عزلتها ولم تقل لأحد هل أحبت الولد الأسمر الشاحب بابتسامته التى لا تقاوم أم أن سطوة الجسد الموسوم سحقت سرحانها.. وأنا والولد السمين الشاحب الذي لن يولد مرة أخرى – أفكر في البنات وخلايا الجسم لم تسحقها الهرمونات وكيف أن أول أنثى جربت معها جسمي أخبرتني أن زوجها يتهمها بالبرود فأتذكر شفتيها الرخوتين وجسمها الثقيل على روحي وأقول أنت خبير يا رجل.. وبين يدي بنت غجرية يكفى صوتها كي تسري الدماء في عروقي..

ولا أرتاح لحالة أخي.. أحب اندفاعه جدًا وأحسده على حياته التى يكرهها كما يكره نفسه ويكرهني ويكره هذا الرجل فوق الكنبة والمرأة التى – دائمًا – عند قدميه.. وأحتار لأنه لا يفهم- والله الأشياء لا تحدث – والحياة بحرية أحق من حرق الدم لأسباب تافهة.. ألا تعتقد أنه غبي.. مَدّ يده وجذب ثدي الزنجية الأيسر.. وحَدّق في وحمة على صدري.. الحاجة هي الحاجة.. وحروق يدي البنت مكمن نشوة وشرود والأشياء التى لا تحدث.. تحدث شديدة التشابك لا تقبل الفصل والتحديد.. ولا يوجد شيء في الدنيا حي اسمه التكثيف – مثلًا.. وهكذا..

واحتقن وجهه جدًا

وسعل عدة مرات

ويداه تدفعان ما لا أراه ويهاجمه..

ربما أرواح المساكين الذين يولودون ويموتون بين الورق.. والله ذاته لا يفعل هذا مع مخلوقاته الغلبانة (وصديق لي يقول بل يفعل أكثر.. ) رغم أنني لا أفهم.. ما ذنب الأطفال – مثلا-؟! والأولاد الذين يحبون لأول مرة.. ولماذا نحن بلا حول أو قوة؟ ومصائرنا تغيرها أشياء تافهة ومفاجئة ولا شيء سوى حدق واسع وأفواه مفتوحة على آخرها..

فأمس ــــ مثلًا.. قررت فجأة تغيير طريقي المعتادة.. هكذا.. وبعد خطوتين اصطدمت بصديق لم أره منذ عشرين عامًا تقريبًا.. ولم يكن لدينا أسماء لنتبادلها ولا كلمات اعتذار مناسبة فارتمينا في أحضان بعض ورددنا "والله واحشني " لدرجة أن امرأة عجوز ربتت على كتفينا وهي تبكي..

مرة افترقنا على موعد قريب وأسماؤنا لم تزل غائبة ومرة تبادلنا الأسماء والعناوين وتحدثنا في أمور المعيشة وخيبة الكرة والدول العربية وأننا لابد نتقابل فنحن عِشرة عُمر.. حدق واسع وأفواه مفتوحة على آخرها وأولاد في سني يموتون وآخرون ينجبون وآخرون يتحولون إلى إرهابيين يطلقون النار على الخلق الغلابة والأطفال في المدارس والبنات اللائي تسحق الهرمونات خلاياهن.. والذين لهم مستقبل يضيعون والذين بلا مستقبل- هكذا نقول- يصبحون أغنياء.. حَدق واسع وأفواه مفتوحة على آخرها..

وحاكم يريد إعادة ( نيزك ) يمر كل مائة عام لتتعلق به أنثى يحب – فقط تتعلق به – وآخرون يقتلون الناس بالغيظ والرصاص ويقولون مرة الحرب ومرة الإرهابيون ليبقوا في الحكم.. ولما تسألهم عن الناس يقولون: كسالى.. متخلفون.. كافرون.. سلبيون أو أدعو لنا الله القدير ليصلح المجارى.. وأنا مغتاظ جدًا من هذه البنت التي تخلع ملابسها في وجود الناس وأنا غير موجود.." وتخشى على الولد الذي يتلصص عليها وهي تستحم من السقوط ــــ أزعم أنك هنا تسخر من المسيح ـــ ولا تموت بل تختفي "ويقولون رفعتها السماء إليها "..

وبينما الحيطان مملوءة الآن بأسماء الشركات وفرق الأفراح والإسلام هو الحل ولا للإرهاب.. مشى الناس في الشوارع صامتين متجهمين ونظرة العين ونبرة الصوت وحركة اليد تحمل همومًا عائلية كبيرة وهزائم وخيبات وتساؤلات وتساؤلات.. وهو مغمض العينين تمامًا – ومبتسم.. وثديا الزنجية يبرقان.. شعرت أنني لابد أرحل أو أنه لابد يرحل.. وصرخت أنت تبالغ جدًا.. فالرجل الذي ربطوه في الشجرة حتى مات أبوهم.. والولد الذي حمل زجاجات البيرة على عضوه "ولا أعتقد أن أحدًا يمتلك هذا العضو" وسمعوا صرخات امرأته أكثر من عشرين مرة ليلة زفافهما.. انطلقت دماؤه من تحت عتبات البيوت وفوق الأرصفة ولا أحد يعرف من أطلق النار عليه.. ثُمّ هل من المعقول انتحار رجل بأصابع ديناميت في مؤخرته.. وأيضًا أورليانو الأخير.. تلاشى..

وأنت مُر جدًا يا رجل ومخبول.. ورغم ذلك فهناك سران على الأقل لم تبح بهما أمي ويتعلقان بوجودي.. وكذا أوراقك، والحرية المطلقة شيء رائع جدًا.. والإحكام والحبكة ليسا من صفاتنا نحن الفانين العاجزين التافهين.. والحياة كنز والقوى الروحية للأشياء أسرار تُسَر للمسهدين بغرائز متيقظة وأرواح مطلقة.. وأنا الولد السمين الشاحب الذي لن يولد مرة أخرى – وهذا لا يعني شيئًا مطلقًا – ويحبني الناس رغم أنوفهم – حتى..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• من مجموعة (كلام كائن عادي).. تصدر قريبًا

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً