اعلان

أبطال مصر في الدورة البارالمبية نموذجا مضيئا "لثقافة النصر"

أبطال مصر في الدورة البارالمبية
كتب : وكالات

تشكل إنجازات أبطال مصر في الدورة البارالمبية الحالية في "ريو دي جانيرو" نموذجا مضيئا لثقافة النصر وإرادة التحدي وتفجير الإمكانية.

ورغم كل التحديات القاسية يؤكد أبطال مصر انتصاراتهم المتوالية أمام العالم في الدورة البارالمبية وأن الأفق فسيح والوطن العظيم مازال ينجب الأبطال من صانعي الفرحة وأنهم المبتدأ والخبر وهم صانعو الحقيقة والمستقبل.

مع الانتصارات المتوالية لأبطال وبطلات مصر في الدورة البارالمبية الخامسة عشرة والتي تستمر حتى الثامن عشر من شهر سبتمبر الجاري في مدينة "ريو دي جانيرو" البرازيلية باتت البعثة المصرية مقصدا لوسائل إعلام دولية ووكالات أنباء عالمية.

والبطل البارالمبي المصري شريف عثمان، الملقب "بجيفارا" وصاحب الميدالية الذهبية الأولى لمصر في دورة "ريو دي جانيرو"، نجح في تحطيم الرقمين البارالمبي والعالمي في رفع الأثقال وزن 59 كجم، فيما حظى إبراهيم حمدتو الذي يوصف "بأسطورة كرة الطاولة" باهتمام إعلامي لافت ومستحق؛ كونه تحدى الإعاقة بعد أن تعرض منذ طفولته لبتر ذراعيه في حادث قطار.

مع ذلك اختار حمدتو ممارسة رياضة كرة الطاولة التي تعتمد تماما على الذراعين ليبهر بإرادته الفولاذية وسائل إعلام ووكالات أنباء وقنوات تلفزيونية غربية مضت تنشر صور ومشاهد هذا المصري البالغ من العمر 43 عاما وهو يشارك في منافسات "ريو دي جانيرو" معتمدا على فكيه وعنقه فيما يضع المضرب في فمه.

ولئن كان إبراهيم حمدتو أول لاعب كرة طاولة يشارك في دورة بارالمبية من دون يدين فإنه أعرب في تصريحات صحفية عن سعادته بهذه المشاركة في دورة "ريو دي جانيرو" التي واجه فيها أسماء كبيرة في اللعبة مثل البريطاني "ديفيد ويتريل" المصنف الرابع عالميا والذي أعرب عن إعجابه الكبير بهذا البطل المصري.

وقصة حمدتو، ابن كفر سعد بمحافظة دمياط، هي قصة ملهمة لكل من تعرض لحوادث أليمة مثل حادث القطار الذي تعرض له وهو في العاشرة من عمره فيما شكلت الرياضة طوق الإنقاذ لهذا الفتى من محنته، ونافذة أمل لم يغادرها بإرادته المثيرة للإعجاب وقدرته على تفجير الإمكانية وتجاوز ظروف عصيبة حقا.

هنا من الطبيعي أن يحظى حمدتو بإعجاب البرازيليين الذين يستضيفون الدورة البارالمبية الحالية؛ فهو بالفعل "أسطورة كرة الطاولة في العالم" وهو الذي يمسك المضرب بأسنانه فيما يستعين في "ضربة الإرسال" بأصابع قدمه اليمنى ليرفع الكرة قبل أن يرسلها بالمضرب القابض عليه بفكيه اعتمادا على عضلات العنق.

بدأ إبراهيم حمدتو ممارسة لعبة كرة الطاولة منذ عام 1985م باستاد دمياط ثم التحق باتحاد الشرطة الرياضي، والطريف والدال أنه يدرب أبناء قريته الذين جذبهم لكرة الطاولة كما أنه يهوى الخط، ويستخدم أسنانه أيضا في التخطيط، كما يستخدمها في القبض على مضرب اللعبة التي يعشقها واستحق أن يطلق اسمه على الصالة الرياضية في مدينة رأس البر.

ولعل إبراهيم حمدتو يجسد في الواقع مقولة: "لا شيء مستحيل" التي اقترنت بفيديو له على موقع يوتيوب حظى بأكثر من مليوني مشاهدة، فيما مضى هذا البطل في طريق دعم أشخاص آخرين تعرضوا لحوادث خطيرة وخاصة من الأطفال الذين جذبهم لعالم الرياضة كتعبير صادق عن مقولة "لا شيء مستحيل".

وقد ينافس شريف عثمان، أو "جيفارا المصري"، البطل إبراهيم حمدتو في جذب الاهتمام الإعلامي العالمي ناهيك عن إعجاب وتشجيع الجمهور البرازيلي منذ أن بدأت دورة "ريو دي جانيرو" في السابع من شهر سبتمبر الحالي فيما كان "جيفارا المصري" قد فاز أيضا بميدالية ذهبية في دورة بكين البارالمبية عام 2008م، وبعدها في دورة لندن عام 2012م، ثم بطولة العالم الأخيرة التي أقيمت بدولة الإمارات العربية المتحدة.

وكقدوة مصرية مضيئة يطالب "جيفارا" الحاصل على درجة الماجستير في علم النفس الرياضي الشباب المصري بالتمسك بالإرادة وعدم الانكسار، فيما يؤكد هذا الرياضي الشاب الذي يلفت أنظار العالم بأداء التحية العسكرية عقب انتصاراته البارالمبية على أهمية انخراط كل المصريين في جهود البناء من أجل مستقبل أفضل.

وإذ نجح مصطفى فتح الله في اقتناص أول ميدالية فضية بارالمبية لمصر في ألعاب القوى بسباق 100 متر عدو، فإن الرباعة المصرية راندا تاج الدين تمكنت مساء أمس "الثلاثاء" من الفوز بميدالية ذهبية في وزن 86 كجم لرفع الأثقال لتكون ثامن ميدالية لمصر.

وفيما اعتبرت رئيسة البعثة المصرية البارالمبية الدكتورة حياة خطاب أنها شهدت "أجمل عيد أضحى" في "ريو دي جانيرو" معربة في تصريحات صحفية عن سعادتها البالغة بإنجازات الأبطال المصريين في الدورة الحالية فإنها هتفت من الأعماق:"تحيا مصر".

وتتواصل إنجازات الأبطال الذين رسموا ابتسامة فرحة كبيرة على وجه مصر في عيد الأضحى فيما كانت الرباعة المصرية فاطمة عمر قد فازت بفضية رفع الأثقال في وزن 61 كجم وكادت أن تظفر بالميدالية الذهبية كما فعلت من قبل في دورات بارالمبية سابقة، كذلك فازت المصرية أماني إبراهيم ببرونزية رفع الأثقال في وزن 73 كجم، ونالت زميلتها أمل صبحي الميدالية البرونزية في وزن 67 كجم.

وتعبر هذه الحالة لفتيات مصريات عن قدرة فذة على تحدي الإعاقة وتحقيق إنجازات عالمية للوطن تماما كما أن فريقا بارالمبيا مصريا مثل منتخب الكرة الطائرة "جلوس" تمكن بإرادة حديدية من الفوز على منتخب البرازيل صاحب الأرض وأمام جمهوره كما هزم المنتخب الألماني القوي وها هو يفوز أمس "الثلاثاء" على منتخب الولايات المتحدة الأمريكية.

هكذا يردد المصريون بفخر أسماء أبطال بارالمبيين مثل شريف عثمان، وراندا تاج الدين، والرباع شعبان يحيى، الذي اختتم مسيرته الرياضية البارالمبية بالبرونزية فضلا عن فاطمة عمر، ورحاب رضوان التي تستعد من الآن للفوز بميدالية ذهبية في رفع الأثقال بالدورة البارالمبية القادمة عام 2020م في العاصمة اليابانية طوكيو بعد فوزها بالفضية في الدورة الحالية في "ريو دي جانيرو".

وكان وزير الشباب والرياضة، خالد عبد العزيز، قد أكد أهمية هذه الانتصارات البارالمبية لإسعاد الشعب المصري وتقديم القدوة لشباب الوطن، منوها بأنه يستعد لتكريم هؤلاء الأبطال بما يتناسب مع حجم الانجاز.

وواقع الحال أن ثمة حاجة لاستنباط العديد من الدروس المفيدة من إنجازات أبطال مصر في الدورة البارالمبية الحالية والتي تبرهن على مدى صلابة وقوة إرادة الإنسان المصري.

كما أن هناك ما يدعو لقراءة ثقافية في عالم الرياضة على وجه العموم وتأمل معنى "ثقافة النصر" والاستجابة للتحدي وقد تكون المشاهد في لعبة شعبية مثل كرة القدم دالة على هذا المضمار وها هو نجم النجوم البرازيلي بيليه والحاضر أبدا في ذاكرة اللعبة الجميلة يقول في كتاب شهير صدر قبل أكثر من عامين بعنوان "لماذا كرة القدم هامة؟": "إن هذه اللعبة هي هي بحق لعبة التحديات والاستجابات".

وهكذا فالرياضة بألعابها المختلفة ومن بينها كرة القدم ليست بعيدة أبدا عن نظرية المؤرخ البريطاني الراحل "أرنولد توينبي" المعروفة "بالتحدي والاستجابة" والتي سعى للبرهنة على صحتها بضرب أمثلة واقعية من بينها: أن الصيادين الذين ينقلون الأسماك من منطقة لأخرى قد يضطرون أحيانا للبحث عن أنواع معادية لأسماكهم؛ لتحفيز استجاباتها والحفاظ على مرونتها.

فوجود الخصم أو المنافس مطلب عضوي للحياة والتحديات تدفع التطور للأمام مادامت هناك استجابات فاعلة، والأمر لا يختلف من حيث الجوهر في عالم الرياضة؛ لأن أي فريق أو لاعب لا يلعب مع نفسه وإنما يواجه فريقا أو لاعبا آخر يتطلع للانتصار عليه خلافا للتعبير الساخر للشاعر الأمريكي الراحل "روبرت فروست" عندما تحدث عن "لعبة بلا شبكة يكتشف المنتصر فيها أنه حقق الانتصار على نفسه وليس على خصم أو منافس"!

وها هو جوزيه مورينيو، المدير الفني الجديد لفريق مانشستر يونايتد الإنجليزي، يتحدث عن أهمية الطاقة الإيجابية والكرة الهجومية والروح القتالية والتخفف من الحمولة الزائدة للفريق، أو ما يوصف رمزيا وعلى سبيل الاستعارة البلاغية، "بإعادة تشذيب العشب الأخضر لملعب أولد ترافورد" الذي يقترن بمانشستر يونايتد.

وإذا كان زلاتان إبراهيموفيتش قد انضم لفريق "مانشستر يونايتد" في الموسم الجديد للدوري الإنجليزي فهو أيضا من "اللاعبين أصحاب الكتب"، وهو صاحب كتاب عن مسيرته داخل وخارج المستطيل الأخضر عنوانه "أنا زلاتان: قصتي على الملعب وخارجه".

وفيما يكشف هذا الكتاب شخصية مؤلفه كلاعب جريء ومبتكر وصاحب حضور براق فإن ابن المهاجر البوسنوي المسلم للسويد يصف حياته بأنها: "لم تكن دوما حياة سعيدة غير أن التحديات الصعبة علمته فضيلة الاعتماد على الذات فيما كانت كرة القدم متنفسه وسبيل خلاصه من همومه"، وبما يعيد للأذهان قصة الرياضي المصري من ذوي الاحتياجات الخاصة إبراهيم حمدتو التي أمست موضع اهتمام وسائل الإعلام العالمية.

فالتحديات تتحول لمحفزات وقد تستنفر أفضل الاستجابات سواء في حالة المصري إبراهيم حمدتو، أو النجم الكروي العالمي والبوسنوي الأصل زلاتان إبراهيموفيتش الصريح مع نفسه ومع الآخرين كما يتبدى في كتابه.

فقد كان يتحدى منذ البداية أحزانه كطفل فقير مهاجر للسويد بترياق الساحرة المستديرة، والأهداف المدهشة حتى وصف "بالطفل المعجزة"، ثم أمسى ظاهرة كروية عالمية وهو في مطلع العشرينيات من عمره ليصدق عليه القول المأثور: "ليس الفتى من يقول كان أبي ولكن الفتى من قال ها أنا ذا"، ثم يتحول إلى "أمثولة في تجاوز التحديات" وقدوة في ثقافة النصر تماما كما هو حال ابن دمياط إبراهيم حمدتو..إنها "قصة الأمل والصلابة".

وإنها قصة فتية من مصر كتبوا صفحة مجد في ثقافة النصر بالدورة البارالمبية الحالية في "ريو دي جانيرو"، فتحية لأبطال مصر وهم يصنعون النصر الكبير بالجهد والعرق والإبداع، تحية للأبطال وهم يفجرون الإمكانية ويرفعون أعلام مصر عاليا عاليا".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً