اعلان

من فرح عائلي إلى قاعات الأفراح وترجمة الأغاني.. رحلة زواج الصم وضعاف السمع

يسير محمد أنور صاحب الثلاثين عامًا، يوميًا من منزله في الحلمية إلى مركز التأهيل الخاص بالصم وضعاف السمع بمصر الجديدة، لمباشرة عمله في ورشة النجارة الخاصة بالمركز، التي التحق للعمل بها منذ ما يقرب الـ٥ أعوام.

يبدأ محمد الذي فقد سمعه منذ كان في السابعة من عمره، بعد إصابته بارتفاع في درجة الحرارة، عمله في المركز في الثامنة صباحاً، إلى الرابعة مساءً، ليعود بعد ذلك إلى منزله الصغير الذي يعيش فيه مع زوجته فاطمة، وأطفاله الثلاثة.

يعود محمد بذاكرته إلى اليوم الذي عقد قرانه على فاطمة زميلته في إحدى مراكز التأهيل التي كانت تعقد ندوات لشباب الصم والبكم من الجنسين، فتقول نجلاء الدغيدي، المترجمة الخاصة بالصم وضعاف السمع بمركز مصر الجديدة "المراكز بتساعد الصم وضعاف السمع أنهم يتعرفوا على بعض ولو فيه انسجام بين شاب وشابة منهم بنساعدهم يتعرفوا على بعض".

تفاصيل زواج محمد وفاطمة مشابهة لقصص زواج الكثير من الصم وضعاف السمع، فتقول نجلاء "محمد اتعرف على فاطمة في مركز ولما المسؤولين هناك وجدوا رغبة من محمد في التقرب من فاطمة بيساعدوهم يفهموا بعض وبعدها يتكلموا مع أهلهم لو موافقين بيتم الزواج ولو لا بيرجعوا أصدقاء تاني في المركز".

في أبريل عام ٢٠١٠ كان زواج محمد الذي كان يعمل بياعًا في إحدى المحلات التجارية بعد أن أنهى التعليم ما قبل الجامعي في مدارس الصم والبكم، وفاطمة التي كانت في ذلك الوقت تعمل في تغليف الخضروات لتوزيعها على التجار، عائلة الشابين تعرفوا على بعضهم البعض من خلال مركز الصم وضعاف السمع، فتروي المترجمة على لسان محمد "اهلي اتعرفوا على أهل فاطمة، للأسف أهلها كانوا معترضين عشان خايفين الأطفال يحملوا نفس المرض لكن بعد تمسكي بحب فاطمة وافق والدها وأخواتها".

لم يكن عدم السمع والتحدث هو العامل الوحيد في حب فاطمة ومحمد، فالزوجين لديهم رغبة في العمل وتحدي اعاقتهم، فتقول نجلاء"للأسف الصم وضعاف السمع مش واخدين حقهم، شغلهم بيكون عمال نظافة أو في النجارة أو الخياطة ولو في شركة خاصة شغلتهم لتنفيذ الـ٥٪ المفروضة عليهم لتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة، بيفرضوا على أصحاب الاعاقات عدم العمل مع أخذ مرتب شهري بسيط، وفي حالة الاعتراض على ذلك يتم طردهم".

فرح محمد وفاطمة الذي تم بعد مرور ١٠ أشهر من لقائهم الأول، كان في قاعة مركز التأهيل، فتقول نجلاء"فيه مراكز تأهيل فيها قاعة بيعملوا فيها أفراح الصم وضعاف السمع، ومركز مصر الجديدة فيه قاعة تم فيها أفراح قبل كده لكن حاليًا هي تحت التجديد".

أصدقاء فاطمة وأحمد وعائلتهم كانوا المهنئين في الفرح، فتقول نجلاء على لسان محمد"شغلنا أغاني في الفرح لأن كان فيه ناس بيتكلموا ويسمعوا من عائلتنا، وكان لازم نفرحهم معانا، احنا صحيح مكناش سامعين ولا عارفين ايه الأغاني لكن فرحانين إن قصة حبنا انتصرت واتجوزنا".

٧ أعوام كاملة مرت على زواج محمد وفاطمة، انجبوا خلالهم ٣ أطفال، فتروي نجلاء المترجمة "ربنا رزقنا بولد وبنتين وكلهم بيسمعوا ويتكلموا وبيساعدونا نعيش في مجتمع يهمل في حق الصم وضعاف السمع في الحياة والتواصل مع أفراد المجتمع".

من قصة حب محمد وفاطمة إلى خالد أحمد الذي يستعد لمقابلة عروسه، فاختار أن يرتدي بنطاله الأسود وقميصه الأبيض الذي اشتراه له والده منذ 3 سنوات عندما كان في الـ22 من عمره، أخد يمشط شعره الذي يميل لونه إلى البني، ارتاح قلبه بعد أن نظر إلى نفسه في المرآة الموضوعة بالجانب الأيمن من غرفته الصغيرة، التي تضم سرير يكفي شخصًا واحدًا وكرسي ودولاب.

بعد أكثر من 10 دقائق، دق والد خالد باب غرفة نجله الوحيد، قائلًا "يلى يا حبيبي عشان العروسة مستنياك"، فاليوم هو الحادي عشر من أكتوبر، الموعد الذي اتفق عليه والد أحمد مع صديقه، لخطبة ابنته، نهض أحمد وقلبه يخفق، فتلك هي المرة الثالثة التي يذهب فيها لطلب الزواج، لكن الرفض وخيبة الأمل هو ما يحصل عليه، بعد أن يرفض والد العروس تزويج ابنته إلى شاب يمتلك إعاقة.

قاد أحمد والد خالد السيارة إلى منزل صديقه، داعيًا الله أن يحقق أمنيته بزواج ابنه، الذي يعمل نجارًا، بعد أن فقد الأمل في ايجاد وظيفة حكومية، كغيره من الشباب الصم وضعاف السمع، توقفت السيارة أسفل منزل العروس التي استغرقت 3 ساعات كاملة، تحاول أن تصنع من نفسها ايقونة في الجمال، ليوافق خالد على الزواج بها بمجرد رؤيتها.

دق والد خالد باب العروس، بعد ترحيب حار من مصطفى صديقه، ليجلس الطرفين أمام بعضهم في غرفة الصالون، التي نظمتها والدة "رضوى" قبل يوم من موعد المقابلة.

طلب والد أحمد يد رضوى من صديقه مصطفى، لكنه كان مقتنع أن ابنته هي صاحبة القرار "رضوى وخالد أصحاب القرار في المسألة ده"، دقائق ودخلت الأم غرفة رضوى، قائلة بلغة الإشارة "ها خلصتي عشان العريس مستني بره!".

خرجت رضوى، التي تعاني من عدم القدرة على السمع والحديث، إلى الغرفة التي يجلس بها خالد، نظرات متبادلة، وابتسامة هادئة من رضوى، فهم منها خالد أنها وافقت على الزواج منه، ساعة كاملة قضاها والد العريس والعروسة، في مناقشة تفاصيل الزواج، في الوقت الذي أخذ خالد يتحدث مع رضوى بلغة الإشارة "قعدت أحكي لها عن حياتي وشغلي وأني بقبض مبلغ قليل وأمي توفيت من 5 سنين وحسيت في الوقت ده إن رضوى معجبة بشخصيتي".

بعد أسبوع من ذلك اللقاء، اتفقت العائلتين على شراء تجهيزات الزواج بصحبة العريس والعروس، فخالد يستطيع أن يسمع بشكل ضعيف لكنه غير قادر الحديث، أما رضوى فغير قادرة على التحدث والسمع.

شهرًا كاملًا قضاه خالد ورضوى في تجهيز عش الزوجية، الذي هو منزل والد أحمد، وقبل 3 أعوام من الآن، كان حفل زواج العروسين، لكنه اختلف كثيرًا عن حفلات الزواج المعروفة للجميع، فيقول خالد لـ"أهل مصر" عن طريق الكتابة "رضوى لبست فستان الفرح وانتظرتني في بيت والدها، وأنا لبست البدلة وجيت أنا ووالدي أخدناها وروحنا البيت".

عادةَ ما تكون حفلات الأفراح مليئة بـ"الزغاريد" والأغاني الصاخبة والشعبية، لكن في زفاف خالد صاحب البشرة البيضاء والملامح الهادئة، ورضوى ذات الأعين الخضراء، كان هادئًا مثل الحب الهادئ الذي ولد في قلبيهما خلال 30 يومًا فقط، كان المدعوين هما والد رضوى ووالدتها وولد خالد وأصدقاء العروسين من الصم والبكم في عمل خالد ومركز التأهيل الذي تذهب إليه رضوى أسبوعيًا للتدريب على أعمال الخياطة.

قاد خالد عروسه إلى غرفته التي اختارت هي كل تفاصيلها، بداية من لون الحائط انتهاءً بنوعية السجاد، لتبدأ حياتهم الزوجية التي توجت بطفل بعد 9 أشهر من ليلة الزفاف، خالد يذهب إلى العمل ورشة النجارة من 8 صباحًا إلى الـ5 مساءً، ووالده يسير على نفس المواعيد، أما رضوى فتستيقظ في العاشرة صباحًا وتبدأ في تنظيف المنزل ثم اعداد الطعام إلى أن يأتي خالد ووالده، ليتناولوا الطعام سويًا، و بعد انهاء الطعام، يجلسون للحديث بلغة الإشارة، التي إعتاد والد أحمد أن يتحدث بها في المنزل.

بالرغم من إعاقة خالد ورضوى إلا أن طفلهم "مصطفى" الذي أصر خالد أن يسميه على اسم والد رضوى "حبيت اسميه مصطفى عشان أشكر والد رضوى أنه وافق عليا بالرغم من إعاقتي ومهنتي البسيطة".

يعمل أحمد الذي بلغ من العمر 55 عامًا في إحدى شركات المقاولات، ولهذا قرر أن يتكفل بمصاريف "مصطفى" حفيده، منذ ولادته "والدي تكفل بكل جنيه يصرفه مصطفى عشان أنا قبضي على قد مصاريفي أنا ورضوى"، حسبما كتب خالد في الورقة التي اتخذها طريقة للتعامل مع أفراد المجتمع.

بالرغم من أن "مصطفى" يبلغ من العمر 3 سنوات، إلا انه تعلم كثيرًا من لغة الإشارة، كما كتب خالد "مصطفى بنحاول نعلمه لغة الإشارة عشان يعرف يتعامل معانا ويعمل مهام والدي بعد كده، مثلًا يصحيني أنا ووالدته عشان المنبه مش بنسمع صوته، ويساعد مامته في البيت عشان مش بتعرف تتكلم وتسمع".

وداخل أسوار مركز تأهيل الصم وضعاف السمع بمصر الجديده، سلالم دائرية قديمة تقود من يدخل المركز الذي يجلس عليه بواب يستطيع التحدث والسمع ومجموعة من الموظفين قادرين على التحدث بالصوت ولغة الإشارة في آن واحد، إلى غرفة سامي فؤاد، صاحب الـ٥٨ عامًا.

منذ سنوات عديدة وسامي يعمل في المركز، بعد أن قرر الابتعاد عن الارتباط وحدد هدفه في مجال النجاح في العمل، فتقول المترجمة على لسان سامي صاحب الشعر الأبيض الذي دب به الشيب منذ سنوات" حاولت أتجوز كتير بس كل مرة والد العروسة كان بيرفض لما يعرف إن عدم التحدث والسمع وراثة في عائلتي"، ليرفض بعد ذلك كل عروض الزاوج الذي حاولت والدته التي تعاني من نفس إصابته .تنسيقها، لكن سامي كان قد أنهى مسألة التفكير في الزواج.

يستيقظ سامي في السابعة صباحًا "مفتاح شقتي مع جار ليا بيفتح الشقة ويصحيني"، يتناول فطوره وينزل ليستقل الأتوبيس الذي يوصله أمام باب المركز، ليبدأ عمله في إنهاء أوراق المتقدمين للعمل في المركز، ينهي عمله في الخامسة مساءً، يتوجه بعدها إلى النادي الثقافي الذي يعد فرع من مركز الصم وضعاف السمع"بتفرج هناك على الماتش أو بلعب طاولة مع أصحابي وأوقات بنعمل ندوة دينية".

حضر سامي العديد من أفراح الصم وضعاف السمع، فتقول نجلاء على لسان سامي"الأفراح حاليًا بقت أحلى من الأول، أوقات بيجيبوا مترجمة تكون مهمتها وصف الأغاني اللي شغالة في الفرح للعروسين من الصم وضعاف السمع وطبعًا الحاضرين فيهم بيسمعوا ويتكلموا عادي وفيه اللي نفس حالتنا، وجود مترجمة منح العروسين احساس بالأمان والراحة، بعد ما كانوا الأول بيشعروا أنهم غرباء عن المجتمع".

نقلا عن العدد الورقي

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً